أردوغان أوقع نفسه بفخ المنطقة العازلة
هاني قاسم
في الشمال السوري الملاصق للحدود مع تركيا، يجري العمل على إقامة المنطقة العازلة من خلال الدخول بعمق 30 كلم وعلى امتداد 900 كلم على الحدود السورية التركية، وتدعو أميركا لمساعدتها في ذلك وتشترط مشاركتها في التحالف الدولي بتبنيه للمنطقة العازلة وقد أعلنت عن ذلك في مؤتمري جدة وباريس.
هيأت تركيا الأجواء المناسبة لـ«داعش»، وسهلت له مهمة تهجير عشرات الألوف من الأكراد واحتلال قراهم 70 قرية حتى الآن وهو الآن يعمل على احتلال عين عرب كلها وهي البلدة الأساس لهم، وبذلك تكون تركيا قد عاقبت أكراد سورية لأنهم أعلنوا الإدارة الذاتية، وتخلصت من البيئة الحاضنة لحزب العمال الكردستاني بقيادة عبد الله أوجلان وقامت بإجهاض مشروع الدولة الكردية، ولكن أصبح «داعش» قوة أساسية في الشمال وله تواصل لوجستي مع المحافظات السورية في الحسكة والرقة ومع العراق، الأمر الذي يجعل القضاء عليه ليس سهلاً كما قال وزير الدفاع الأميركي السابق الذي حدد فترة زمنية بعيدة للقضاء عليه تزيد على عشر سنوات.
استطاع أردوغان بداية أن يتحكم في لعبة فرض «داعش» في المنطقة الشمالية من أجل استثمار وجوده هناك للوصول إلى أهدافه ولكي ينتزع من أميركا قراراً بالمنطقة العازلة، وحاول إقناعها بأن القصف الجوي وحده ضد داعش لا يكفي للقضاء عليه، وأنه لا بد من استراتيجية قتالية تلحظ المشاركة البرية في قتاله وأن تركيا على استعداد لخوض غمار الحرب البرية في سورية ضد «داعش» بعد قرار البرلمان التركي بالإجازة للجيش بالتدخل العسكري في سورية لأنه لا نية عند أميركا وحلفائها الغربيين بالدخول العسكري المباشر إلى سورية أو العراق في الوقت الحاضر من أجل القضاء على داعش، وأن أمر القضاء عليه يجب أن يكون من خلال الجيوش العربية والمجموعات المعارضة والمعتدلة وهذا أمر متوافر في العراق، بينما واقع الأمور في سورية يختلف عنه في العراق، ولأن أميركا لا تريد أن تتعاون مع النظام في سورية للقضاء على «داعش» وأقرانه، وهو أمر يفترض حاجة أميركا إلى مشاركة الجيش التركي في مواجهتها لـ«داعش» في المناطق السورية، وهذا هو تقدير أردوغان للحاجة الأميركية ومحاولته استغلالها لفرض المنطقة العازلة، نظراً لأهميتها في تشكيل الحديقة الخلفية للمعارضة السورية والتي ستساعدها على تحقيق تقدم نوعي ضد النظام السوري.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تستطيع تركيا أن تفرض هذه المنطقة العازلة؟ وهل تستطيع وحدها تغطية هذه المنطقة بالكامل؟ أم أنها ستكتفي بوضع مجموعة من النقاط العسكرية في أماكن متعددة ضمن الجغرافيا الواسعة، حيث لا تفي بالغرض الذي أرادته من خلال المنطقة العازلة؟ وهل ستقبل أميركا بهذه المنطقة؟ وإذا ما وافقت عليها، فهل ستقوم بالتغطية الجوية لها؟
إن موافقة أميركا على هذا الطرح يعني أنها سوف تورط نفسها في أزمة جديدة على المستوى الدولي، لأنها تكون بذلك قد تجاوزت الخطوط الحمراء المتفق عليها في سورية، وقد تفتح الباب لحرب جديدة تقودها كل من روسيا والصين وإيران، ولا ندري إلى أين ستصل الأمور. وقد حذرت إيران عبر مساعد وزير خارجيتها عبد اللهيان التحالف من ردود قوية وتبعات قاسية، ستتلقاها أميركا و«إسرائيل» بشكل خاص في حال انحراف التحالف وارتكابه خطأً استراتيجياً، وكذلك روسيا التي اعتبرت أن إقامة منطقة عازلة يجب أن يكون بناء على قرار من مجلس الأمن وقد حذرت من خطوة منفردة كهذه.
ولكن الرفض الأميركي كان واضحاً عبر وزير خارجيته كيري الذي قال إن عين عرب قد تسقط بيد «داعش» حيث من السابق لأوانه اعتبار ذلك خسارة استراتيجية وعلينا أن نكون مستعدين لسقوط مناطق أخرى بيد «داعش». ولكن هل ستبقى أميركا على موقفها الرافض للمنطقة العازلة أم أنها ستقبل بها كما عبر عنها كيري بأنها فكرة جديرة للدراسة ولكنها ليست موضع دراسة الآن ، إذا ما استجدت بعض الظروف التي قد تملي عليها قبول ما رفضته بداية؟
ما زالت تركيا في بداية اللعبة ولم يتحقق مرادها، بل أوقعت نفسها في شرك المحذور الدولي بالتأسيس لعداوة مع كل من إيران التي ترتبط معها بمصالح استراتيجية ومع روسيا كذلك، وأدخلت إلى ساحتها الداخلية صراعاً كبيراً مع الأكراد والمعارضات العلمانية وتحولت المدن الرئيسية في ديار بكر واسطنبول إلى ساحات مواجهة حقيقية سقط فيها عدد من الشهداء والجرحى، وأدخلت الحكومة التركية نفسها في نفق الحرب العرقية التي يصعب التحكم بمسارها وبالنتائج التي قد تصل إليها، ولا يغيب عن بالنا أخيراً وليس آخراً ما قد يحل بتركيا التي رعت «داعش» واحتضنته، فهل سيبقى وفياً لها ويلتزم بأوامرها؟ أم سينقلب عليها كما انقلب الكثير من التكفيريين على من حضنوهم ورعوهم، وينقلب السحر الداعشي على ساحره الرئيس أردوغان؟
أين تركيا أردوغان الذي كان يتباهى بصفر مشاكل مع المحيط والمنطقة، فهل لا تزال كذلك؟ أم أن مشاكلها تحتاج إلى من يحسب لها تزايدها بشكل كبير؟
إنها الحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها، إنها السلطة والنفوذ وحب السيطرة، التي أدخلت تركيا في مشاكل إقليمية وداخلية، وكان بإمكانها أن تبقى بعيدة عنها، فهل لحزب العدالة والتنمية صاحب السلطة في تركيا والذي يرسم سياستها الخارجية أن يستفيق من غفلته ويعيد النظر في حساباته؟ إنها مسؤولية تاريخية فهل هو مستعد أن يتحملها؟