حزب «السلاح» لا يغطي الفساد
روزانا رمّال
لا يخلو الحديث عن حزب الله محلياً من روحية الانتقاد الذي يجنح نحوها أغلب الأطراف، باعتباره حزب «السلاح» أو الحزب المعروف بامتلاكه أكبر ترسانة عسكرية محلية قادرة على خوض حروب بقياسها الإقليمي وزناً وتأثيراً. وعلى هذا الأساس تصبح إمكانية استقوائه بالسلاح خياراً ممكناً في دول كمنطقتنا، حيث تسود شريعة القوي القادر على تخطي القوانين والمحاذير.
حزب الله الذي يحكي فعلاً هذا الواقع نجح في تحويل انتصاره في الجنوب اللبناني عام 2000 الى انتصار وطني. ونجح أيضاً بدخوله المعترك السياسي في الندوة البرلمانية وفي مجلس الوزراء. وهنا صار الحديث عن حزب بفرع جديد، وهو الذراع السياسية التي قدمت نموذجاً جديداً عن رؤية هذا الحزب للدولة اللبنانية وقيامها.
من حيث لا تدري بررت هذه الحناجر الصارخة في «حي السلم» حزب الله ورفعت التهمة عنه بحماية المخالفين. وهي تهم ترافق مسيرته الاجتماعية الحياتية على اعتبار أن كثراً ممكن أن يتخفّوا من العدالة يزعمون اختباءهم وراء سلطة حزب الله في الضاحية. الأمر الذي انكشف اليوم بشكله الواضح بعدما تبين أن الحزب لا يحمي تعديات او مخالفات الناس في الضاحية الجنوبية. وهو يقدر على ذلك ويقدر أيضاً على التمسك بكل ما من شأنه تعظيم حضوره انتخابياً ليبدو أنه لا يبالي كثيراً بجمهور من هذه الطبقة التي تعتمد على المصلحة المباشرة، ولو كانت طبقة فقيرة بأغلبها، حيث لا تقع اللائمة عليها، بل على الدولة التي أهملت الضاحية وغيرها من المناطق اللبنانية التي جرى كشف تقاعس الدولة وإهمالها القيام بواجبها ورمي التهم جزافاً على الأحزاب. وهذه الحجة لا تنطبق على اماكن حزب الله او حركة امل فقط، كما روّجت وسائل الإعلام لسنوات، بل على كل منطقة يطغى عليها حضور حزبي معين. «فالكل محميّ بالكل» في هذا البلد، الذي أسقط ابناؤه هيبة مؤسساته الدستورية والأمنية عن سابق تصور وتصميم، لكي تحلو ممارسة السلطة للزعامات.
تتحدّث أوساط متابعة لقضية التعديات في حي السلم لـ «البناء» وتقول مما لا شك فيه إن هناك ما لا يمكن احتسابه ضمن منطق العدالة وتطبيق القانون. فمنطق البدء بالفقراء والأحياء الشعبية مع اهمال المخالفات الكبرى التي تسود البنى التحتية اللبنانية وقطاعات سياحية وخدماتية وتعديات على الاملاك البحرية، يُضاف اليها فساد اهل السلطة لعقود ليس عادلاً ولا يخدم منطق قيام الدولة. وتضيف «لا يختلف اثنان على أن إزالة التعديات يجب أن تطبق بشكل متوازٍ على المناطق اللبنانية كافة، كما انه لا يخفى على احد المشهد القاسي الذي لا يتمناه أحد في تحطيم أرزاق الناس لإزالة تعديات قديمة، الا ان ما بات أكيداً اليوم هو أمر واحد أن «حزب الله لا يحمي التعديات ومستعدّ لبدء الإصلاح من عقر داره! ربما هذه هي الحقيقة الوحيدة المستخلَصة اليوم بغضّ النظر عن أي تحليل آخر قد يكون وارداً ويتعلق بتقليب شارع الحزب عليه وإحراجه امام جمهوره، ليضطر للدفاع عن أوضاعهم الاجتماعية والطلب من المعنيين رفع اليد عن الملف أو تأجيله».
وعلى أن الخيارات كلها واردة، يدخل حزب الله تحدياً محلياً جديداً، بكل ما للكلمة من معنى. وهو ربما المحطة الأدق في ممارسته المباشرة للسلطة وحرصه على إنجاح مسيرة العهد، كما هو واضح حتى اللحظة. وهو العهد الذي يعتبر حليفه بطبيعة الحال. وعلى هذا الأساس تحضر تساؤلات عديدة منها العلاقة بينه وبين العهد، وهامش الإصلاح الممكن اتباعه والضوء الأخضر الممنوح له من قبل الاحزاب كافة للمباشرة بالعمل من أجل تحسين الدولة ومقدراتها.
حزب «السلاح»، كما يسمّيه خصومه، القادر على حماية المرتكبين، هو قبل كل ذلك قادر على التفرد بقرارات مباشرة تعني السلطة المستفيدة من انتصارات وإنجازات دأب الحزب على تجييرها لمصلحة لبنان كله. وهو لم يفعل ذلك بل على العكس مدّ اليد من أجل شراكة وطنية يعترف بها اليوم خصمه قبل حليفه في أكثر من مناسبة. وربما تكون إفادة بعض القواتيين أي المنتمين لحزب القوات اللبنانية، وأبرزهم رئيسه سمير جعجع، بالحديث عن أنه ربما يكون حزب الله ليس معنياً بالفساد الحكومي دليلاً على هذا الواقع. واذا كان الحزب غير مستعد للمشاركة بفساد حكومي اقله على صعيد وزارته الخاصة ومحسوبياته في الادارات، فإن هذا دليل مباشر على انه ليس مستعداً لحماية المتعدين والمخالفين ولو كانو من ابناء جلدته، لأن ثقافته ترفض هذا النوع من تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
وإذا كان هناك مآخذ تحدّث عنها امين عام الحزب السيد حسن نصرالله اكثر من مرة في مناطق محرومة كالبقاع والشمال وغيرها، فإن هذا يعود لإهمال الدولة أو ضعف دورها في ملفات تتعلق بالمخدرات تحديداً، والتي تتطلّب فردَ جهد أكبر من الدولة وإيجاد حل لمزارعي الحشيشة في البقاع، وهو الانتقاد الأكثر ترويجاً بحق حزب الله، والذي بات موضة قديمة بالنسبة للمنتقدين بعد أن اقتنع القاصي والداني بضرورة إيجاد حلول مباشرة.
حزب السلاح لا يحمي المخالفين والمرتكبين، ربما تكون خلاصة مفيدة ومطلوبة في هذه الآونة.