سورية تزفّ عصام زهر الدين شهيداً… وواشنطن تدفع الأكراد نحو حقول النفط والغاز بري ينتقد النواب ويُحيّي رئيس البرلمان الكويتي… والحريري يؤنّب فتفت والضاهر
كتب المحرّر السياسي
مع تبلور المشهد الكردي في العراق واتجاهه نحو الاستقرار، بعد عاصفة الأيام العشرين التي أطلقها الاستفتاء على الانفصال، قبل أن تستسلم رئاسة الإقليم لمعادلات أظهرت درجة التهوّر والتسرع في خطوة الاستفتاء، وكشفت زيف الوعود التي نامت قيادة الإقليم على حريرها، وربما تدفع ثمن الاعتماد عليها غالياً، كما ثمن استهانتها بحجم ردود أفعال بغداد ودول الجوار. وخلال الأيام القليلة الماضية ترسّخت معادلة سقوط الانفصال باسترداد بغداد كركوك وحقول نفطها والمناطق المتنازع عليها والمنافذ الحدودية، وارتضاء رئيس الإقليم الكردي مسعود البرزاني التسليم بالهزيمة، والتسليم بتبلور مشهد داخلي كردي جديد حقق خلاله حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني نقاطاً على حساب الحزب الديمقراطي الذي يتزعّمه البرزاني، ما استدعى تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الكردية التي كانت مكرّسة مطلع الشهر المقبل لحسم هيمنة البرزاني وحزبه على القرار الكردي، تمهيداً لصيغة شراكة جديدة يلعب فيها حزب الطالباني دوراً أكبر بعدما باتت مواقفه المناهضة لتسرّع وتهوّر البرزاني موضع ثقة بغداد والجوار، ومحور قبول كردي لتطبيع العلاقات مع بغداد والجوار وعودتها لما قبل دعسة الاستفتاء الناقصة.
بالتوازي مع الدرس القاسي الذي تلقّاه أكراد العراق، بسبب ركونهم للوعود الأميركية، تواصل قيادة الجماعات الكردية في سورية الطاعة العمياء للأوامر الأميركية، فتنتقل من الرقة بعد عملية تسلّم وتسليم مفضوحة تمت مع داعش، برعاية أميركية لتعاون مكشوف في الحرب بوجه تقدّم الجيش السوري شرق الفرات داخل محافظة دير الزور، بعدما أصيب الأميركيون بالهلع من بلوغ وحدات الجيش السوري نقاطاً قريبة من حقول العمر النفطية الأهم في سورية وثروتها في النفط والغاز.
الجيش السوري الذي يواصل تصدّيه لوحدات داعش المنقولة من الرقة، زفّ أحد أبرز قادته وصنّاع انتصاراته اللواء عصام زهر الدين شهيداً، بانفجار لغم أرضي خلال الاقتحامات في إحدى نواحي دير الزور، حويجة صكر، واللواء زهر الدين كان رمز صمود وحدات الجيش في مطار دير الزور المحاصر لسنوات، كما كان قائد الاقتحام في بابا عمرو في حمص قبل خمس سنوات مفتتحاً انتصارات الجيش السوري مع بداية الحرب على الجماعات المسلحة.
لبنانياً، تواصلت جلسات مناقشة الموازنة تحت قبة البرلمان، حيث السجال السياسي الحار في ظل حضور نيابي باهت، استدعى انتقاد رئيس المجلس النيابي نبيه بري للنواب الغائبين، فيما كان يوجّه التحية لرئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم الذي صدح في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في بطرسبورغ بروسيا، موجّها كلمات قاسية لرئيس الوفد «الإسرائيلي»، الذي تحدّث عن الإرهاب مستهدفاً حركات المقاومة، صارخاً بوجهه، «أنتم إرهاب الدولة، يا قاتل الأطفال، ايها الإرهابي، احزم حقائبك وارحل».
