هل تقبل بغداد استقلال كردستان؟
حميدي العبدالله
هل تقبل بغداد استقلال إقليم كردستان وإقامة دولة كردية مستقلة بالكامل عن العراق؟ هذا السؤال بات مطروحاً جدياً في ضوء سلسلة من التطورات وردود الفعل على الاستفتاء الذي كرّس استقلال الإقليم. من أبرز هذه التطورات زيارات نواب لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة العراقية إلى إقليم كردستان للحوار ووقف الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية ضدّ الإقليم.
وإذا كان بعض هؤلاء لا يمثلون قوى فعلية داخل السلطة العراقية، إلا أنّ زيارة رئيس البرلمان تشير إلى أنّ بغداد بشكل أو بآخر لا تريد الذهاب إلى المواجهة، وربما تسعى للتراجع عن الإجراءات التي اتخذت، وعدم الإقدام على إجراءات جديدة.
موقف بغداد هذا حصيلة لمجموعة من العوامل والمؤثرات منها عدم استساغة العراقيين العودة إلى الحروب التي استمرّت بين الأكراد والعرب طيلة أكثر من خمسة عقود ولم تؤدّ إلى أيّ نتيجة سوى هدر المزيد من الدماء وإلحاق الخراب بالعراق، وتقويض استقراره.
لكن الأهمّ من هذه العوامل هو أنّ دول الإقليم التي سجلت من الناحية المبدئية مواقف حادة مستنكرةً بقوة لقرار الاستقلال وهدّدت باتخاذ إجراءات قاسية لمنع استقلال إقليم كردستان، تبيّن أنّ مواقفها كانت مجرد مواقف مبدئية وسرعان ما تراجعت عن اتخاذ أيّ إجراءات عملية تحت ضغط قوة المصالح الاقتصادية المتشكّلة بين إقليم كردستان وبين هذه الدول، ولا سيما تركيا، حيث تشير الإحصاءات إلى وجود تبادل تجاري واستثمارات تفوق الـ 20 مليار دولار. ومن البديهي أنه من الصعب على أيّ حكومة اتخاذ قرارات تؤدّي إلى إطاحة مصالح بهذا الحجم.
عندما تتراجع دول الإقليم عن تهديداتها تحت ضغط مصالحها، فإنّ من الطبيعي أن ترتبك مواقف الحكومة المركزية في بغداد، لا سيما أنّ أطرافاً سياسية داخل العراق تسعى من خلال الإجراء الكردي إلى النيل من الحكومة العراقية بذريعة عدم صوابية سياستها، ودورها في خلق الظروف التي دفعت الأكراد إلى الاستقلال.
واضح أنّ رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني عندما قال إنّ معارضة بغداد ودول الإقليم سوف تتراجع مع الوقت، وسيتمّ التعامل مع الأمر الواقع الذي فرضه الاستفتاء، كان يعني ما يقول واستند بذلك ربما إلى هذه المعطيات.