منطلقات التجديد الأدبي في فكر أنطون سعاده
هاني الحلبي
بعد أن رأى أنطون سعاده ما رأى إثر الحرب العالمية الأولى وتداعياتها الخطيرة على الأمة السورية وهيكليتها وتفكيك بنيتها، أخذ يتجه في مطلع شبابه إلى بلورة تجديد الحياة في هذه الأمة.
رأى أن انطلاق التأسيس ينبغي أن يكون بالإجابة على سؤالين جوهريين: «مَن نحن؟» و«مَن الذي جلب على أمتي هذا الويل؟».
وهذا التأسيس بعث قضية كبرى تساوي الوجود القومي. وتهدف لتحقيق قيمته العليا وسموه الأرفع.
بعث نهضة تكفل جلاء شخصية الأمة وحماية كيانها ومصالحها العليا في الحياة وتثبيت حقوقها.
بعث النهضة السورية القومية الاجتماعية يلزمه منهج واضح ونسق مترابط وعِدة تأسيس وتجديد.
لا يمكن بعض النهضة بالسياسة ولا بجمع الأفراد والفئات على هدف طارئ.
بعث النهضة هو تأسيس مع استفادة المؤسس من تجارب الأمة السابقة بانكبابه العلمي المنهجي العميق على معنى الأمة وخصائصها وتاريخها ونسق تطوّرها وعطائها وعلومها واقتصادها وآدابها ومنازعها ورجالاتها وقادتها.
وبعد تحديد معنى الأمة لزم تحديد كيفية النهوض من مؤسسات وسياسات ومناهج بخطة نهوض، ولزم كشف ما يجلو ذات الأمة وتتجلى فيه هذه الذات، فكان للأدب والصراع الفكري والفلسفي فيه حيّز واسع من اهتمام الزعيم، كاشفاً القيمة العليا للأدب زمن كانت الأمة السورية حرة نامية فاعلة وغير منفعلة، كما في أساطير الخلق والبعث والحياة والحب والعطاء والتجدّد في نماذج أساطير الإينوماليش وتموز وبعل وعشتار وأوغاريت وملحمة جلجامش وغيرها من أيقونات الفكر الفلسفي والأدب الخالد، فتركّز الأدب على مفهوم ونظرة عليا للحياة والموت والفن والكون ومعنى الإنسان.
نقد سعاده الأدب المنسوخ من لغات أمم أخرى وآدابها الذي يخدم طريقة حياتها وفلسفتها ونظرتها الخاصة للحياة والكون والإنسان ولا يخدم النظرة السورية لهذه المعاني والقيم والمفاهيم عينها.
نقد الأدب الظلّ الذي ليس فيه سوى صدى باهت ومعتم للواقع وحراكه اليومي المستهلك.
نقد الأدب المرآة الذي لا قضية له سوى تصوير الواقع بمفاسده، كما هي، فيجترها ولا يضيء على حلولها والخلاص منها.
انتقد سعاده كون الفرد قضية الأدب النهائية ومحور كل عمل أدبي للفكر فيتشرنق به ويتقوقع عليه.
رفض استغراق الأدب في قيعان الشهوات البدنية الطارئة فتسحبه بسرعة جموحها إلى ابتذال عابر مثلها، فتنقضي زبدته بانقضاء وطرها وبرودة هياجها.
ورأى أن أية نهضة، في الأدب أو في غيره، لا يمكن أن تكون نهضة قومية إن لم تستمدّ روحها من مواهب الأمة وتاريخها السياسي والثقافي والقومي وعطائها النفسي الروحي.
لذلك، دعا سعاده إلى الأدب المنارة الذي إذ يستمدّ روحه من قيم ومفاهيم الأدب السوري وتراثه يفهم ويعي رسالته القومية الاجتماعية بوصف الأديب القومي الاجتماعي قائداً للروح السوري إلى الخلاص والعز.
من تقديم لمحاضرة بعنوان «منطلقات التجديد الأدبي في فكر انطون سعاده» ألقاها الدكتور رامز الحوراني.