في المناقشات النيابية سقط هجوم نائب رئيس حزب القوات النائب جورج عدوان على مصرف لبنان بالضربة القاضية بإعلان وزير المالية علي حسن خليل أن المصرف يقدّم كشوفات حساباته بانتظام خلال عشرين عاماً، غمز منها عدوان، بينما أنّب رئيس الحكومة سعد الحريري النائبين أحمد فتفت وخالد الضاهر المحسوبين من كنفه، على كلامهم عن إحباط الطائفة السنية قائلاً، ليس هناك إحباط سني، بل ربما يكون بعضُ النوب محبطاً.
وتنتهي الجلسات النيابية اليوم بالتصويت على مواد الموازنة، بعدما أقر قانون يجيز إقرار الموازنة وتأجيل المصادقة على قطع الحساب مقابل تعهّد وزارة المال بتقديمه خلال مهلة تمتد من ستة أشهر إلى سنة لتقديم قطع الحساب.
المجلس أضاف مادة على الموازنة والتصويت اليوم
أقرّ المجلس النيابي إضافة مادة على قانون الموازنة، وهي إعطاء مهلة ستة أشهر إلى سنة لوزير المال لإنجاز قطع الحساب، وقد صوّت المجلس بالمناداة بـ57 صوتاً مع إقرار المادة و11 ضد و1 ممتنع. ورفعت الجلسة إلى صباح اليوم على أن تكون مغلقة، وقد صوّت نواب حزبي الكتائب والقوات والنائب بطرس حرب ضد إقرارها، بينما امتنع النائب إبراهيم كنعان عن التصويت.
وأعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري نهاية جلسة مناقشة موازنة العام 2017 بعد أربع جولات متتالية على مدى يومين كاملين تحدّث خلالها 25 نائباً، وطلب بري قطع البث المباشر عن قاعة المجلس والانتقال إلى التشريع والتصويت على المادة بعيداً عن الإعلام.
ولم تختلف جولة أمس الصباحية عن الجولتين السابقتين لجهة الرتابة وتكرار المواقف، باستثناء الحضور النيابي الباهت الذي شهدته قاعة البرلمان، حيث بدت مقاعد النواب شبه خالية، ما دفع رئيس المجلس الى توجيه انتقاد لاذع للنواب الغائبين وحثّهم على الحضور الذي عاد وارتفع في الجولة المسائية. وقد واصل النواب من مختلف الكتل النيابية في الجولتين الصباحية والمسائية مقاربة مشروع الموازنة، وركّز المتحدّثون على أرقام الاعتمادات الواردة في المشروع وعلى الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان وضرورة مكافحة الهدر والفساد والتهرّب الضريبي وعدم تحميل الفقراء مزيداً من الضرائب، ولم تخلُ الجلسة أيضاً من تبادل الرسائل السياسية وتراشق الاتهامات بالمسؤولية عن الفساد والهدر والصفقات، والمزايدات الانتخابية والمناطقية.
ولاقت خطوة رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم طرد الوفد الصهيوني من اجتماع البرلمان الدولي في سانت بطرسبورغ في روسيا، صداها في قاعة المجلس في ساحة النجمة وخرقت مداخلات النواب حول الموازنة لدقائق تسنّت لرئيس المجلس توجيه التحية باسم المجلس على موقف الغانم.
غير أن النصف الثاني من الجولة المسائية شهدت تطوراً دراماتيكياً لا سيما خلال مداخلتي وزير المال علي حسن خليل ورئيس الحكومة سعد الحريري وردود بعض النواب عليها والاجتهادات الدستورية والقانونية حول دستورية إقرار المجلس النيابي لموازنة 2017 بلا قطع حساب السنوات الماضية، وحصل جدال بين رئيس المجلس والنائبين بطرس حرب وسامي الجميل اللذين طالبا الحكومة استرداد قانون الموازنة وأن يقدّم وزير المال قطع حساب للعام 2016 و2017 وضمه الى مشروع موازنة العام 2018 التي باتت شبه منتهية ثم إقرار موازنة 2018 في المجلس النيابي.
