«أما بعد»… تنطلق على خشبة «القباني»

دمشق ـ رانيا مشوّح

فوق خشبته العتيقة، دوى صدى خطواتهم يحاكي الواقع القديم الجديد، علّ سخرية الضحكات تمحو مرارة القدر. وفي استلهام للحياة من عبثية الموت، ومن خلال مناشدة للملمة بقايا الإنسان المبعثرة بفعل براثن حرب قتلت الإنسان لكنها عبثاً تتمكن من الإنسانية، وانطلاقاً من دوره الرائد في الثقافة، يدقّ ناقوس الحياة، ومن هنا قامت وزارة الثقافة وبرعاية وزير الثقافة محمد الأحمد وبالتعاون مع مديرية المسارح ـ المسرح القومي في دمشق، بعرض مسرحية «أما بعد» المستوحاة في جزء منها من الفيلم الأجنبي «about Schmidt»، وهي من تأليف وإخراج سهير برهوم وبطولة: علي القاسم، إيمان عودة، وزهير البقاعي، وذلك على خشبة مسرح «القباني» في دمشق.

افتتح العرض معاون وزير الثقافة، المهندس علي المبيّض الذي تحدّث إلى «البناء» قائلاً: المسرحية ترصد حالة إنسانية من خلال عرض ما تمرّ به عائلة من انكسارات وإخفاقات، أدّت بشكل أو بآخر إلى ما تمر به البلاد من أزمة، وتنتهي بمقولة هي: «يجب أن يكون هناك هدف لنعيش من أجله». كما تركت أملاً من خلال طفل يرمز إلى المستقبل.

وأضاف: المسرحية جيدة وتأتي من ضمن أنشطة مديرية المسارح والموسيقى التي تقدّمها لرفع الذائقة الفنية لدى الجمهور. المسرح ممتلئ ودائماً العروض المسرحية لها جمهورها. فالمسرح أبو الفنون وهو في تعاطٍ مباشر مع الجمهور يُمكّن الممثل من رصد ردّ الفعل الإيجابي أو السلبي من قبل المتلقي.

وقال المبيّض: مديرية المسارح تقدّم جملة من الفعاليات والأنشطة في كافة المحافظات، هناك حضور نوعي خلال الأزمة. ووزارة الثقافة تسعى من خلال كافة الفنون إلى إيصال رسالتها. فمن خلال الإمكانيات المتوفّرة نسعى وضمن الحدود الدنيا إلى إطلاق المسرحيات. ولم يكن هناك غياب، لا بل هناك تحسّن واضح خلال هذه السنة في كافة الفنون، وثمة وجود واضح للمسرح.

كما كان لمؤلفة المسرحية ومخرجتها سهير برهوم لقاء خاص مع «البناء»، حيث قالت عن المسرحية: المسرحية ليست مستوحاة بشكل كامل من الفيلم الأجنبي، الجزء المستوحى هو محور الطفل الذي يتبرّع له الشخص المتقاعد بكفالة له، هذا المحور هو المستوحى من الفيلم، موضوع المسرحية يعني لي بشكل شخصي من خلال حالة مررت بها جعلت لديّ موقف من التقاعد، حتى أنني أجرّم التقاعد. هذا الشخص المتقاعد الذي تصدمه الفكرة يشعر بإجحاف وهو قادر على العطاء في محاولة منه لإثبات وجوده في أعمال أخرى. العمل إنساني في ظل ظرف الحرب لكنني لا أستطيع تجاهل ظرف الحرب. الموضوع عن التقاعد إنّما ضمن إطار الحرب وهناك إشارات لها علاقة بالحرب وآثار الحرب، لكن بطريقة واضحة وغير فجّة. المسرح قادر على التأثير وجمهورنا له مسرح يحبّه وينتظره، وهذه السنة نشهد دعماً إعلامياً واجتماعياً كبيراً للمسرح.

وكان لـ«البناء» لقاء خاص مع أبطال العرض الثلاثة، حيث حدّثنا الفنان علي القاسم عن مشاركته قائلاً: دوري يكمن في شخصية المتقاعد «نجيب». هذا المتقاعد الذي أمضى حياته في العمل، وينتمي إلى جيل يؤمن بالعمل بضمير، يؤمن بالعمل بتفانٍ ويؤمن بأن هذا العمل هو شرف وعزّة وكرامة. العرض اسمه «أما بعد»، وهو يعرض الوضع العام، وضع الحرب القاتلة التي كانت شديدة جداً على سورية بكل فئاتها. هذا العمل يأتي بمنظار من يدفع الثمن الذي يتجسد بأولادنا وغربتنا وبكل الأشكال التي خسرنا فيها. خسرنا بناء البلد هذه الخسارة لها علاقة بالوضع العام وعملنا ضمن الوضع العام ومن رحم المعركة وتأثيرها على العلاقة بين الشخص ونفسه وعائلته ومجتمعه ومهنته. نقدّم هذه الأحداث ضمن إطار المسرح الواقعي، المسرح الإنساني وهنا نصل إلى رسالة المسرح التي تتبنّى حياة الناس على كافة الأصعدة، وتأثيره من كافة النواحي ونقول رسالتنا الأخيرة أن اللبنة الأساسية للمجتمع والقاعدة الكبرى هم الأطفال، هم رسالتنا ومهمتنا والأساس الذي يجب العمل عليه بحبّ وأمل وحياة. الطفل هو الأساس لذا يجب الاهتمام به.

بدورها، قالت بطلة العرض الفنانة إيمان عودة: للأسف الحرب أثرت على المسرح. المسرح لديه طريقة صحيحة ومبدئية يأخذها المتلقي مباشرة وبطريقة جميلة لكنه كان ضعيفاً لأسباب كثيرة حيث لم يكن هناك دعم لنشاطاته. ورغم هذا الظرف عملنا نحن وزملاؤنا ومديرية المسارح على تقديم ما نستطيع تقديمه. في العرض أؤدّي دور «الزوجة». أحببت فكرة العمل البعيدة عن الحرب الكارثية وهي فكرة التقاعد عند الرجل، إنّما من دون أن نشعر، نذهب إلى الأزمة في كل تفاصيل حياتنا. ضغط هذه المشكلة ومعالجتها ضمن الحرب من حيث تأثيرها والتأثير عليها، هذه الزوجة لديها مشاكل وضغوطات لكنها عاشت في صراع هو الأمل بالحياة والمستقبل والفرح إلى أن تأتي اللحظة التي تقتل لديها الرغبة في الحياة.

أما الفنان زهير البقاعي فقال عن دوره: بالنسبة إلى العمل هو عمل من نوع خاص جداً. هناك حميمية في هذه التجربة التي تحاكي معاناة مجموعة من الناس. دوري هو الجار ذو الشخصية المركّبة، حيث أرادت المخرجة من خلال هذه الشخصية أن تقدّم نموذجاً عن نوعية من الشخصيات التي تصاب بحالة نفسية وهي نوع من الفصام، حيث تتحدّث مع أشخاص غير مرئيين. الممثل بحاجة إلى أن تكون لديه قدرة على التعاطي مع شخصية كهذه ويقدّمها بعيداً عن مسألة الكراكتيرات بقدر ما يقدّمها بشكلها الشخصي، شخصية ذات أبعاد لها سلوكياتها. أعتقد أن العمل سينال الإعجاب لأنه صادق ويقدّم بطريقة مختلفة على الصعيد المسرحي والتعاون بين أفراد فريق العمل جميعاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى