قدّاس عن أرواح الشهداء العسكريّين بحضور ممثّل عن قائد الجيش

أقام الأب إميل يعقوب مجاعص ورعيّة القديس جاورجيوس ـ أبو ميزان، قدّاساً عن أرواح الشهداء العسكريّين، حضره العميد عدنان بو ياسين ممثّلاً قائد الجيش العماج جوزف عون، الذي قدّم له الأب إميل هدية رمزية عبارة عن نُصب القدّيس جاورجيوس القائد العسكري الروماني الذي استشهد دفاعاً عن إيمانه.

حضر القدّاس أيضاً قائد اللواء الخامس العميد الركن جبرايل معلوف، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأسبق الأمين مسعد حجل، الشيخ القاضي الدكتور يحيي الرافعي الذي استأذن الأب إميل في ختام القدّاس لإظهار دعمه للجيش اللبناني وإدانته كلّ أعمال الإرهابيين الذين لا يمتّون إلى الإسلام بِصلة، مؤيّداً كلّ ما ورد في كلمة الأب إميل.

وحضر القداس أيضاً جمهور من رؤساء بلديات ومخاتير وأبناء منطقة المتن الشمالي، وخصوصاً من الشوير والجوار ومن مدينة زحلة التي خدم فيها الأب إميل كاهناً لنحو 12 سنة. وتبع القدّاس مائدة رحمة في قاعة الكنيسة.

كلمة إميل

«سيحلُّ الظلام لكنني لن أخاف تحت جناحيك يا الله»، عبارة قرأتها في موقع إلكتروني وأنا أفكّر بالعسكريين المخطوفين الذين في لحظة غدر قرّر ظلاميون القضاء على زهوة شبابهم بضربة سكين أو طلقة رصاصة بلا رحمة ولا ندم ولا توبة، وتالياً: بلا غفران…

إن أبناءنا العسكريين الشهداء هم أبناء نور لأنهم بالأساس انضمّوا إلى مؤسسة لا تعرف غير التضحية والشرف والوفاء طريقاً. إنها طريق الفداء، وفي الفداء حياة، إذ ليس من حبّ أعظم من أن يفدي إنسان نفسه عن محبّيه. ونحن نؤمن بقوة المحبة، هذا هو ديننا وهذا هو إيماننا، ولا شيء سيفصلنا عن محبة الله ومحبة القريب، لا شدّة ولا ضيق ولا اضطهاد ولا سيف لأننا في الشدائد ننتصر بالذي أحبّنا.

ولا شيء أيضاً سيفصلنا عن محبتنا لجيشنا الوطني، لا شدّة ولا اضطهاد ولا سيف دولة دينية وهمية لا تعرف مغزى الحياة التي وهبنا إياها خالقنا، ولا تُدرك معنى التعددية الفكرية والدينية والحرية الإنسانية والحضارية في مسيرة التطور البشري. لقد أبْعد عنا جيشنا البطل والمقاومون الشرفاء كأس االمرارة التي كدنا أن نشربها على يد أولئك الطغاة الجهلة الذين يعملون على إرجاع الإنسانية مئات السنين إلى الوراء… «إن التطور مقدّس»، هكذا قال الفيلسوف الفرنسي الأب بيار دو شاردان، ولا يمكن لإنسان أن يقف حيث هو بلا تطور في الفكر والعقيدة، وإلا حكم على نفسه بالموت باكراً وسلفاً. فكيف يكون حاله إذا ما اختار العودة إلى العصور البائدة؟

الجيش كرامتنا وسياج وطننا وأملنا بغد مشرق أمناً وخيراً وعملاً خلّاقاً. إنه يسير اليوم في اتجاه تصاعدي بالقوة والشهامة والتضحية، يرأسه قائد شجاع حكيم هو العماد جوزف عون أعلن سلفاً رفضه أيّ نوع من الوساطات في امتحانات المدرسة الحربية، متمسّكاً بالكفاءة والجدارة مساراً للنجاح، بتوجيه ودعم بلا قيود من قائد البلاد الرئيس العماد ميشال عون. هذه هي الطريق التي يبدأ بها الإصلاح المنتظر، طريق إنقاذ الوطن من التبعية للسياسيين أو أصحاب المال والسلطة. وهذا هو الجيش الذي ننشده مستقلاً عن كل الضغوط والحسابات االشخصية، لا يحتكم إلا إلى العقل ولا يستشير إلا الضمير ولا يعمل إلا لأمن الشعب. فهذا الجيش هو ابن الناس الطيبين، وهو منهم ولهم، وبينهم أهله وإخوته وأصدقاؤه وأبناء قريته أو حيّه السكني… لقد ارتفعت قامة هؤلاء الناس الطيبين إلى قامة الجيش اللبناني في عملية «فجر الجرود» الخارقة والمميّزة في العمل العسكري، ولا عودة إلى الوراء بعد اليوم مع هذه القيادة المعجونة عمليّاً بشعار الجيش في الشرف والتضحية والوفاء، وبالسير دائماً إلى الأمام في نظام مرصوص، سرّه محبة خالصة لهذا الوطن الحبيب ولأبنائه الطيبين. إن ثقتنا كاملة وراسخة بجيشنا الحبيب رسوخ شجر الأرز والسنديان من أجل وطن موفور الكرامة عالي الجبين، ومن أجل مواطَنة صالحة تزهو بالعمل والخير العام. وسيبقى جيشنا الباسل راية مصونة في قلوبنا ومرفوعة فوق رؤوسنا مع كل إشراقة شمس في كل فجر جديد.

