تطبيق آليات اتفاق المصالحة… نقلة نوعية

عباس الجمعة

يبقى السؤال في نهاية المطاف هل يمكن توظيف المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية في خدمة مشروع سياسي قابل للحياة في ظروف في غاية التعقيد تمرّ فيها القضية الفلسطينية والمنطقة كلها.

لا شك أننا نرحب باتفاق المصالحة وما تضمّنه البيان الختامي للقاء الأخوة في حركتي فتح وحماس من أجل طيّ صفحة الماضي بفضل الجهود المصرية، ونتطلع إلى توظيف هذه المصالحة في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني.

من هنا نرى انّ تطبيق آليات اتفاق المصالحة يشكل نقلة نوعية نحو وضع أفضل يأخذ في الاعتبار بلورة استراتيجية وطنية تستند لكافة أشكال النضال الوطني ومواجهة الضغوط الإسرائيلية والأميركية، وخاصة في ظلّ الحديث عن مشروع أميركي يستهدف القضية الفلسطينية.

لذلك فإنّ التوقيت بشكل عام للاتفاق الفلسطيني في القاهرة يوفر عناصر دافِعة للخروج من مأزق الانقسام الفلسطيني، يُمكن القول أيضاً إنّ المفاجأة ليست في عامل التوقيت وحسْب، أو العناصر التي سهَّلت التوصل إلى هذا الاتفاق، بل أيضاً في المضمون، وهذا يتطلب وقفة من كافة الفصائل والقوى الفلسطينية التي ستجتمع عما قريب من أجل البحث في بعض المفاهيم والخطوات التي وقعت عليها حركتا فتح وحماس، من حيث المبدأ، ولم توقِّع عليها بعد الفصائل الفلسطينية الأخرى سوى أنها رحّبت بما تمّ التوصل اليه، فهناك عدة استحقاقات يجب على الجميع الوفاء بها، منها الإسراع في عقد المجلس الوطني الفلسطيني من أجل انتخاب لجنة تنفيذية وتفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أرضية شراكة وطنية ورسم استراتيجية وطنية وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

ونحن اليوم نتطلع إلى استكمال الحوار بحضور جميع الفصائل نؤكد أهمية تشكيل حكومة انتقالية تكون لها أولويات رئيسية، وهى تهيئة الظروف لانتخابات رئاسية وتشريعية والإشراف على تنفيذ بنود الاتفاق وتسوية القضايا الأمنية والإدارية، الناجِمة عن الانقسام الفلسطينى وتوحيد مؤسسات السلطة الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقُدس والاستمرار في بَذْل الجهود التي تهدِف إلى إنهاء حصار الاحتلال لقطاع غزة وإعادة الإعمار.

وفي ظلّ هذه الظروف نرى انّ الاتفاق الذي جرى بين حركتي فتح وحماس، وهما الفصيلان الأكبر فلسطينياً، وليس اتفاقاً بين كافة الفصائل الفلسطينية، رغم أنّ بعض البنود تتعلّق بمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي المنظمة التي تجمع كلّ القوى الفلسطينية، دون حركة حماس والجهاد، وأيضاً تتعلّق بالأجهزة الأمنية، وهو أمر يخصّ الجميع، وليس فقط فتح وحماس، ونحن نأمل ان يتوفر مناخ إيجابي لإنجاح المصالحة برمّتها، مما يتطلب الوقوف أمام المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي يخوض معركة التحرّر الوطني، فإنّ دحر الاحتلال ووحدة الشعب وتقرير المصير بإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس، وضمان عودة اللاجئين، ودمقرطة النظام السياسي الفلسطيني وحق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال والتمسك بالشرعية الدولية وقراراتها واستحضار الدعم العربي والدولي لإسناد كفاح الشعب الفلسطيني يشكل المصالح الوطنية العليا التي علينا التمسك بها وتقوية حضورها اليومي، فتوحيد نظرتنا كشعب وقوى سياسية واجتماعية للمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني يحتلّ أهمية قصوى في تقليص زمن العذابات التي يعاني منها وفي تقريب زمن تحقيق أهدافنا.

ختاماً: نرى من الضروري ونحن نتطلع الى البيان الختامي للمصالحة بين الأخوة في حركتي فتح وحماس، ان تكون هناك استراتيجية تتبنّى وثيقة الوفاق الوطني وتستند الى التصدّي للتحديات الجسام التي تجابه الواقع الفلسطيني والذي يأتي الاحتلال ومشاريعه السياسية وغطرسته العسكرية بما فيها المشروع الاميركي الذي يتحدّث عنه الرئيس ترامب في ظلّ استمرار الاستيطان من خلال مصادرة الاحتلال للأرض والتاريخ، تقع عملية التصدي في سلّم أولويات الشعب الفلسطيني الوطنية باستعادة حريته واستقلاله من خلال استراتيجية سياسية وكفاحية تصون الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني لتصبح المعيار الجماعي لموقف القوى والفصائل وأداة القياس والحكم على الممارسات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى