قالت له
قالت له
قالت له: من يشتاق منّا للآخر أكثر، من يكثر العتاب لأنه يفتقد، أم المتّهم بالغياب وبأنه يبتعد؟
فقال لها: الشوق ليس في اللسان بل بالحنان. فمن منّا يعامل الآخر في الغضب والعتب بلسان من ذهب، ومن يعذر هفوات اللسان ويطلب النسيان لأنها لولا الحبّ ما كانت، وإلا لما كان العتب، وهان الغياب والنفس هانت؟
فقالت: ولِم لا تقول إن القادر على ضبط الكلام يجامل، أو لا يملك حرارة الأنامل. وإنّ الكلام المنمّق لا يقال إلا عندما يجفّ الحبر في السؤال؟
فقال لها: أجمل ما عندنا للحبيب، ولو اقتضى إذا غضبنا، أن نصمت أو نغيب.
قالت: هذا ما عاد حرباً، بل صار صفقة أعمال.
قال: هذا في عرف المراهقين والأطفال، فالحبّ ذاكرة تتراكم وكلّ جرح فيها لا يندمل يتفاقم. والحبيب يبني بيتاً له في قلب من يحبّ، ولا يريده إلا مفروشاً بالزهور وكلّما أحسّ بالقلق أو بالعتب انتظر حتى يستعيد عطر الكلام وألقى السلام.
قالت: وهل يبكي الحبيب لصديق إذا تألّم، أم يحكي لرفيق إذا أراد أن يتكلّم أو يشكي للطريق كي يتعلّم؟
قال لها: ما قلته عن الكلمات لا عن الكلام، فالحزن كلام والشوق كلام والعتب كلام والغضب كلام. لكن اللغة هي بأيّ كلمات نقول الكلام. بالكلمات العاصفة أم بكلمات من عاطفة؟
قالت: يفاجئني طلبك للبرود كمن أراد أن تصير الحياة مسرحاً للجمود.
قال: يفاجئني أنك لا تشعرين بمعنى أن نصيب الحبيب برذاذ القساوة وترينها مجرّد غشاوة.
قالت: تعال فاجئني بعد كلّ جولة عتاب بكلمة أحبّك أكثر، وخذ منّي شفتيّ عنوة وقل تعالي نسكر.
قال: ولتفاجئيني في لحظة العتب بكلمة رطبة بدلاً من موعظة وخطبة. فالكلام في حياتنا فرصة. لماذا نستعملها لصناعة الغصّة بدلاً من أن يكون للحبّ منصّة؟
قالت: لأننا بشر ونتصرّف بحرّية، وتصدر الكلمات على السجيّة.
قال: كوني في الحبّ بالحبّ سخيّة.
فقالت: طالما سيداهمنا الموت، كن سخيّاً بالوقت لا بالصمت.
قال: تعادلنا ولنحاول.
فقالت: لا تماطل.
قال: تعالي نبادل.
قالت: لا أتحمّل منك الكلام الجارح.
قال وهو يغادر: وتردينني أن أصارح؟
فقالت: إلى أين؟ لا تغادر!
قال: ومن يبادر؟
قالت: وهذه قبلة.
فتبسّم وطواها تحت إبطه كمظلّة.