سلسلة من الغضب في الدولة وأدوارها
بلال شرارة
أنا من غير شرّ لم أكن أصدّق حكاية السلسلة، رغم أنّي الجار السكني لرئيس هيئة التنسيق النقابية آنذاك الأستاذ حنا غريب، الأمين العام للحزب الشيوعي اليوم، ورغم أني أحد أصدقاء رئيس نقابة موظفي الدولة آنذاك محمود حيدر، رغم أنني كنت مقتنعاً في كلّ ما يسوقه لي من براهين وما يرمي إليه صديقي حنا، وكذلك لأني أعرف أنّ المعاش لا يكفي بين أجرة بيت وفاتورة السيارة وبنزين السيارة ومصروف البيت ومصروف ابنتي وكهرباء الاشتراك في بنت جبيل وبيروت وكهرباء الدولة وفواتير 3 هواتف أرضية في صور وبنت جبيل وبيروت وأجرة للناطور و…. من المؤكد أني نسيت شيئاً، فأنا هكذا في سنواتي الأخيرة ، كنت غير مقتنع بالسلسلة ولا زلتُ، لأنّ الدولة لا تزال إلى تحت. وهي لا تشعر بإضراب الأساتذة، بل الأهل والطلاب أنفسهم الذين يريدون شهاداتهم للعبور إلى سنوات أعلى.
في مركز عملي كنتُ الوحيد غير المصدّق لدرجة أنّ زملائي صاروا يتجنّبون الحديث إليّ عن الموضوع، وكانوا يشيرون إلى أني بالغ التشاؤم وأني أقطع الرزق، حتى عندما أُقرّت السلسلة في مجلس النواب لم أُبرز أيّ ارتياح، لأني كنتُ متأكداً أنّ شارع المصارف ومَن معه من الطغمة الحاكمة أو الطبقة السياسية سوف ينقلبون على الأمر تحت عناوين الحرص على المالية العامة وحاجة البلد إلى هندسة مالية ، وسوف يكرّون على رأسنا عبارات أعلى من البنايات الجديدة على عين المريسة وهم يتحدّثون عن العجز المالي و خدمة الدين العام .
أنا، بصراحة كنتُ ولا زلتُ أخاف من أنه ذات يوم سوف لا يجد السارقون والفاسدون ما يمدّون أيديهم عليه، فيفلشون عبَّنا وقلوبَنا بحثاً عمّا يمكن أن نكون قد استودعناه لآخر الزمن من قرش أو كلمة.
أقول حتى أنني عندما دخلتُ مكتبي ووجدتُ سكرتيرتي وزملاء في مديريتي يحسبون مقدار الزودة ويعتبرونها تحصيل حاصل ضحكت إلى درجة أنهم اعتبروني مجنوناً و يا حرام مدري شو صار إلي .
– 2 –
في أسبوع الزودة حذّرت من زيادة الفواتير الاستشفائية والدوائية والمدرسية وفواتير موتيرات الاشتراك في الكهرباء وانعدام المياه لإجبارنا على شراء مياه الشفة وارتفاع الاشتراك في معاش الناطور، طبعاً ويجب أن لا ننسى فواتير كهرباء ومياه الدولة وغداً ارتفاع سعر كلّ شيء بما في ذلك أسعار طوابع المعاملات الرسمية وربما عفواً منكم ارتفاع أسعار الرشى لتسريع المعاملات والنسبة المئوية على المعاملات، وارتفاع أسعار الفاتورة الغذائية الضرورية الطحين والخبز والسكر والرز والخضار والمواد المنزلية الكمالية الفواكه ، باعتبارها مُعَدّة للتصدير.
أنا الآن زاد تشاؤمي بعد طلب الحكومة تأخير دفع السلسلة، أيّ أنها تكون قد دفعت شهر إيه شهر لأ ويكون شارعا المصارف والتجار قد استحكما فينا تماماً، وكذلك أصحاب تذاكر السفر ضريبة المغادرة وشركات التأشيرات وسماسرة تسهيل المعاملات.
نحن الشعب سنبقى ندفع فاتورة الاستقرارَيْن النقدي والأمني من جيوبنا، ومن صبرنا باعتبار أنّ المسؤولين لا يتحاربون بنا ولا يحتاجون الآن لهزة استقرار الليرة ويأخذون عيوننا بعيداً، تارة بالتشكيلات العسكرية والأمنية، وطوراً نحو التشكيلات الدبلوماسية والتشكيلات القضائية، وغداً نحو محافظات جديدة بترسيم صورة ومستقبل لبنان بما يلائم الشرق الأوسط الجديد .
أنا أحمل همّ الموظفين في القطاع العام وهم الجنود والعمال والفلاحون. وهذا ليس معناه أني شيوعي مثلاً، مع أنّ ذلك ليس عيباً وربما يكون فخراً، هذا معناه أني في صفّ المحرومين والمستضعفين.
– 3 –
غداً، سندفع ثمن الأوكسيجين الذي نتنفّسه باعتباره حقاً عاماً للدولة. وهو مثل الطابق المرّ والشواطئ اللبنانية ملك خاص للمشتغلين بالعقارات وشركات الهندسة والسياسيين الذين يتوزّعون الشاطئ الوطني، ألم يجر تقاسم المشاعات البرية تحت عنوان الفرز والضمّ؟ طيّب، والحالة هذه أين ستجد الدولة موارد طبيعية من نفط وغاز إلا في أملاك مَن يعنيهم الأمر؟ ألم يجر تشويه المياه الجارية ووضع اليد على الأملاك البرية ويجري حفر الآبار الارتوازية في أرض الذين لا أرض لهم.
نحن نراهن على وجدان رئيس المجلس في منع زيادة TVA من جيوبنا وجعلنا مضرب مثل، ونراهن على تشكيل لجنة نيابية تبحث في وجود أجهزة للرقابة على الأسعار ودورها وترفع يد الضغوط عنها وتحرّر عملها لمصلحة المواطن، نراهن على تسعيرة رسمية لأسعار الخبز والمواد الاستهلاكية والسرفيس النقل المشترك ضمير السير الغائب ومنع السمسرة في الدوائر وأسعار الفاتورة الطبية والمدرسية و…
نعم أنا غاضب وأكاد أنفجر وأراهن… نحن نراهن على الدولة وأدوارها، إذ ربّما في الشرق الأوسط، وبعد فشل الدولة سوف تتقدّم هذه الصيغة ونعود نعوي في الصحراء بلا مأوى .