الجنرال سليماني في أربيل لمشروع تسوية… والرياض تعدّل المعارضة وفق تفاهم موسكو المشنوق يهدّد بالردّ الآتي… وباسيل: رأسنا مرفوع وهم الأتباع وسننسّق مع سورية كشقيقة
كتب المحرّر السياسي
كشف تضارب التصريحات الصادرة عن قيادة التحالف الدولي والميليشيات الكردية حول حقيقة انسحاب مئات من مقاتلي داعش وآلاف المدنيين من الرقة، وجود قطبة مخفية يُراد إخفاؤها، فلم تمرّ المعلومات عن الأرقام لمئات المسلحين وآلاف المدنيين، كما لم تمر المعلومات عن احتجاز المسلحين، ومنع الأجانب من الخروج. فالصفقة بائنة، ومضمونها فتح باب الخروج لداعش من الرقة نحو دير الزور وصولاً للبوكمال، لتدعيم مواقع التنظيم هناك مع نجاح الجيش السوري وقوى المقاومة بالإمساك بمدينة الميادين، مقابل نجاح الجيش العراقي والحشد الشعبي بتحرير عانة وراوة وصولاً لمدينة القائم، وشعور الأميركيين بدنو ساعة نهاية داعش، واقتراب ساعة الحقيقة التي سيوضع فيها على الطاولة مصير السيطرة الكردية على مناطق من الجغرافيا السورية بداعي الاستعداد للانفصال، كما سيصير الوجود الأميركي العسكري المستظل بالحرب على داعش مكشوفاً بلا غطاء كاحتلال أجنبي، لا تفيده تغطية الميليشيات الكردية وأحلام الانفصال التي تبدو صعبة المنال في العراق، حيث لها تاريخها وبعض من شرعية ومشروعية، فيكف بها تمرّ في سورية؟
في العراق تتابع الحكومة إجراءات التموضع في كركوك وحولها متفادية التصادم مع البيشمركة، بينما الحدود البرية لكردستان مع إيران تمّ إعلان إقفالها من طهران، بانتظار خطوة تركية مماثلة، وفيما تنقطع المشتقات النفطية عن كردستان بالإقفال الإيراني ينقطع تصدير النفط الخام بالإقفال التركي. وهذه المخاطر والصورة المستقبلية إذا تواصل العناد هي المعادلة التي حملها الجنرال قاسم سليماني إلى أربيل لالتقاط الفرصة الأخيرة للتسوية، قبل دخول المواجهة وصعوبة العودة بعدها إلى الوراء، فيما تبدو كركوك عنوان التسوية وعنوان المواجهة.
الطريق المسدود لانفصال كردستان العراق، لم يمنع تعلّق قيادة رئيس الإقليم مسعود البرزاني بوعود أميركية و«إسرائيلية» وسعودية، وزاد العناد التصعيد الثلاثي بوجه إيران، بوهم الانضمام الكردي لهذا الحلف الثلاثي وقدرته على حمايته. وهو ما سيستكشفه الجنرال سليماني في زيارة أربيل، وبيده وقائع الخداع الأميركي والوهن «الإسرائيلي»، والمحاولات السعودية لمواكبة زمن التسويات مع محور المقاومة من بوابة موسكو، حيث ذهبت الرياض للتفاهم
حول الحلّ الذي ترعاه روسيا، وها هي تدعو المعارضة
التي طالما شجّعتها على التصعيد لتعديلها وفق دفاتر الشروط الروسية، بينما تفعل بالأكراد ما سبق أن فعلته مع هذه المعارضات.
في لبنان، طفا على السطح تجاذب حادّ بين وزيرَي الخارجية جبران باسيل والداخلية نهاد المشنوق، الذي بادر لتحدي باسيل بالقول إن الردّ آتٍ على مواقفه وتصرفاته التي وصفها بتهديد التوافق الحكومي والاستقرار الداخلي، متهماً باسيل بفرض لغة التهديد والإرغام، بينما ردّ باسيل بقوة متهماً المشنوق بالتبعية لخارج على حساب مصلحة لبنان، خصوصاً في ملف النازحين الذي يستدعي التنسيق مع الحكومة السورية، قائلاً ننسّق وسننسّق مع سورية كدولة شقيقة تربطنا بها معاهدات ونحمي بذلك مصلحة لبنان العليا، وفيما بقي كلام المشنوق على ضفة السعي لتحييد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الداعم علناً لمواقف باسيل، لم يتجنّب باسيل في رده التساؤل عما إذا كانت زيارات رئيس الحكومة سعد الحريري للسعودية تحتاج لإذن من الحكومة؟
مصادر مطلعة رأت التصعيد بلسان المشنوق استجابة لتساؤلات سعودية عن سبب الصمت على لقاء نيويورك الذي جمع باسيل بوزير الخارجية السوري وليد المعلم، ودعوتها للتحرك منعاً لتواصل أعلى على خلفية ملف النازحين، وتسخيناً انتخابياً لا يعني الذهاب للتصادم، بينما بالنسبة للرئيس عون والوزير باسيل تبدو الأمور محسومة للمضي في ملف العلاقة بسورية، وفتح باب التعاون الرسمي في ملف النازحين.
المشنوق لباسيل: لن «نبلط البحر» والرد آتٍ
في وقتٍ خيم الجمود على المشهد الداخلي في عطلة نهاية الأسبوع مع وجود رئيس الحكومة سعد الحريري خارج البلاد، يعود النشاط السياسي الى طبيعته بدءاً من الثلاثاء المقبل، ومن ساحة النجمة تحديداً، التي تشهد ثلاث جلسات تشريعية متتالية لمناقشة الموازنة وإقرارها، غير أن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق خرق هذه الرتابة مستحضراً مصطلحات التصعيد والتهديد بالاستقرار الحكومي احتجاجاً على سياسة وزارة الخارجية، لا سيما في ما يتعلق بالعلاقة مع سورية وملف النزوح السوري. وهدد المشنوق بأننا لن «نبلّط البحر» وأن الرد آتٍ في الأيام المقبلة، ما ينذر بأزمة حكومية تلوح في الأفق قد تنفجر في أي لحظة مع استعداد رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل لطرح خطته لمعالجة أزمة النزوح على طاولة مجلس الوزراء في الجلسات المقبلة، ما يضع التسوية الرئاسية على محكّ الخلافات السياسية مجدداً بالتزامن مع اشتعال المشهد الإقليمي وارتفاع وتيرة التصعيد ضد حزب الله.
وقد اعتبر المشنوق، أمام حشدٍ من أعضاء «جمعية متخرّجي المقاصد الإسلامية في بيروت»، أن «السياسة الخارجية اللبنانية شاردة»، منتقداً سلوك وزير الخارجية جبران باسيل من دون أن يسميه.
وقال: «إن التمادي في هذا الاتجاه السياسي يعرّض التضامن الحكومي لمخاطر جدية»، مشيراً إلى أنه «لا يمكن الاستمرار بسياسة الصدمة والإلزام والإرغام»، وميّز المشنوق بين رئيس الجمهورية «الذي له كل احترام وتقدير وعلاقتنا قائمة على الصراحة والوضوح المتبادل، وبين سياسة وزارة الخارجية التي تتعارض مع الأعراف الحكومية والبيان الوزاري».
..وباسيل يردّ: من لا تعجبه سياستنا فهو المستَتْبَع
ردّ باسيل على اتهامات المشنوق لم يتأخر، فقد أشار في كلمة له خلال افتتاح مكتب التيار الوطني الحر في سوق الغرب الى أن «مَن لا تعجبه سياستنا الخارجية المستقلة فهو المستتبع للخارج وغير المعتاد على العيش بلا تبعية اما نحن فنعيش ورأسنا مرفوع». كما أشار باسيل خلال افتتاحه محول معمل كهرباء رشميا الى «أننا عندما نحذّر من عدم عودة النازحين السوريين، فلأننا اصحاب تجربة مع نزوح اللبنانيين الى الخارج ونزوحهم في الداخل».
«التيار الحر»: لن ندفن الرؤوس في الرمال
وقال مصدر قيادي في التيار الوطني الحر لـ «البناء» إن «الرئيس ميشال عون دخل في تسوية رئاسية ثم حكومة وفاقٍ وطني لإعادة تقويم وبناء الدولة ومؤسساتها، لكنه لم يتخلَّ يوماً عن مسلماته الوطنية، وإذا أصرّ البعض على سياسة «المسايرة» لبعض الدول، فهذا شأنه، لكن هناك مصلحة وطنية عليا لا تسمح بدفن الرؤوس في الرمال، وبالتالي عودة النازحين السوريين الى بلدهم أولوية الأولويات لدى الرئيس عون، ولا يمكن التنازل عن ذلك كرمى لعيون أي دولة أخرى».
وأوضح المصدر أن «لقاء الوزير باسيل ونظيره السوري الوزير وليد المعلم، لم يخرق البيان الوزاري قيد أنملة ولم يتجاوز الدستور اللبناني الذي كرّس العلاقات المميّزة بين الدولتين اللبنانية والسورية فضلاً عن وجود علاقات دبلوماسية بين الطرفين واتفاقات مشتركة منذ العلم 1993». وتساءل المصدر: لماذا وافق رئيس الحكومة على تعيين سفير لبناني في سورية منذ أشهر قليلة؟ فليعلنوا رسمياً رفضهم للعلاقات مع سورية وللتبادل الدبلوماسي»، وأشار الى أن «باسيل التقى المعلم في الأمم المتحدة أولاً وثانياً مع وزير خارجية دولة شقيقة ومعترف بها في الأمم المتحدة أعلى هيئة دولية عالمية، فأين الخطأ في ذلك؟».
ولفت المصدر الى أن «لا تصريحات المشنوق ولا غيرها تثني باسيل والتيار والرئيس عون عن الدفع لحل ملف النازحين وإعادة آخر نازح الى بلده. وإن تطلب الأمر مزيداً من الزيارات واللقاءات والتنسيق مع سورية، وإلا فليقدموا لنا حلاً بديلاً»… وأضاف: «لا يهدّدنّ أحد بنسف التسوية وإسقاط الحكومة، فالبلد سيكون الخاسر الأول والحريري الثاني وليس العهد، كما يظنّون، فكفى ابتزازاً وإلحاق الضرر بالوطن»، ولفت المصدر الى أن «محاولة المشنوق دق إسفين بين عون وباسيل لن تنجح و«يخيّط بغير هالمسلة».
وفي حين علمت «البناء» أن ملف النزوح يشكل أحد أهم الملفات الخلافية بين التيار الوطني الحر وقوى 8 آذار من جهة وتيار المستقبل و«القوات اللبنانية» من جهة ثانية، أوضح مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدولية الوزير السابق الياس بو صعب في تصريح تلفزيوني الى أن «هناك أعداداً هائلة من النازحين باتت موجودة في البلدات في لبنان في وقت الاقتصاد بات في وضع سيئ»، مضيفاً: «ما نقوله اليوم هو أن وضعنا في لبنان لم يعد يتحمل كل هذه الأعباء»، مؤكداً أننا «لن نقبل لغة العودة «الطوعية» للسوريين الى بلادهم بل نسعى الى العودة «الآمنة» الى سورية»، وتساءل بو صعب: ماذا لو اختار مليون ونصف المليون نازح البقاء في لبنان، هل نبقيهم هنا؟».
أمر عمليات خارجي؟
ولفتت مصادر دبلوماسية مطلعة لـ «البناء» الى أن «العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسورية تفرض على لبنان احترام هذه العلاقات، وبالتالي من الطبيعي أن تنسق وزارة الخارجية اللبنانية مع وزارة الخارجية السورية في ما خصّ ملف النازحين وغيرها من القضايا التي تهم الدولتين بما فيها اللقاءات بين الوزراء». وحذرت المصادر من اطلاق البعض مواقف سياسية تهدف الى تقديم أوراق اعتمادهم الى الخارج ويحلمون بلعب أدوار وتبوء مناصب سياسية مستقبلية، لكنها تصيب في الوقت عينه الاستقرار الداخلي»، وأوضحت أن «هجوم البعض على زيارات بعض الوزراء الى سورية يقابله اعتراض من الفريق الآخر على زيارات ولقاءات مسؤولين لبنانيين مع دول عربية وخليجية كالسعودية». وتساءلت المصادر: هل يخرق الحريري سياسة النأي بالنفس عندما يزور السعودية؟ وهل يأخذ موافقة الحكومة عندما يزورها؟ وبالتالي ما يفرض علينا الطرف الآخر تطبيقه على سورية فلنطبقه على السعودية…
وحذّرت المصادر من «لغة التهديد والوعيد التي لم تعُد تجدي في ظل تهاوي وتعثر المشروع الاميركي «الاسرائيلي» السعودي في المنطقة. وبالتالي لا تؤدي إلا الى مزيدٍ من التأزيم السياسي»، موضحة أن «أي ترجمة لهذه اللغة يعني أمر عمليات خارجي الى أدوات الداخل لتفجير الحكومة ونسف التسوية، بهدف قلب المعادلة الداخلية وتشكيلها من جديد»، محذرة رئيس الحكومة والفريق المستقبلي من «الذهاب الى خيارات كهذه تطيح بما أنجز منذ انتخاب الرئيس عون حتى الآن».
