ميس حرب لـ«البناء»: من حق الموسيقيين السوريين إيجاد مؤسّسة ترعاهم كباقي الفنون المسرحية والسينمائية
دمشق ـ آمنة ملحم
فنّانة من الطراز السوري الرفيع، مخملية الحنجرة، عذبة الأحاسيس. تغنّي فتطرب السامعين وتأخذهم إلى عوالم روحية خاصة، بعيداً عن الصخب الدارج بلغة السوق. ففنّها مختلف، ودربها معبّد بالطرب الأصيل، وخطّها الفنّي ملتزم بالرقي لحناً وكلاماً.
ميس حرب، خرّيجة المعهد العالي للموسيقى، تخطّت المحلية ملامسةً وهج العالمية، بتأنٍّ ورصانة في خطواتها الفنية التي تخطوها بعيداً عن العَجَلة والانجراف نحو أبواب الشهرة الفارغة. وها هي تكلّلها بحفلات حبّ وتحية إلى لؤلؤة الغناء العربي السيدة فيروز، إذ ستحتضنها «دار الأوبرا» في دمشق، في السادس والعشرين من تشرين الأول الحالي، في حفل عنوانه «من قلبي سلام لفيروز».
«البناء» التقت المطربة ميس حرب. وحول الحفل ومشوارها الفنّي، كان معها حوار وكلام:
ليست المرّة الأولى التي تحْيين فيها حفلاً لأغنيات فيروز… حدّثينا عن هذه الخطوة وعن خصوصية حفل دمشق؟
ـ بالفعل، هي ليس المرّة الأولى التي أحْيي فيها حفلاً تكريميّاً للسيدة فيروز. ففي عام 2015 اختارتني وزارة الثقافة الجزائرية من بين عدّة أصوات عربية لإحياء حفل تكريميّ لفيروز في الجزائر، وبعدها شعرت بضرورة إحياء حفل مماثل في دمشق بين السوريين الأشدّ عشقاً لفيروز فهم يقدّسونها. وبالفعل قدّمت طلباً للحفل بمبادرة منّي، حظي بالموافقة من وزارة الثقافة و«دار الأوبرا».
وما الرابطة التي تجمع ميس بالسيدة فيروز؟
ـ أنا أعشق فيروز، وهي تعيش معي فنّيا. وبعد تخرّجي من المعهد العالي للموسيقى توالت تجاربي الغنائية للسيدة فيروز ولاقت استحساناً كبيراً لأنني أغنّي بخصوصيّتي بعيداً عن التقليد الذي يجعل الناس يرفضون الصوت المقلّد.
ما هو برنامج الحفل الذي تخطّطين له؟
ـ سيكون برنامجاً متنوّعاً على مدار ساعة من الزمن بتنوّع الألوان التي غنّتها السيدة فيروز. فقد غنّت الفولكلور والشعبي والجاز والكلاسيك والدور. لذا، سيجمع برنامج الحفل ما بين الشرقي لفيلمون وهبي، والكلاسيك للرحابنة، والجاز لزياد الرحباني.
خطّك الفنّي ملتزم بنمط فنّي بعيد عن نمط السوق. ما المصاعب التي تواجهك في الحفاظ على هذا الخطّ؟
ـ طريقي صعب لا يستسيغه الساعون إلى شهرة ونجومية سريعة، ولكنّني لا أفكّر بالصعوبات، بل بأنني اخترت النمط الذي أحبّه ويشبهني. وهدفي سامٍ، وأتمنى من كلّ فناني سورية أن يقدّموا فنّاً يرقى ببلدنا سورية. فكل حضارة تقدّر بفنّها ورقيها. هدفي الأوّل أن أسمو بالفنّ السوري. وخطي ملتزم بالحبّ للوطن والإنسان، فالإنسانية أهم ما في الوجود.
ولكن ألا تسعين إلى الشهرة؟
ـ أنا راضية عن خطواتي، وطموحي كبير جدّاً ولست على عَجَلة لبلوغ الشهرة. طالما هدفي واضح وطريقي سليم فلا بدّ وأن تأتي الشهرة التي أريد في وقتها، وعلى قدر ما أخطّط لها بشكل مدروس بعيد عن العشوائية. خطّي البياني في تصاعد وهذا دليل على صحة خطواتي، لتأتي الشهرة في النهاية تحصيل حاصل. وإن لم تأتِ فيكفيني أنّني أقدّم ما أؤمن به ويشبهني.
عندما تدرّسين طلابك، كيف تعكسين ثقافتك الفنّية في ما تقدّمينه لهم؟
ـ أعرّفهم في البداية إلى أشخاص كانوا الأساس في الموسيقى العربية ونهضتها، وإلى مدارسهم. من مدارس سيد درويش، ونصري شمس الدين والرحابنة وفريد الأطرش. وأركّز على تعريفهم بالأغاني القديمة التي لحّنوها وطبيعة الغناء الراقي البعيد عن الابتذال والتقليد من قبل مغنّي السوق.
– أصدرت ألبومك الغائي الأول خيطان الشمس ما الذي قدمته لك هذه الخطوة .. وماذا تعلمت منها ؟
التجربة الأولى تحمل دائماً المعرفة على أصعدة الإعلام والتخطيط و«كوفر» الألبوم وطريقة إطلاقه. من الناحية الموسيقية أنا راضية عن الألبوم ككلّ، ولكن المعرفة الواسعة بباقي الأمور خطفت الوهج للألبوم فقد أطلقناه في أواخر 2016 وكنت أنتظر توقيع العقد مع شركة «يونيفرسل» لتنشره عالمياً، ولم يتم العقد لعام 2017. فهذه الفترة الفاصلة كانت فترة ركود، وكان علينا إطلاقه من دمشق وعالمياً في الوقت ذاته. ولكن التجربة حظيت بالتعاقد مع شركة عاليمة من الصعب الوصول إليها والتعاقد معها. فأنا راضية إجمالاً وأطمح للأفضل.
