هكذا سقط مشروع الانفصال الكردي العراقي
العميد د. أمين محمد حطيط
عندما تأكد أنّ مشروع الاستثمار بالإرهاب الداعشي سقط ولن يبقى مجال للمتابعة فيه، شعرت أميركا، ومن خلفها «إسرائيل»، أنها بين خيارين: الأول الاعتراف بالهزيمة خاصة وأنّ المشروع الداعشي كان المشروع الثالث بعد مشروع الإخوان المسلمين ومشروع البندرية السعودية الوهابية الساقطَيْن قبل العام 2014، أما الخيار الثاني فقد كان الاتجاه الى ابتداع مشروع جديد تعوّض به هزيمتها، فكان لعب الورقة الكردية في العراق ومنه إلى سورية لتنفيذ مشروع التقسيم.
وعلى هذا الأساس وجدنا أنّ القرار بالاستفتاء حول الاستقلال الذي اتخذته قيادة كردستان العراق من جانب واحد، وخلافاً للدستور العراقي لم يكن قراراً عراقياً وطنياً شرعياً، ولم يكن قراراً كردياً خاصاً بمقدار كونه قراراً صهيوأميركياً هدف الى طعن وحدة العراق وتمزيقه مقدّمة لاعتماده نموذجاً يُحتذى في تقسيم باقي دول المنطقة، وكلّ قول تدّعيه أميركا رفضاً للاستفتاء إنما هو نفاق ورياء، لأنّ أميركا لو رفضت الاستفتاء لامتنعت كردستان العراق عن إجرائه من دون نقاش.
وهنا، وقبل التعمّق في الموضوع، فإننا لا نشكّ في أنّ للأكراد حقاً بحكم كونهم مكوناً أساسياً من مكونات المنطقة في غرب آسيا، ولكن هذه الحقوق ينبغي أن تحصل وتمارس بما لا يؤدّي الى تعطيل حقوق الآخرين وإفساد أمنهم واستقرارهم. وفي الحالة العراقية، فإننا نرى أنّ كلّ ما يطلبه أكراد العراق حصلوا عليه في الدستور العراقي الجديد، كما أنهم وضعوا اليد أو استفادوا من مواقع وتقديمات في العراق تعادل 180 في المئة من الحقوق التي يطالبون بها.
ففي الدستور العراقي حصلوا على الاعتراف بإقليم خاص بهم وأقاموا فيه حكومة تكاد تمارس كلّ ما تمارسه حكومات الدول المستقلة، ثم أنها تستفيد من خزينة الدولة العراقية المركزية بما يقارب ربع موازنة الدولة في حين أنّهم ليسوا أكثر من ثمن السكان تقريباً، وهم يأخذون من الحكومة المركزية ما يشاؤون ولا يعطونها شيئاً، مما يفرض الدستور عليهم تقديمه.
وإضافة لما تقدّم فقد استغلوا في العام 2014 غزو داعش للموصل ومحيطها فمدّوا اليد وتوسّعوا حتى سيطروا على مساحة إضافية في العراق في 3 محافظات تجاور الإقليم وتؤمّن لهم الاستفادة من دون وجه حق من نفط كركوك والمواقع الاستراتيجية في سنجار وبعض المناطق المميّزة طبيعياً في نينوى. واستخدموا الأرض المضافة من أجل ربط الإقليم بكردستان سورية، ليكون هناك إمكان او احتمال لتحريك مشروع كردستان الكبرى على حساب وحدة كلّ من العراق وسورية في مرحلة أولى، وبعدها إيران وتركيا في مرحلة ثانية.
أمام هذا الواقع وما يحتمله من مخاطر كان على دول الإقليم عامة والعراق خاصة، أن تتحرّك لدفع الخطر الصهيوأميركي المنفّذ بيد تركيا لدفعه عنها، خاصة أنها رأت في تقدير استراتيجي صحيح أنّ كلفة التحرك اليوم أقلّ بعشرات المرات من كلفته إذا تأخّر للغد. وبهذا كان القرار العراقي الوطني الذي اتخذته الحكومة العراقية بتطبيق الدستور وإعادة الإقليم الكردي الى حجمه الدستوري، واللجوء الى الحزم الميداني المستند الى أحكام الدستور من دون أيّ لبس او شبهة.
وهكذا نرى ما جرى في كركوك من استعادة لها وإعادتها الى كنف الدولة المركزية، وإخراج البشمركة الكردية منها بشكل هادئ من دون قتال، يرجع فيه بعض الفضل الى قيادات كردية محلية واعية أدّى وعيها الى حقن الدماء، والى حزم وصرامة القرار العراقي الوطني المستند الى القوة الفاعلة التي مثلها الجيش العراقي والحشد الشعبي. إنّ هذين العاملين لم ينقذا كركوك فحسب، بل أنقذا وحدة العراق وأسقطا المشروع الانفصالي الذي دفع بعض الأكراد اليه من غير وعي او بصيرة.
إنّ أهمية ما حصل في كركوك من سيطرة للحكومة المركزية على كامل المنطقة بنفطها ومؤسساتها وبنيتها التحتية وإطلاق عجلة الإدارة المرتبطة بالحكومة المركزية فيها، بما في ذلك تعيين محافظ جديد للمحافظة، إنما يشكل طعنة في قلب المشروع التقسيمي الذي أرادته «إسرائيل» برعاية أميركية، ثم كانت لاستعادة سنجار أهمية استراتيجية تتصل بسورية، حيث إنّ استعادة المنطقة الى سلطة الحكومة المركزية في بغداد من شأنه أن يقضي على التواصل بين كردستان العراق وكردستان سورية ويكبح جماح الحركة الانفصالية في سورية ويعقلن خطاب أكراد سورية، وهم يرون فشل المشروع الصهيوني الانفصالي في العراق. وهذا ما يوفر على سورية موقعة صراع مع الأكراد من أجل المحافظة على وحدة الدولة، ما من شأنه أن يعجّل في إنهاء الأزمة السورية التي باتت في أسابيعها الأخيرة.
إنّ انتصار العراق في معركة المحافظة على وحدته من بوابة كركوك وسنجار، عمل لم يستفد العراق وحده منه، بل كان في خدمة المنطقة بكاملها وخاصة سورية وتركيا وإيران. وبهذا الانتصار طويت صفحة الاستفتاء الكردي غير الدستوري، وكان محقاً رئيس وزراء العراق بقوله إنّ الاستفتاء هذا بات كأنه لم يكن، وبالتالي تستطيع المنطقة أن تقول إنّ مشروع تقسيمها تم دفنه في مهده، وبدءاً من العراق.
أستاذ جامعي وباحث استراتيجي