مقاربة بنيويّة جديدة لجماليات قصصيّة
دمشق ـ محمد الخضر
«أطياف قصص الأطفال في سورية» كتاب نقدي منهجي صدر لدى اتحاد الكتاب العرب يقع في 500 صفحة، للأديب محمد قرانيا دارساً عدد من كتابات بعض أدباء الأطفال في سورية، مثل زكريا تامر وعبد الله عبد ومريم خير بك ولينا كيلاني وغالية خوجة وآخرين، محاولاً تسليط الضوء على ملامح هذا الأدب في سورية.
شكل السياق القصصي معياراً استخدمه الناقد قرانيا في تحليل النص وتقويمه، آخذاً في الاعتبار السمات المهيمنة على النصوص، معتمداً القراءة السياقية لمختلف مكونات السرد القصصي والوقوف على تجلياته، خاصة النصوص المتوهجة بجمالياتها الأسلوبية والإنسانية.
وتبتعد الدراسة في كتاب الناقد قرانيا عن التنظير، فهدفها الأول الوصول إلى نقد تطبيقي يكشف النواحي الايجابية الجمالية للآثار الفنية بصورة مقنعة. وتحاول التطبيقات النقدية أن تكون تذوقية بموضوعية تظهر في تأثر الكاتب بالنص.
إلاّ أن الكاتب يرى في دراسته أن ثمة خروجا في بعض الأحيان على المعايير والضوابط والمقاييس، فالنصوص متباينة ومختلفة، ولكل نص كيانه وملامحه، ولكل أديب طريقته ورؤيته في إنشاء النص الأدبي، ما يجعل النقاد أمام خيارات نقدية صعبة أحياناً. وبسبب تباين الرؤى الأدبية تتعدد لدى قرانيا المناهج النقدية فيستخدم المنهج الوصفي في معظم دراسته، إضافة إلى المنهج التحليلي في المباحث التطبيقية ومنهج النقد الذاتي الذي يستند إلى التجربة الشخصية لمؤلف الكتاب، وبسبب ممارسته كتابة القصة الطفلية ومحاولة تذوق النصوص في حيادية تامة.
تلامس دراسة قرانيا بعض العلامات التي ترشح من النصوص فنقرأ فضاءاتها التأويلية المتأثرة بالثقافة المعاصرة في النص وما تتيحه من إمكانات التأويل، بحيث لا ينظر إلى النص على أنه شكل محض إنما بكونه شكلا يحتضن ثقافة أو معرفة مقدمة للطفل عبر نسيج فني إبداعي. كما تسعى دراسة قرانيا إلى الكشف عن رؤى الكتاب التربوية والجمالية للطفولة، إضافة إلى وقفات متأنية عند نصوص إبداعية وما تزخر به من قيم إنسانية، من دون التخلي عن التنويعات الفنية التي تتطلبها الدراسة الأدبية.
تنعم الدراسة بجانب تحليلي نقدي، عبر ملامسة الصلة الوثيقة بين الفن والواقع وبين الأديب والطفل، والوقوف على الإمكانات الأسلوبية التي احتزلتها النصوص القصصية التي تغدو معها الدراسة التطبيقية مظهراً تنظيمياً للتذوق والقراءة يتيح فرصة التأمل والتذوق بعيون تحترم المبدع وتقف عند سمات نصوص تستمد خصوصيتها الجمالية من صلاتها بالإنسان والحياة وفق مفهوم متجدّد لدراسة البنية الفنية للقصة الطفلية.
يهتم قرانيا بدراسة البناء الفني لنموذج من إبداعات الأطفال أنفسهم، محاولاً مقاربة مواضيع بنيوية جديدة لم يلامسها النقاد، وبينها خصوصية العنونة في القصص الطفلية وملامح الشخوص القصصية وتقنيات الحلم والجماليات القصصية، وتأنيث السرد في الحكاية الشعبية، وسوى ذلك من الأدبيات الطفلية الفنية التي تلامس العواطف الإنسانية النبيلة.
للكاتب محمد قرانيا عدد من المؤلفات في أدب الأطفال، بينها نوادر وفكاهات أدبية وسلسلة «مازن الصغير» و«وسام الياسمين» وله في النقد «شعر الأطفال في سورية» و«جماليات القصة الحكائية للأطفال في سورية»، وفي القصة «سرب العصافير» للأطفال و«أين تنام الشمس» ومؤلفات أخرى.