«إسرائيل» والتشويش على الحل السياسي في سورية
روزانا رمّال
الحديث المتزايد عن حل سياسي للازمة السورية في الاشهر المقبلة، يتسارع والحديث عن إيجاد حل قبل نهاية العام، حسب الأروقة الدبلوماسية هو خيار محتمل، اذا سارت الامور، كما هي عليه اليوم لجهة توافق الأميركيين والروس على سبل إيجاد مخارج واضحة ترضي حلفاء الطرفين للخروج بمشهد عام في سورية قوامه ضبط حركة الإرهاب وتمدده. ومع تسارع هذه المساعي وحديث المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا عن جدية ملحوظة تحضيراً للمؤتمرات السياسية المقبلة بين استانة وجنيف، تبدو فكرة اقفال الملفات الحدودية أكثر قلقاً بالنسبة لـ«إسرائيل» التي تدرك ان الوجود الاساسي على الحدود الجنوبية العسكرية من الجهة السورية يتمركز حول نقاط الربح والخسارة الحقيقية لجهة ضمان الأمن الحيوي للكيان الذي كان قد عمل لسنوات على إبعاد مخاطر انتشار حزب الله على الحدود الشمالية مع لبنان، مفاعيل تعافي الحزب بعد حرب تموز عام 2006، وذلك على اصعد عدة ابرزها اغتيال القيادي عماد مغنية وحسان اللقيس وسلسلة قادة في سورية وصولاً الى اللعب على وتر تسعير الاشتباك الداخلي وتزخيمه في ايار 2008. وهو الأمر الذي كان قد قادراً على ارباك الحزب داخلياً وازاحة اهتماماته عن تعظيم قدراته بالحساب «الإسرائيلي».
مسألة تعظيم هذه القدرة وتعزيزها تحدّث عنها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أكثر من مرة، والخلاصة تقول ان الحزب هو اليوم في اقوى حالاته، حسب قول نصرالله وتوضيحه امام الذين اعتبروا ان انشغال الحزب في الحرب السورية تكفل بإضعافه، خصوصاً مع خسارته قيادات فعالة جدا على الساحة العسكرية، أكان لجهة القتال مع العدو «الإسرائيلي» او لجهة هيكلية الحزب العسكرية. وبالتالي فإن هذا القلق الموجود «إسرائيلياً» من هاجس الحدود ومصيره هو قلق واقعي، لكنه قادر على اخذ الامور الى خيارات وآفاق عدة ليس آخرها التمادي في عمل عسكري ولو جاء محدوداً او مدروساً من الجهة «الإسرائيلية» من اجل فرض اوراق تفاوضية واضحة بعد ان تعثر المسعى «الإسرائيلي» مع روسيا في اخراج ايران من تلك المنطقة او ما يعادله المصالح الايرانية المتمثلة بحزب الله، علماً ان هذا الاخير لا ينوي حسب نصرالله البقاء في سورية. وهو الأمر الذي شدّد عليه نصرالله في احد خطاباته قائلاً إن حزب الله في مهمة، وسيعود الى لبنان حين تنتهي من دون التوسع نحو حسابات الدخول والخروج من سورية حسياً او فعلياً، لان وجهة النظر الأقرب الى الواقع تتحدث عن وجود قوي لحزب الله في سورية قبل الازمة السورية لجهة القيادات والتدريب والتخطيط وما اغتيال القيادي عماد مغنية الا دليل واضح على ذلك في ذلك الوقت.
الخيار «الإسرائيلي» الصعب لجهة فتح جبهة من غير المعروف إمكانية اغلاقها او ربما قدرتها على السيطرة عليها وحصرها ضمن الخطة المنشودة لاستخدامها فقط للضغط على طاولة المفاوضات هو الخيار الأدق، لكنه ليس الأبعد عن «إسرائيل» التي تبتغي استصدار قراراً أممياً يعيد ترتيب شكل المسرح الجنوبي على حدودها. وهذا الأمر ليس ممكناً من دون معركة او ما يعادلها من خيار يفرض على المجتمع التدخل في مناطق فصل الجبهات. وهنا يحضر الموقف الرسمي السوري الرافض أي عبث بالسيادة.
يقول وزير الدفاع «الإسرائيلي» المتطرف أفيغدور ليبرمان إن « حزب الله يقف وراء إطلاق الصواريخ الأخيرة تجاه الجولان» وإن «إطلاق الصواريخ الذي استهدف الجولان كان مقصوداً وبأوامر من «حسن نصر الله» والنظام لم يعلم بها، فلم تكن صواريخ طائشة».
يحاول ليبرمان الإيحاء بما هو أهم من نقطة الاعتداء او العمل العسكري بذاته، لما هو ابعد من حدود الفعل والنتيجة. فهو يقصد الاشارة الى ان حزب الله لا يخضع لأجندة حليفته سورية، بل يعمل ضمن اجندته الخاصة ويتخطى مفهوم التحالف إذا اقتضت الحاجة، وان النظام اضعف من ان يضغط على حزب الله في هذه الآونة التي صارت فيها سورية تدين للحزب بالكثير. حزب الله برأي ليبرمان لا ينسق مع سورية، بل مع ايران فقط وهو ما يبدو تحذيراً للجبهة الداخلية حول مخاطر وجود حزب الله وايران في الجنوب، اضافة الى ما يمكن ان يعتبر إيجابياً. وهو قبول ليبرمان بفكرة بقاء النظام السوري كأمر واقع مرير، لكنه اهون الشرور اليوم، فالاقتناع بخسارة الحساب «الإسرائيلي» الذي دعم وشرع وجود جبهة النصرة في الجنوب ودعم الجيش الحر وذيول المعارضة المسلحة والقناعة ببقاء الأسد اسهل من القبول بامر واقع من نوع «توسيع النفوذ الايراني» حتى الحدود الجنوبية مع «إسرائيل» ليصبح الانتشار الايراني عبر حزب الله بالمنطق «الإسرائيلي» من الحدود الشمالية والجنوبية هو الحاصل الأخير لجولات قوامها سبع سنوات من فشل المسلحين وسبع سنوات من تقدّم محور سورية روسيا وايران يلخصها حضور حزب الله الناشط.
يدخل ليبرمان على مسعى التشويش على العملية السياسية التي تطبخ على نار حامية ضمن آلية تتزامن مع تصعيد أميركي في الكونغرس وخارجه في البيت الأبيض حيث التصعيد الكبير بوجه حزب الله وإيران مع استحضار مسالة العودة عن الاتفاق النووي مع ايران من جهة، واستحضار عملية المارينز في ذكراها السنوية من جهة أخرى، وما تضمّن من كلمات لافتة من المسؤولين الأميركيين بحق حزب الله.
ولا يغير من هذا الارتباك والقلق «الإسرائيليين» وصف نتنياهو لكلام ليبرمان باللامسؤول، بل يزيد تظهيره بين خيار ربط نزاع مع حزب الله وخيار الخشية من التصعيد والانزلاق، إلى حيث لا قدرة على السيطرة.