وفي سياق ذلك، أكد وزير الخارجية الأسبق الدكتور عدنان منصور لـ «البناء» أن «ما يُساق بحق وزارة الخارجية ووزير الخارجية الحالي جبران باسيل مجرد افتراءات واتهامات سياسية»، موضحاً أن «وزير الخارجية لم يخرج عن الإجماع الحكومي ولم يخرق الدستور ولا البيان الوزاري، بل هو وزير سيادي، وله الحق بأن يمارس سيادته على وزارته. وهو انطلق في مقاربة العلاقة مع سورية من الاتفاقيات الموقعة بين الدولتين، وهي معاهدة الأخوة والصداقة والأمن والدفاع المشترك التي ترعى المصالح بين البلدين فضلاً عن وجود بروتوكولات موقعة بين الجانبين في مختلف المجالات، وبالتالي الزيارات المتبادلة للوزراء حد أدنى يتطلبه تسيير الشؤون والمصالح».
وعن ملف النازحين أشار منصور الى أن «الحل لمسألة النزوح يتم بالتنسيق بين المسؤولين في الحكومتين لوضع خريطة طريق لإعادة النازحين، لا سيما أن معظم النازحين أتوا من مناطق تم تحريرها، وعادت الى حضن الدولة. وبالتالي على الدولة اللبنانية الإسراع بالتواصل مع الحكومة السورية لإنهاء الملف»، مشيراً الى أن «الامم المتحدة لا تستطيع حل الأزمة وحدها بل بلد النزوح وبلد الموطن هما الأدرى بأعداد النازحين وأوضاعهم وأماكن تواجدهم والمناطق التي نزحوا منها»، محذراً من أن «التلكؤ الحكومي في هذه القضية سيؤدي الى إبقاء النازحين في لبنان لعشرات السنوات، كما حصل في فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها».
وأكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن «لبنان أصبح بعد معادلة الجيش والشعب والمقاومة أكثر حصانة في مواجهة المؤامرات الخارجية، وأن نجاحه ضد «إسرائيل» أعطاه قوة الصمود والاستقلال، ونجاحه ضد الإرهاب التكفيري حصَّنه من الفتنة المذهبية وعدم الاستقرار، لم تعد الاتهامات ضدنا تُطعم خبزًا، والتحريض المذهبي يخنق أصحابه، والدفاع عن التكفيريين بات مذلّة، والتعليمات الخارجية لبعض مَن في الداخل أصبحت عبئاً على المأمورين بها».
وصول جثامين ضحايا حادثة «غرينفيل» لبيروت
على صعيد آخر، وبعد الحادثة المأساوية التي تعرّض لها الاغتراب اللبناني في بريطانيا في حزيران الماضي، وصلت الطائرة التي تقل جثامين عائلة اللبناني باسم طعان شقير الستة الذين قضوا في حريق برج «غرينفيل» في لندن لمطار بيروت مساء أمس.
وكان في استقبال الجثامين في صالون الشرف في المطار وزير الزراعة غازي زعيتر ممثلاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري وقيادة حركة أمل، ووزير الصناعة حسين الحاج حسن ووفد من بلدة نحلة البقاعية مسقط رأس الضحايا، وذوو الضحايا وعدد كبير من أهالي البلدة.
وأمل زعيتر أن تكون هذه الكارثة «آخر الكوارث بحق المغتربين، داعياً الحكومة الى الاهتمام بالضحايا»، بينما أشار الحاج حسن الى أن «هناك أزمات أدّت إلى هجرة لبنانيين باحثين عن فرص عمل في الخارج ونأمّل أن يتمّ حلّ هذا الموضوع».
وقد رافق الجثامين على متن الطائرة الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير، ممثلاً الرئيس الحريري، ويشيع الجثامين الستة صباح اليوم في بلدة نحلة.