أكثم عبد الحميد: الحدائق النحتيّة السوريّة في إسبانيا أهمّ مشروع ثقافيّ سوريّ في الغرب
كتب محمد سمير طحّان من دمشق ـ سانا : قبل عشر سنوات مضت خرجت إلى النور الفكرة التي أطلقها الفنان والنحات السوري أكثم عبد الحميد بإقامة الحدائق النحتية السورية في مدينة المونيكار التابعة لمقاطعة غرناطة الإسبانية التي كانت أول مدينة يدخلها الأمير عبد الرحمن الداخل في الأندلس، حيث أقام أهالي المدينة تمثالاً من البرونز للداخل بارتفاع 4 أمتار، واختيرت صورة وجهه مع الزورق الصغير الذي أتى به ليكونا شعار الخاتم الرسمي لمجلس المدينة.
يقول النحات عبد الحميد مدير المركز الثقافي العربي السوري في مدريد: «إن الحدائق النحتية السورية في إسبانيا من أهم المشاريع الثقافية السورية الاستراتيجية في أوروبا والغرب، بدأت بعد الاتفاق مع مدير المركز الثقافي السوري في مدريد آنذاك وتجاوب عمدة مدينة المونيكار عبر استضافة الفنانين النحاتين السوريين عدة مرات لتنفيذ ملتقيات نحتية في المدينة، كما تجاوب أهل المدينة خلال سنوات العمل، ليترك النحاتون السوريون إبداعهم الفني فيها شاهداً على حضارة وطنهم في أندلس الماضي. ومن خلال هذه الملتقيات النحتية التي انتهت عام2010 تشكلت الحدائق النحتية السورية من أربعين عملاً نحتياً في أهم حديقة ضمن المدينة لكونها تضم آثاراً فينيقية وأشجاراً متنوعة استقدمت من عدة مدن من العالم، لتشكل هذه المكوّنات مع المنحوتات السورية حديقة رائعة الجمال من خلال ناتج إبداعي لأربعة ملتقيات في أربع سنوات».
يوضح مدير المركز الثقافي السوري في مدريد أن الأعمال النحتية التي أنجزت في بقية الملتقيات النحتية وضعت في ساحة في مدينة المونيكار سميت ساحة دمشق وضعت فيها مجموعة من التماثيل السورية، بالإضافة إلى تزيين شاطئ البحر بعدة اعمال نحتية، حتى أصبحت هذه المدينة ميداناً للجمال السوري المتمثّل في الأعمال النحتية التي نفذها خمسة وستون فناناً سورياً. ويشير عبد الحميد إلى أنه في كل عام كانت ترافق الملتقى مجموعة من لوحات الرسم والخط العربي من إبداع التشكيليين السوريين فتعرض للجمهور الإسباني ضمن معارض لنقل صورة حضارية عن الفن التشكيلي السوري.
حول عمله الإبداعي مع بداية الأزمة يؤكد عبد الحميد: «بداية الأزمة كانت صدمة كبيرة لي بسبب حجم الكذب والزيف الإعلامي والتكالب على سورية وتشويه الحقائق على أرض الواقع السوري، معبّراً عن اعتقاده بأن الأزمة كانت ستنتهي في وقت سريع لثقته بوعي الشعب السوري، لكن خيوط اللعبة كانت أكبر من ذلك. ولم تثنه الأزمة عن متابعة عمله كنحات فكانت له مشاركات عديدة دولية عام 2011 ومثّل سورية في أكثر من عشر دول في ملتقيات نحتية عالمية مهمة ورفع العلم السوري في معظمها وحصل على جوائز خلالها. أما على الصعيد الإداري، وبحكم عمله مديرا للفنون الجميلة في وزارة الثقافة في بداية الأزمة، يوضح عبد الحميد أنه كثّف العمل في إقامة الملتقيات الفنية الدولية والمحلية التي كانت تهدف إلى إعطاء صورة للعالم بأن الفن السوري ما زال متألقاً، وبأن سورية بلد الإبداع والتاريخ والحضارات ويتذكر: «واجهنا الصعوبات الكبيرة في موضوع استضافة الفنانين الأجانب ودعوتهم إلى سورية في بداية الأزمة، نتيجة الإعلام الزائف الذي تسبب بتردد عدد منهم في القدوم إلى سورية، لكن نتيجة العلاقات الطيبة مع العديد من الفنانين في دول العالم فإنهم أتوا للوقوف إلى جانب الفنانين السوريين وإنتاج أعمال فنية أثبتت للعالم أن الإبداع في سورية لا يزال ينبض بالحياة. واستمرت الملتقيات الفنية الدولية في سورية حتى عام 2012 وكانت إقامتها في تلك الفترة صدمة إيجابية كبيرة لفنانين كثر في دول وكتب العديد منهم عبر الإنترنت: دعونا نعلم حقيقة ماذا يحدث في سورية، هل هناك حرب بحسب ما نشاهد في الأخبار؟ أم أن هناك ملتقيات للفن والإبداع؟ كانت الحقيقة تظهر نتيجة صور الفنانين أثناء عملهم وجولاتهم الإطلاعية على الآثار السورية».
يوضح عبد الحميد أن الملتقيات الفنية العالمية توقفت عامذاك إلى حد ما نتيجة الحصار الجائر على سورية والعقوبات المفروضة على حركة الطيران المدني إليها، ما ألحق ضرراً بالتشكيليين السوريين من خلال إلغاء مشاركاتهم في المهرجانات والملتقيات الفنية العالمية كي لا يرفع العلم السوري فيها، وهذا الموقف تكرر في عدة دول أوروبية.
عن عمله الإداري ومدى توافقه مع عمله الإبداعي يضيف: «إن العمل الإداري بكامل مواقعه وسنواته كان سلاحاً ذا حدين بالنسبة إليّ، فخلال تلك الفترة الطويلة حاولت إيجاد توازن بينه وبين العمل الإبداعي وعاهدت نفسي بأنه حين يبدأ في التأثير في فني سوف أقدم استقالتي منه فوراً. كانت لتلك المراحل من حياتي مساهمة في تنشيط إقامة الملتقيات النحتية الدولية والمحلية وإقامة المعارض التشكيلية المتنوعة في سورية وخارجها، بالإضافة إلى المشاركة في المهرجانات الفنية الدولية، ما جعل عملي الإداري مساعداً لمشروعي الفني».
حول واقع الفن التشكيلي السوري راهناً يرى مدير المركز الثقافي السوري في مدريد أن للأزمة دوراً مؤثّراً في الفن التشكيلي في سورية بسبب غياب دور الصالات الخاصة، ما أثّر إلى حد بعيد في نشاط الحركة التشكيلية واقتصر النشاط على عمل وزارة الثقافة في تحمل أعبائه.
يؤكد النحات الحائز الجائزة الأولى في بيينالي مهرجان المحبة عن فن النحت عام 1999 أن الفن يحتاج عامة إلى الأمن والاستقرار ليأخذ مساحته على الساحة السورية، كما يجب أن يترافق تنشيط الفعاليات الفنية مع تحسن الوضع الاقتصادي، عندئذ يستطيع الفن بأنواعه استعادة مكانته في سورية، مشدّداً على الحضور القوي للفن التشكيلي السوري في دول العالم عن طريق مشاركة التشكيليين السوريين في الملتقيات الدولية أو المهرجانات الفنية، أو حتى عن طريق إقامة الفنانين السوريين في الخارج وعرض أعمالهم، ما يساهم في نشر الفن السوري عالمياً.
حول دور الفن التشكيلي في إعادة إعمار سورية يرى أن للفن التشكيلي دوراً كبيراً في هذا المجال من خلال مشاركة جميع أصناف الفنون التشكيلية في نسيج العمارة السورية من ساحات وحدائق وأبنية سكنية وحكومية، لتتجانس الرؤية البصرية في المشهد الجمالي وتعطي هوية ثقافية نابعة من روح التراث المعماري السوري الجميل.
في ما يتعلق بواقع واقع التعليم في الأكاديميات الفنية السورية يقول مدير معهد الفنون التطبيقية سابقاً: «إن ما ينقصنا في مسار التعليم الفني في الكليات والمعاهد والمراكز الفنية عدم التواصل مع التطور التقني الفني العالمي أو الإفادة من تجارب الآخرين في التعليم الفني، فالجهاز التدريسي لدينا لا يزال في أغلبيته على النمط التقليدي في تدريس الفنون الجميلة والتطبيقية، لذا عندما يسافر الطالب لإكمال دراسته في الخارج يصطدم بالأسلوب المغاير لما حصّله خلال سنواته الأولى. يجب ربط المؤسسات التعليمية بالمشاركات المستمرة للأساتذة والطلاب في المهرجانات الفنية العالمية، مع إقامة ورش عمل مشتركة مع الفنانين الأجانب بإشراف خبراء أجانب وسوريين، ما يتيح التواصل العلمي والفني المشترك لخلق جيل تقني يطور العملية التدريسية والتطبيقية في مجال التعليم الفني.
لناحية عمل المركز الثقافي السوري في مدريد منذ بدء الأزمة حتى الآن، يقول عبد الحميد: «إن الأزمة في سورية والتجييش الإعلامي الكبير ضدها ساهم في تشويه حقائق عديدة، لذا ركزت برامجنا في المركز خلال تلك الفترة على توضيح الصورة الحقيقية للأوضاع في سورية وكشف ما لحق بالآثار السورية ودور العبادة من جراء الفكر التكفيري المدمر والهدام للآثار وللتاريخ».