ولكنّ البعض يرون أننا في عصر «السينغل» لا الألبوم؟
ـ إن إطلاق الألبوم خيار صعب بالتكلفة والإعلام، وخطوته أقوى من «السينغل» ويشكّل رصيداً أهمّ. ولكن بين ألبوم وآخر تبقى «السينغل» جيّدة كي لا تكون فترة ركود.
خضتِ تجارب عدّة في التلحين… هل تطمحين لتكوني ملحّنة يوماً ما؟
ـ لا شيء مستحيلاً، ولكن ذلك ليس فرضاً عليّ بل بحسب المزاج العام. وقد كانت لي عدّة تجارب صغيرة في الألبوم. وفي مشروع «عشق» لحّنت قصيدتين لابن الفارض ورابعة العدوية وكانتا تجربتين ناجحتين. وأحياناً أسمع كلمات أشعر بأنّني أريد أن ألحّنها بنفسي وألّا أتركها لغيري.
قدّمتِ عدّة شارات درامية… إلى أيّ مدى تساهم شارات الدراما في انتشار الفنّان؟
ـ شارات الدراما تساهم في انتشار الفنان بشكل كبير جدّاً. بالنسبة إليّ، كانت انطلاقة اسمي من شارات الدراما بدايةً مع شارة مسلسل «أيام الدراسة»، ثمّ «سوق الورق»، وتوالت التجارب وقد لاقت أغنية «ناطر» لمروان خوري ضمن مسلسل «علاقات خاصّة» شهرة كبيرة. وهذا كلّه ساهم في انتشاري لأن جمهور الدراما كبير جدّاً. ثمّ تأتي الأغاني، أما الحفلات فتتابع من أشخاص اختاروا الاسم وعرفوه جيداً.
هل تشجّعين فكرة الدخول في المسرح الغنائي… وكذلك في عالم الدراما؟
ـ للأسف لا يوجد مسرح غنائي في سورية. والمسرحية الغنائية الوحيدة قُدّمت عام 2015 «الطريق إلى الشمس»، شاركتُ فيها كمغنّية وممثّلة رئيسية وهي من أجمل التجارب. كما لا مانع لديّ من دخول عالم الدراما كمغنّية، وقد شاركت في فيلم «أطويل طريقنا أم يطول» لريمون بطرس بدور مغنّية تفتتح الفيلم وتحكي أحداثه. أنا أرحّب بالفكرة وعلى استعداد لخوضها.
ما أبرز الصعوبات والمعوقات التي تواجهكم كمغنّين سوريين… ولمن توجّهين رسالتك بضرورة دعمكم؟
ـ غياب شركات الإنتاج وإن وجدت فهمّها الأول هو الربح. لا يناسبها الخطّ الراقي الملتزم. لذا أوجّه رسالتي إلى وزارة الثقافة التي خرّجت أكاديميّين وصرفت أموالاً كبيرة عليهم. عليها أن تفكّر بإيجاد قسم مختصّ لإنتاج ألبومات غنائية لهؤلاء الأكاديميين وتروّج لها وتسوّقها. فكما أنّ هناك مؤسسات تنتج السينما والمسرح، فمن حقّ الموسيقيين أن تكون لهم مؤسّسة ترعاهم. كما يجب على الإذاعات الرسمية أن تتبنّى هذه الأغاني التي تحافظ على الذائقة السمعية، وإذاعتها بشكل مكثّف كما تتعامل مع أغاني السوق.
وهل هناك تقصير إعلامي اتجاهكم ؟
ـ هناك تقصير إعلاميّ واضح بسبب العقليات التي تدير تلك الوسائل الإعلامية، فنراهم يوجّهون لشخص ويساهمون في انتشاره بشكل كبير، بينما هناك كثيرون لا يعرفون ميس حرب أو ليندا بيطار وغيرهما من الأسماء. وكأنهم يريدون للفنان الراقي أن يتوجّه إلى غناء السوق أو أن يبقى ضمن خطوات قليلة، ولكن تلك الخطوات برأيي تبقى أهمّ من خطوات هشّة يُنسى معها الفنّان بدخول فنان جديد إلى السوق.
ما جديدك بعد الحفل؟
ـ بعد الحفل بيوم سيُطلَق ألبوم في العالم يضمّ 20 أغنية لأرقى مغنّين في العالم العربي منهم عبير نعمة، غالية بن علي، سعاج ماسي، وسيضمّ أغنيةً لي هي «جوعان وعاري وحفيان» كخطوة جديدة مع أسماء مهمة. الأغنية من كلمات كمال القنطار، ألحان فارس هلال، وتوزيع رشيد هلال. كما لديّ جولة في المحافظات، واستمرار مشروع «عشق» الذي بدأ في تونس مع موسيقيين من تونس وسورية والمغرب وإيطاليا وبريطانيا يعملون معاً على قصائد عربية قديمة تلحّن بشكل جماعيّ بنكهة عربية ـ غربية. وفي عام 2018 سيكون المشروع خارج تونس وأتمنّى أن يصل إلى سورية.