وفي حين قال بري: «ألف مرّة يقولوا ما في قطع حساب وما يقولوا مرّة ما في موازنة»، ردّ النائب ابراهيم كنعان على مداخلتي حرب والجميل، مشيراً الى أن «موافقة المجلس النيابي وحده من دون ديوان المحاسبة على قطع الحساب مخالفة دستورية ولقانون المحاسبة العمومية»، موضحاً أن «إقرار قطع الحساب عن عام 2015 وحده لا يحلّ المشكلة ونحن من رفضنا إقرار تسوية على حساب المال العام، فلا يزايد أحد علينا»، غير أن رئيس المجلس قاطع كنعان طالباً قطع البث عن القاعة.
خليل: لدينا أرقام تحويلات من «المركزي»
وحضرت القنبلة «العدوانية» الذي أطلقها النائب جورج عدوان في الجولة النيابية الأولى على المصرف المركزي في مداخلة وزير المال، الذي أكد أن وزارته لديها أرقام تحويلات من مصرف لبنان عن السنوات العشرين الأخيرة ولديها كشف في هذا الموضوع، مشدداً على أن المصرف يرسل تقارير سنوية تصل مدققة من مدقق حسابات دولية. وتمنى أن يكون النقاش في ما يتعلق بمصرف لبنان خارج إطار الإعلام ليس للتعمية عن أي مخالفة بل لنقاش هادئ ومسؤول». ورد عدوان بالقول إن «القانون يلزم مصرف لبنان بنشر حساباته كافة سنوياً»، موضحاً أن «هذا الأمر لم يحصل منذ 20 سنة»، مؤكداً استعداده لـ «تأمين تطبيق القانون من دون المس في الاستقرار».
وكان وزير المال قد أكد في كلمته أنه لن «تكون هناك تسوية على أي حسابات سابقة كانت أم حالية على حساب مالية ومصلحة الدولة». مضيفاً: «إذا لم يكن هناك قطع حساب فهناك خلل دستوري»، لكنه أشار إلى أن الخلل الأكبر هو عدم إقرار الموازنة ، قائلاً: «نحن أمام واقع صعب جداً».
كما استدعت حملة عدوان على المصرف لقاء تشاورياً رباعياً على هامش الجلسة النيابية جمع رئيسَيْ المجلس والحكومة ووزير المال وعدوان.
الحريري للضاهر وفتفت: السنّة ليسوا محبَطين
وكان الحريري قد أكد خلال رده على مداخلات النواب، أن «إقرار الموازنة في هذا الوقت شكّل للبعض فرصة للمزايدة بالتزامن مع الانتخابات النيابية، فتحولت الموازنة العامة مزايدات عامة. وأنا لا أقبل أن يُقال عن الحكومة التي عملت أكثر من الحكومات السابقة، أنها لم تنجز شيئاً، وهي أنجزت قانون انتخاب نعمل عليه من العام 2008 وسلسلة الرتب والرواتب وتشكيلات دبلوماسية وتشكيلات قضائية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي».
وردّ الحريري على بعض من نواب «البيت المستقبلي» لا سيما أحمد فتفت وخالد الضاهر، لافتاً الى أن «أهل السنة غير محبَطين. وأنا مسؤول عن كلامي. ويمكن أن يكون بعض الزملاء النواب محبَطين، لكن أتمنى الا يسقطوا إحباطهم على طائفة».
عون: الحل السياسي يسهّل عودة النازحين
على صعيد آخر، أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حرص لبنان على تعزيز العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتطويرها في المجالات كافة، منوّهاً بالدعم الذي تقدمه إيران للبنان في المحافل الاقليمية والدولية.
وخلال استقباله أمس، في بعبدا المدير العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون في إيران الدكتور عبد العلي علي عسكري، بحضور السفير الإيراني في بيروت محمد فتحعلي وأعضاء الوفد المرافق، أمل عون أن تسفر المساعي التي تبذلها إيران للوصول لحل سياسي للازمة السورية، عن نتائج ايجابية، لان ذلك يساعد في إنهاء معاناة النازحين السوريين الى لبنان ويسهّل عودتهم إلى وطنهم ويخفّف من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي خلّفتها موجة نزوحهم إلى لبنان.
وقد نقل المسؤول الإيراني الى الرئيس عون تحيات مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي ورئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني وتمنيّاتهما للبنان بالمزيد من التقدم والازدهار والرخاء، مجدداً الدعوة التي كان وجّهها الرئيس روحاني للرئيس عون لزيارة طهران، وقد وعد رئيس الجمهورية بتلبيتها على أن يحدّد موعدها عبر القنوات الديبلوماسية.
ونوّه عسكري بمواقف عون والسياسة الحكيمة التي ينتهجها والتقدم الذي حققه لبنان خلال السنة التي مرّت على ولايته الرئاسية. وجدّد المسؤول الإيراني وقوف بلاده الى جانب لبنان ورغبتها في تعزيز العلاقات القائمة بين البلدين، مهنئاً بتحرير جرود لبنان من التنظيمات الإرهابية.
وقالت مصادر بعبدا لـ «البناء» إن زيارة عون الى طهران لم تحدّد بعد، لكنها ستحصل وسيحدّد توقيتها وجدول أعمالها في وقت قريب وليست خاضعة لأي حسابات أو ظروف إقليمية ودولية، بل إن لبنان يعتبر أن إيران بلد شقيق وتربطهما علاقة صداقة واحترام متبادل إلى جانب مصالح اقتصادية وتجارية».
وفي ما خصّ خطوة الرئيس عون تجاه سفراء الدول حيال أزمة النازحين، أشارت المصادر إلى أن «دوائر القصر الجهوري سلّمت السفراء الرسائل لنقلها الى دولهم»، وأوضحت أن «عون يدرك موقف كل سفير تجاه أزمة النازحين، لكنه هدف من وراء هذه الخطوة الى ايصال رسائل تحذيرية الى الدول الكبرى والفاعلة على الساحة الدولية وعلى الساحة السورية من مخاطر أزمة النازحين على كافة المستويات».
ونقلت المصادر مخاوف جدية وحقيقية لدى الرئيس عون ردّدها أمام السفراء من استمرار الأزمة وتفاقمها على الصعد الامنية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية بناءً على المعطيات والأرقام التي تقدّمها الوزارات ومراكز الاحصاءات عما خلفه النزوح السوري منذ 6 سنوات حتى الآن».
ولم تؤكد مصادر بعبدا أن يعمد الرئيس عون الى ارسال موفد رئاسي الى سورية لبحث الملف، لكنه يفضل ترقب تأثير الخطوة الدبلوماسية التي قام بها على صعيد الدولي، لكن المصادر لفتت الى أنه «اذا لم تتلمّس الدول المخاطر الجمة على لبنان والمنطقة والعالم جراء الأزمة وتبادر الى معالجة حقيقية ووضع خطط على هذا الصعيد، فإن لبنان لن ينتظر طويلاً وسيبادر الى اتخاذ إجراءات فردية تبدأ بفرض إجراءات قانونية على النازحين الذي يغادرون الى بلدهم ومنعهم من العودة الى لبنان»، وكشفت المصادر أن «أكثر من مئتي الف سوري يخرجون الى سورية عبر الحدود ويمكثون عدة أيام ثم يعودون، وبالتالي بإمكان هؤلاء البقاء في مناطقهم التي بمعظمها باتت آمنة».
جلسة للحكومة غداً في بعبدا
وفي سياق ذلك، يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية في بعبدا بعد ظهر غدٍ الجمعة، كما علمت «البناء على جدول أعمالها 60 بنداً تتعلّق بقبول اعتمادات مالية وبنود اقتصادية لا سيما ما يتعلّق بغلاء المعيشة وسلسلة الرتب والرواتب ومشروع قانون اعتماد 150 مليار ليرة لوزارة الداخلية لتمويل العملية الانتخابية.
ولفتت المصادر الى أن «ملف النزوح ليس مدرجاً على جدول أعمال هذه الجلسة، لكن الرئيس عون سيثير هذا الملف في كلمته وسيطلع رئيس الحكومة والوزراء على اجتماعه مع السفراء، وسيحث الحكومة على ضرورة ايجاد حل للملف على أن يطرح وزير الخارجية رؤيته والورقة التي أعدّها في جلسة مقبلة».