كلمة يحيى الرافعي

من ناحيته، قال الشيخ يحيي الرافعي: يتساءل بعضكم عن وجود شيخ معمّم مسلم في هذه المناسبة. وهنا أردّد قولاً مأثوراً: كلّنا مسلمون، منّا من أسلم لله عن طريق الإنجيل ومنّا من أسلم لله عن طريق القرآن…»، بمعنى أنّ الذي يجمعنا نحن المؤمنين من المسلمين والمسيحيين أكثر بكثير ممّا يفرقنا. وخصوصاً أن المناسبة للصلاة والترحّم على شهداء الوطن وهم من كلّ الطوائف والمذاهب، وخصوصاً من الجيش اللبناني حامينا وفخرنا وعزّنا، ولولاه لما تواجدنا معا الآن ولم نجتمع هنا معكم، لأن وطننا الذي ولدنا ونشأنا وتربينا فيه وتغذّينا بخيراته وشربنا ماءه العذب الزلال، هذا الوطن الصغير بمساحته، الكبير برسالته ومعانيه بوجود مختلف الطوائف والمذاهب والعائلات الروحية المختلفة المتعايشين والمتجاورين والمتصاهرين والمتحابين والمتفاهمين منذ زمن بعيد…

هذا الوطن الحبيب هو الذي يجمعنا وحبه واجب وهو أساس من إيماننا. وكما ورد حبّ الوطن من الإيمان، فالذي لا يحبّ وطنه لا يكون مؤمنا كاملاً. وكان هذا الوطن العزيز علينا جميعاً موئلاً ومرتعاً لكلّ الناس في السلم والحرب والاضطرابات التي كانت تحصل في بعض البلاد المجاورة، وكان بلدنا هذا فيه الأمن والأمان أساس السلام، وقد تغيّر الحال اليوم كما نعلم جميعاً بسبب بعض المجموعات التي تتاجر بالدين وترفع لافتات وشعارات وتمارس الإرهاب والقتل والذبح لكلّ الناس من دينهم ومذهبهم ومن الأديان والمذاهب الأخرى. وليست هذه هي المرّة الأولى التي يكون الدين سلعة وتجارة والتلطّي خلف شعاراته، فقد حصل في التاريخ قديماً وحديثاً مثلها، لكن العقلاء من المؤمنين كانت لهم مواقف مشرفة، أذكر منهم على سبيل المثال، الزعيم الديني والسياسي والعسكري لنصارى الأردن، فقد وقف وحارب إلى جانب العرب بغالبيتهم الاسلامية في ما يسمى بالحروب الصليبية دفاعاً عن وطنه وبلده وأمته وقال قوله المشهور: «لا للغزاة الغرباء وأقف مع أبناء أمتي ووطني وإخواني وأهلاً وسهلاً ببني عمّي عرب الجزيرة…».

من أجل هذا، أؤكد من منطلق دينيّ وإيمانيّ على حبّ وطننا لبنان وكلّ المواطنين من مختلف المذاهب والطوائف، لذلك اتخذت شعاراً «لبنان كالطائر يحلّق بجناحيه الإسلامي والمسيحي، إذا أصيب جناح سقط الطائر».

من أجل هذا أيضاً يجب علينا جميعاً إذا كنّا نحبّ وطننا لبنان حقاً، أن نحبّ بعضنا لنحفظ أنفسنا أولاً ووطننا وأهلنا وأموالنا وبيوتنا، لأنه إذا توافقنا وتفاهمنا فنحن باقون هنا ومتجذّرون هنا كما كنا منذ آلاف السنين، وإلا لن نجد ملجأً لنا سوى البحر لنغرق فيه، وأؤكد أن الأسماك ستتظاهر مستنكرة وجودنا بينهم خشية إفسادها وتسميم أفكارها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى