عودة المقاومة إلى دمشق…!

صابرين دياب

في مقال سابق، حول الثورة المضادة ورعاتها، كتبت، انّ في السياسة سؤالاً واجباً، على أيّ مهتمّ، ذلك انّ النقاش البراغماتي ضروري لاستكمال كلّ سياق، وفي الوطني، من حقنا كفلسطينيين وواجبنا في تحديد قربنا وبعدنا، عن ايّ متغيّر من حول فلسطين، طالما انّ التبشير بزوال المقاومة والعروبة وحلول العصبية المذهبية مكانهما، هو ما يلوح في آفاق صناع الخريف العربي، وثمة نسبة لا يستهان بها من البراغماتيين، لا يقيمون اعتباراً ولا وزناً للعروبة وللمقاومة ويهزأون منهما! فالفلسطيني مطالب ان يحدّد موقفه من موقع فلسطين، في ايّ حدث أو تغيير أو موقف، فكيف عندما يكون بحجم تغيير موقع سورية! وكيف حين يكون منوطاً بقضيتنا مباشرة! وعليه، من حقنا ان نحدّد موقفنا من إمكانية عودة حماس المقاومة إلى دمشق.

صحيح أنّ دمشق ذاهبة إلى النصر الكبير، الذي تعيقه ألغام المفلسين هنا أو هناك، إنما هو االنصر، غير انّ النصر بحدّ ذاته هو العتبة، للدخول إلى مرحلة معقدة أيضاً، حُبلى بأكثر من حرب وذات تنوّع، وتحمل أكثر من واجب وضرورة.

وسنحصر القول الآن في الملف الأقدم والأكثر خطورة وحساسية، ملف فلسطين! صحيح أنّ من الصعوبة بمكان التعاطي مع ملف معزول عن ملفات أخرى، ولكن لا بأس بتجميد عنصر ما من المعادلة، لصالح التركيز المؤقت على آخر، هو ملف المقاومة الفلسطينية ببعدها العروبي الذي لا فكاك منه.

لهذا الملف مع سورية قصة طويلة هي أمّ القصص! وملخص كلّ هذا، فإنّ حلف الأعداء وضع في اعتباره، ولم يتوقف عن عزل سورية عن الموضوع الفلسطيني، سواء بمحاولات شراء قيادات أو التآمر على البلد، أو تدميرها كما حصل ويحصل منذ سبع سنوات عجاف مضت.

القول التالي لزئيف جابوتنسكي، وهو ما حكم ويحكم القيادات الصهيونية من جابوتنسكي حتى نتنياهو: «إنّ المشهد الوحيد الذي يحمل أملاً لنا هو تفتيت سورية… إنّ واجبنا التحضير لهذا المشهد، وكلّ ما عدا ذلك هو تضييع عبثي للوقت».

بالطبع، ليس هذا مفاجئاً، كما انّ قيادة الولايات المتحدة للعدوان الإرهابي الفاشي ضدّ سورية، هو أيضاً لا يدخل في عنصر المفاجأة، لكن ما يثير الاستغراب والحذر، هو ذلك التثقيف بالإقيليمية الفلسطينية، بقيادة اليمين الفلسطيني الذي كان يضخّ تحريضاً للشعب الفلسطيني، ضدّ سورية منذ عام 1965، وربما هذا ما يجيب بوضوح، على السؤال، لماذا وقف عدد من الفلسطينيين ضدّ سورية، حينما انفجر العدوان ضدّها في آذار عام 2011.

كانت قيادة م. ت. ف اليمينية، تدرك بأنها كي تحقق لنفسها تسوية مع الكيان الصهيوني لا بدّ أن تحرّض الفلسطينينيين ضدّ سورية، كي تنزع من ذهنية الشعب قناعته بهويته القومية، وتغرس فيه هوية قطرية فلسطينية ضيقة، هي وحدها التي تساعد على تمرير التسويات.

في هذا السياق، لنا ان نستذكر الشعار الخطير، الذي رفعته هذه القيادة، والمسمّى «القرار الوطني المستقلّ» والذي كان هدفه الأساسي إبعاد سورية عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وإذا كان هذا تكتيك قيادة م. ت. ف، فإنّ تكتيك حماس أو موقفها، ذهب إلى الحدّ الأقصى حيث تخلّت حماس السياسية عن سورية وهي في حماية سورية! وإذا كانت م. ت. ف تحفزها مصالح ضيقة لطبقة فلسطينية تابعة، فإنّ حماس مدفوعة بعضويتها في جماعة الإخوان المسلمين الواسعة، والتي هي جزء من الثورة المضادّة على الصعيد العالمي، وقد طعنت سورية مدفوعة بحسابات الثورة المضادة، بأنّ سورية إلى زوال! وهنا ليس المهمّ، الحسابات الخطأ بل الموقف المضادّ!

