هل يلغي ترامب الاتفاق النووي؟
حميدي العبدالله
هل يلغي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاتفاق النووي المبرم مع إيران؟
من الناحية العملية لا يستطيع الرئيس الأميركي إلغاء الاتفاق، بل الانسحاب منه، لأنّ الاتفاق ليس بين الولايات المتحدة وإيران، بل بين إيران والدول الكبرى، أو ما يُعرف بخمسة زائد واحد، أيّ الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا.
الدول الخمس الدائمة العضوية الأخرى غير الولايات المتحدة لم تعلن أيّ منها عزمها على الانسحاب من الاتفاق النووي، وطالما أنّ هذه الدول ملتزمة به، وطالما منظمة حظر الأسلحة النووية تؤكد أنّ إيران تراعي أحكام الاتفاق، فإنّ الدول الأخرى غير الولايات المتحدة سوف تواصل التزامها بالاتفاق وسيظلّ الاتفاق ساري المفعول. وبالتالي فإنّ الانسحاب الأميركي من الاتفاق لا يلغيه، ولكن انسحاب واشنطن يعني أنّ الأخيرة لن توفي بما جاء به من التزامات تجاه إيران، وعندها تصبح المشكلة بين إيران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، وقد تتبادل الدولتان العقوبات والتحديات، ولكن أيّ إجراءات تتخذها الولايات المتحدة تلزم أولاً فقط حكومة الولايات المتحدة، أما الدول الخمس الأخرى، وأيضاً منظمة حظر الأسلحة النووية، ومجلس الأمن غير معنية بالأمر وستواصل تعاملها مع إيران على القاعدة التي أرساها الاتفاق الموقع بين إيران والدول الست.
قد تلجأ الولايات المتحدة في سياق العقوبات التي تتخذها على قاعدة انسحابها من الاتفاق النووي إلى فرض عقوبات جديدة على إيران ومحاولة إلزام دول أخرى في هذه العقوبات، ولكنها لن تجد أيّ استجابة في المحافل الدولية طالما أنّ الدول الكبرى الموقعة على الاتفاق لم تنسحب منه، وطالما أنّ مؤسسات الأمم المتحدة مضطرة للتعامل معه على هذا الأساس وليس كما تريد إدارة ترامب. ربما تلجأ إدارة ترامب إذا حازت على دعم من مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة إلى اتخاذ عقوبات ضدّ الدول الخمس الأخرى، وأيّ دول تتعاون مع إيران مستفيدةً من واقع الشراكة الاقتصادية القائمة بينها وبين الدول الصناعية السبع، ولكن من شأن مثل هذا الإجراء أن ينقل التوتر من توتر بين الولايات المتحدة وإيران إلى توتر بين واشنطن وحلفائها في الدول السبع، وبكلّ تأكيد هذا ليس في مصلحة الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية، وربما تستفيد منه إيران، كما يصبّ في مصلحة روسيا التي تعاني علاقاتها مع واشنطن من توتر شديد على خلفية سلسلة من القضايا الإقليمية والدولية، وأبرزها الردع الصاروخي والوضع في أوكرانيا وانتشار حلف الناتو شرقاً.
إذن ترامب يستطيع الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ولكنه لا يستطيع إلغاءه، لأنّ إلغاء الاتفاق يتطلب تضامن الدول الموقعة عليه إلى جانب الولايات المتحدة، ومصادقة الهيئات الدولية على الإلغاء، بما في ذلك منظمة حظر الأسلحة النووية ومجلس الأمن، وكلّ ذلك متعذر.