«داعش» من تقسيم المنطقة إلى دولة ما بين النهرين
نبال بريك هنيدي
لا يبدو الغرب وحلف واشنطن جديًا بإنهاء «داعش»، وأكبر دليل أن التنظيم بات يسيطر الآن على مساحة في العراق وسورية تعادل مساحة لبنان بـ 10 أو 15 مرة. وبالرغم من تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري لـ CNN بأن أمريكا «قلقة للغاية» من الوضع في كوباني، وبعد الغارات الأمريكية المتكررة، يسيطر «داعش» اليوم على ثلثي المدينة و يتقدم نحو وسطها من الناحية الشمالية الشرقية مستخدمًا الدبابات والآليات الثقيلة. ويبدو أنه ما لم يتمكن التحالف من إنهاء «داعش»، فان المنطقة بأكملها معرضة للتقسيم. ففي 26 أيلول2007، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي بنسبة 75 صوتاً مقابل 23 صوتاً ضد تمرير خطة بايدن بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق: دولة كردية في الشمال، ودولة شيعية في الجنوب، ودولة سُنية في الوسط.
تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم طائفية وقومية سيمتدّ إلى كلّ من السعودية وتركيا، حيث لا شيعة السعودية ولا أكراد تركيا سينتظرون بلا حراك ما يجري مع أبناء طائفتهم على حدودهم المجاورة.
وسيؤدي ظهور «داعش» إلى نشوء كيان شيعي في السعودية تختزن فيه قيمتا السعودية الإستراتيجيتان وهما ساحل الخليج والنفط، كما سيؤدي إلى ولادة كيان كردي في تركيا تنتهي معه الدولة التركية القوية كعضو في الأطلسي، بينما سينتج عن تقسيم تركيا وسورية وواقع لبنان نشوء كيانات يتقاسمها الشيعة والعلويون، تمسك بساحل البحر المتوسط من الناقورة إلى حدود اليونان، وفي المقابل سيكون بمقدور «داعش» وشبيهاتها التمدد للإمساك بمناطق السنة خصوصًا في السعودية، لكن بلا نفط ومال، ومن المعلوم أن جمع التطرف والفقر ولّد الإرهاب الخارج عن السيطرة.
إذاً، فالبديل عن التقسيم سيطرة «داعش» فقط على المناطق الحدودية لسورية مع دول المنطقة وكذلك العراق مع الأردن والسعودية لتفتيت المنطقة، كانتشار داعش بين حدود سورية والعراق وحدودهما مع تركيا، فتصير دويلة المثلث الحدودي حيث سيطرت «جبهة النصرة» في البوكمال، أكبر بلدة، على الحدود السورية العراقية، بعد مبايعة «داعش» وسيطرته على ريف دير الزور الشرقي بشكل كامل، بعد أن اقتحم مدينة الميادين أكبر مدن الريف الشرقي – عقب انسحاب «جبهة النصرة» منها، ليسيطر التنظيم لأول مرة على المناطق الممتدة من مدينة البوكمال الاستراتيجية، والواقعة على الحدود السورية – العراقية، إلى أطراف مدينة حلب الشمالية الشرقية، ومن الحدود السورية التركية شمالاً، وصولاً إلى مناطق في البادية السورية.
ومثلها على الحدود الأردنية السورية الفلسطينية وحدود سورية مع فلسطين المحتلة بعد سيطرة النصرة على معبر القنيطرة، وهو المعبر الرسمي الوحيد بين الجولان المحتل وسورية في 13/09/2014، ومثلهما دويلة جرود عرسال والقلمون وسلسلة الجبال الشرقية بين لبنان وسورية حيث شهدت جرود القلمون السورية وبريتال اللبنانية معارك في شهر تشرين الأول من العام الجاري بهدف فتح ثغرة للمسلحين لوصول الإمدادات، وبعد تقرير استخباري أوروبي عن نقل «إحدى دول أميركا اللاتينية إلى الحكومة الإيرانية صور أقمار تجسس اصطناعية فوق سورية ولبنان أخيراً، تظهر بوضوح حشوداً كثيفة يقدر عدد عناصرها بآلاف من المقاتلين المتشددين ينتشرون على مرتفعات سلسلة جبال لبنان الشرقية فوق بلدة عرسال، مع سيارات يُعتقد أنها تابعة لهم. وتفيد تقارير بتوجه داعش غربا نحو الحدود الأردنية السورية واقترابها من الحدود السعودية في الجنوب الغربي واستيلائها على المعابر الحدودية، ويعود ذلك الى وجود ضباط كبار من الجيش العراقي السابق في صفوفها.
كما كشفت مصادر أمنية في الأنبار لـCNN أن مسلحي «داعش» يسيطرون على بلدة الرطبة التي تبعد 70 ميلاً نحو 112 كيلومتراً عن الحدود السعودية والأردنية.
فالهدف هو تفكيك المنطقة والإمساك بالمفاصل وتقطيع الأوصال، فهل هذا كاف؟ وهل تقف تركيا وراء المشروع للسيطرة على النفط والغاز في المنطقة؟
تفيد المعلومات بأنّ المعادلة التركية تقوم على التفاهم على خطوط النفط والغاز وتجارة الترانزيت بين أوروبا والخليج من دون المرور بالممرات الواقعة بيد الحكومتين السورية والعراقية اللتين تصنفهما أنقرة ضمن دائرة الحلفاء الثابتين لإيران، وترى أن المصالح الاقتصادية الحيوية لتركيا ترتبط بهذا المشروع، وأن إغراء «داعش» بعائدات مجزية من تجارة الترانزيت وخطوط النفط والغاز سيجعل من المصالح مصدراً لحسابات وسلوكيات جديدة تبعد القلق من مخاطر التنظيم وتحوله إلى قوة عاقلة.
ويرى محللون أن الصراع الدائر حول تنظيمي «داعش» و»النصرة» يتطابق كليًا مع أحلام تركيا في الغاز والنفط، فتعزل إيران عن المتوسط وتعوض أوروبا عن روسيا بالخط القطري عن طريق داعش. فقد قدم الأتراك عرضاً موثقاً بالخرائط يشرح أسباب منح «داعش» فرصة التشكل على أساس جغرافي يرتبط بمنطقة ما بين النهرين، فالمخطط التركي يترك «داعش» يستولي على الأنبار ويمنع مرور خطوط النفط والغاز من إيران والعراق نحو البحر الأبيض المتوسط ويحول دون تواصل الصين مع المتوسط ويتيح تأمين خط الغاز القطري إلى أوروبا بديلاً من الروسي.