أيّهما أشدّ تعقيداً: حرب التطبيع أم حرب الحراب؟
صابرين دياب
لا نقاش بأنها حرب متعددة المستويات على الوطن العربي، لكن من بين هذا التعدد تبرز حربان: • حرب السلاح المباشر •
وحرب التطبيع والتصدي لها مناهضة التطبيع هي الأهم، ذلك أنها تسد الفجوة الطويلة بل المديدة بين حرب وحرب، وخلال الحرب ايضا، ف “اسرائيل” بعد أن ابتلعت الأرض، ولم ولن تشيع بعد، تعمل على مدار الساعة لانتزاع تطبيع عربي معها، وتحديداً تطبيع شعبي بلا مواربة، لأنها بعد هزيمة 1967 حيَّدت العديد من الأنظمة، وبالتدريج قامت أحزاب بتحييد نفسها، ومن ثم تبعها أو مهد لها كثير من المثقفين. بكلام آخر ، صار هدف “اسرائيل” اختراق الطبقات الشعبية اي القاعدة المادية الصلبة للأمة، وهذه الطبقات اليوم على مفترق طرق خطير، فوضعها الهش إثر اختراقها من قبل قوى الدين السياسي وحتى داعش والنصرة، غدت هشة إلى حد الصمت عن الاعتراف “بإسرائيل”، او الاكتفاء بالتبرؤ واتخاذ الموقف السلبي من جرائمها عبر الانشداد امام الشاشات كما قدماء الأمم في المعابد، بينما هدفنا وواجبنا استعادة هذه الجماهير.!
من هنا، وجوب التصدي للتطبيع في تفاصيله، لا سيما وأن العدو يستخدم أقوى وأكثر الأساليب تعقيدا وحتى أكثرها هشاشة ورخصا لبث وتعميق وتنويع التطبيع. ولا أدل على هذا من تجنيد بضعة فلسطينيين وفلسطينيات ليذهبوا إلى جامعات الغرب ويمتدحوا “اسرائيل” في مسرحية رخوة وسطحية وواضحة الاصطناع. لسنا ممن يرون في هذا الهبوط الإسرائيلي أن “اسرائيل” منهارة، بل نرى انها لا تتورع عن اي اسلوب. وإذا صح زعمنا أن الصراع مع التطبيع هو في مختلف مسامات الأمة فإن مثال مسيرة نساء فلسطينيات مع صهيونيات بحجة السلام ،هي مثال فاقع على خراب الثقافة الوطنية الفلسطينية، واختراقها من قبل أمهات الجنود الذي يقتلون أطفالنا ويحرقونهم، إنه مشهد سريالي حقا، ان تبتسم فلسطينية إلى جانب صهيونية يسيل دم ابنتها من فم الصهيونية! غير معقول، بلا شك وفظيع، وأفظع منه دعوة سلطة رام الله لصالح هذه المسيرة التي لا معنى لها سوى دونية من يوافق عليها! وإذا كان من الصعب الرد على هؤلاء النسوة اللواتي كن في مسيرة على دمنا، فقد جاء الرد عروبيا حيث قامت لينا بعلبكي بنزع “علم أسرائيل” من على منصة في بلد غير عربي،، فقد ردت لينا على الكثيرين: ردت على روسيا التي احتفظت بتراث السوفييت بعد لينين في الاعتراف ب”إسرائيل”، وهي الورطة التي يجبن التخلص منها كل شيوعي اعترف بالكيان حزبا او فردا، أما في ال 48 فإن كثيرين من “راكاح” يصرون على التمسك بهذا المأزق ويزينونه ويتفاخرون به ويهاجمون بلا أدب كل من ينتقده، لكن كل شيء صار عاريا اليوم، إنه خريف تساقط اوراق الشجر غير ذي الخضرة الدائمة، فالشجر المقاوم هو ذو الخضرة الدائمة، وإذا كانت روسيا يلتسين قد استبدلت ليننغراد ب سان بطرسبورغ، فإن سوتشي لن تتمكن من استبدال المقاومة بالتطبيع، أما دعوة سليل إميل حبيبي إلى لبنان، واحتفاء مؤسسات إعلامية وفضائية ومسرحية به، ومكابرة هذه المؤسسات على ارضية من أخذته العزة بالإثم، ووقوف او انبراء كثيرين للدفاع عنه وخاصة من حزب راكاح، فيدل فيما يدل على ان راكاح لم يفهم بعد أن السطوة القديمة التي كانت له على وعي فلسطينيي 48 قد تلاشت.
وردت على النسويات ما بعد حداثيات من فلسطين واللواتي يعتبرن الوطن للرجال، وكأن الأرض المحتلة ليست للذكور الصهاينة،أو كأن تحرير الوطن هو بحسابات الملكية الخاصة! •
وردت على سلطة رام الله التي توغل في دم الوطن علانية، وكأنها تسير في مسار انتحاري بقدميها وتصر على اخذ الشعب معها في حفل انتحار جماعي لن يتورط الشعب فيه! •
وردت على المصالحة الفلسطنينة التي هي ضرورية إن خلصت النوايا ، ولكن رد لينا يكرر رسالة الانتفاضة الثالثة بان من يقاوم لا ينتظر ابدا تصالح طرف مع طرف. كما جاء الرد من المغرب، ليقول لفلسطينيي التطبيع، نحن المغاربة، على البعد ورغم البعد، نرفض المقولة الخبيثة التي تقول نقبل بما يقبل به الفلسطينيون، لأن المطبعين ليسوا كل الفلسطينيين، بل إن الصد المغربي، جاء رداً على استضافة المطبع الفلسطيني ربيب إميل حبيبي، وهنا أود الإشارة إلى أن الذين تبرعوا للدفاع عنه قد خدمونا، حيث تواصل توزيع البيان والتعقيب عليه في الوطن العربي. بقي أن أُشير إلى ان هجمة التطبيع تتزايد شراسة اليوم، كيف لا! وهي تعبير عن المواجهة المفتوجة من طهران إلى جنين بين الثورة المضادة ومعسكر المقاومة الذي يحقق الانتصارات المغموسة بالدم. مخطىء وبسيط وساذج من لا يدرك أن الثورة المضادة اليوم، تشن بالتطبيع،ومحاولة اغتيال فكرة المقاومة ومقاومة التطبيع التي تجسدت بالعملية البطولية التي نفذها نيابة عن امة العرب جمعاء، البطل القومي الكبير “حبيب الشرتوني”،في اعدامه الخائن والمطبع بشير الجميل الذي اوصلته “اسرائيل” الى رئاسة الجمهورية على ظهور دباباتها ،، كذلك فإن الثورة المضادة تشن بالحراب، هجمة اليائس القلق على عرشه الذي يتداعى، وإذا كان تاج النصر لسورية قريبا، فهي تقدمه لفلسطين من الياسمين.
كاتبة وناشطة فلسطينية