من يفكر في عودة أكبر تنظيمين فلسطينيين من المقاومة إلى سورية، لا بدّ أن يأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار.

من جهتها، فإنّ فتح لا تبدو حالياً – تلك المنظمة التي يمكن لملمتها لتفرز جسماً مقاوماً كالذي نشأت عليه وأبدعت فيه، جسم ينطلق من أرضية أنّ فلسطين هي جنوب سورية، وأنّ المنظور القومي هو الفيصل وليس المنظور القطري الضيق، وإذا كان من حدّ أدنى من الاقتناع بأنّ السلطة الفلسطينية، يمكن أن تعود إلى مشروع المقاومة، فهو في ضلال مبين، ذلك أنّ السلطة قد تبلورت في بنية سياسية مرتبطة بالثورة المضادة، مهما غلّفت نفسها بكونها قائدة للشعب الفلسطيني، هذه القيادة التي تعيش على الريع المالي المسموم، وتنفقه في سياسات الفساد والإفساد.

لا بدّ من التذكر بدقة أنّ أيّ فصيل فلسطيني انتقل من مشروع التحرير، إلى مشروع الدولة قد أصبح استدوالياً لا مقاوماً، وهذا ينطبق على حركة فتح وسلطة الحكم الذاتي، كما ينطبق أيضاً على القيادات السياسية لحركة حماس، وتقع فيه كثير من قيادات الفصائل الأخرى المستفيدة من فتات أوسلو.

وهنا يطرح السؤال الكبير نفسه: هل بوسع الجناح العسكري في حماس تغيير توجهات القيادة السياسية؟ فقد تمّ تمرير خيانة قادة حماس السياسيين لسورية دون عقوبة جادّة، ضدّ تلك القيادة التي لا تزال تتموضع بين قطر وتركيا.

ولكن، لننتقل إلى القول العملي، ما معنى إعادة العلاقة بين حماس وسورية؟ بين حركة سياسية مقاومة وبين دولة؟ علماً بأنّ موقع حماس في فلسطين هو الحاسم في دورها كمقاومة، وإذا كان الأمر هو فتح مكاتب لحماس، فذلك نقل العلاقة من مستوى المقاومة، إلى المستوى الدبلوماسي الدولاني، الذي لا يليق بحركات المقاومة.

يعتقد البعض، أنّ على سورية التعاطي مع هذا الأمر ببطء وتدرّج، وأن تضع كلّ العلاقة في سياق إعادة بناء م. ت. ف كحركة مقاومة لا كمشروع دولة، مقاومة سرية في الداخل وبنية سياسية فلسطينية عروبية رافضة في دمشق، وهذا يشترط الكثير، وخاصة أن لا تعود هذه المنظمة تحت سيطرة ايّ فصيل بعينه، بل بقيادة جماعية لحركة مقاومة، يمكن حينها ان تكون سورية البلد الحاضن، وأن تدخلها حماس كأيّ فصيل آخر، في تنسيق كفاحي وليس على اساس الهيمنة، أن يتّم فصل تامّ بين المنظمة وسلطة الحكم الذاتي بما في ذلك منصب الرئيس، فلا يجوز الجمع ما بين الأختين «إلا بما قد سلف».

في هذا الوضع تعود حماس إلى سورية كمنظمة مقاومة، لا كمشروع سلطوي دولاني، ولا كفرع او امتداد للإخوان المسلمين… ويرى آخرون، أنه يمكن لحماس أن تعبّر دمشق، عبر الكفالة الايرانية، ذلك انّ إيران الحليف الأوفى للمقاومة الفلسطينية، وتدرك كما يدرك السواد الأعظم من شعبنا، انّ المصلحة الوطنية الفلسطينية تتطلب حماية المقاومة، والجناح المقاوم في حماس، أحد أهمّ أجنحة المقاومة الفلسطينية، ولزاماً على كلّ فلسطيني حرّ، ان ينتصر للمقاومة، كما انتصرنا لسورية من أجل فلسطين…

كاتبة وناشطة فلسطينية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى