حملة مكثفة وغير مسبوقة على حزب الله
روزانا رمّال
صارت الحملة الإقليمية والدولية ملحوظة بشكل واسع في الأروقة السياسية الدولية والدبلوماسية المحلية، بما يؤشر إلى إعلان مرحلة جديدة من التعامل الدولي مع وجوده كحيثية وكخيار كان قد تعاطى معه اللبنانيون كفصيل سياسي من أصل النسيج اللبناني، وتأقلم مع هذا الخيار أغلب اللاعبين الدوليين، خصوصاً الأوروبيين الذين كانت لهم لقاءات كثيرة مع مسؤولين في حزب الله على اساس أن الذراع السياسي فيه هو واحد من اصل الجهات السياسية أو الكتل الحزبية العاملة على مستوى الساحة اللبنانية لتصبح اليوم مسألة تصنيف حزب الله بذراعه السياسي اولوية عند بعض الجهات الدولية التي تجد في ذلك حلاً رادعاً لخيارات حزب الله الإقليمية قبل المحلية. فالصيغة المحلية اللبنانية ووصول العماد ميشال عون لسدّة الرئاسة من دون القدرة على تمرير اعتراض عربي أو إقليمي يؤكد قناعة أو خضوع لفكرة استحالة تخطي حضور حزب الله ونفوذه في الساحة اللبنانية، فصارت مسألة التأقلم أكثر ما يمكن العمل فيه عكس الواقع الإقليمي الذي فرضه حزب الله، أكان بدوره العسكري المباشر في كل من سورية والعراق، وما تشير إليه المعلومات من عناصر تدرّب الجهات الشعبية المقاتلة في اليمن «الحوثيين» أم الى كونه نموذجاً صار يشكل خطراً لجهة حذو حذوه في باقي الدول المجاورة.
وقد حصل هذا الأمر فعلاً في نموذج الحشد الشعبي العراقي كمجموعة مسلحة تقاتل الإرهاب. وفي اليمن أيضاً. وهو ما يفسر كلام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يبدو منفراً لجهة الحديث عن اطالة عمر حرب لا يجب أن تستمر مهما كلفت الظروف لأسباب انسانية حقوقية بأقل تقدير قبل أي شيء.
يقول ولي العهد السعودي لـ «رويترز» إن حرب اليمن ستستمر لمنع تحوّل «الحوثيين» لحزب الله آخر على حدود المملكة. سوف نستمر حتى نتأكد من أنه لن يظهر هناك شيء مثل حزب الله جديد، لأن اليمن أشدّ خطراً من لبنان.
يوضح بن سلمان أن موقع اليمن الجغرافي في غاية الأهمية، لأنه مطلّ على مضيق باب المندب، و«إذا حدث شيء هناك، سيؤدي إلى توقف 10 في المئة من التجارة العالمية»، و«هذه هي الأزمة».
يقر بن سلمان بخطر الحوثيين وفشل المملكة حتى اللحظة بإسكات او إخفات قدراتهم، لكنه من جهة أخرى أخفق في التشبيه الذي يدين السعودية لجهة إيحائها بتشابه ما بين واقعها وواقع «اسرائيل» الحدودي. فحزب الله ووجوده الحدودي أولاً وأخيراً هو خطر على «اسرائيل» أكان من جهة جنوب لبنان او الجنوب السوري، إذا تمّ التسليم جدلاً بوجوده الفاعل حسب المعطيات «الاسرائيلية»، وبالتالي كان من المفترض عدم تصوير أزمة الحدود مع الحوثيين أحد اوجه الشبه مع حزب الله. وهو الامر الذي ربما بات يستخدم لدى المسؤولين السعوديين كذريعة لتبرير الهجوم الممنهج عليه.
يظهر اليوم أن الوزير السعودي تامر السبهان لا ينطق عن فراغ، وأن تصريحاته التي كانت تخضّ الشارع اللبناني بخصوص حزب الله، والتي لا تزال مستمرة، هي واحدة من اصل الخيارات المدفوعة والمحضرة لاستهداف حزب الله. والأهم أنه موقف المملكة الرسمي الذي لا يزال يشكل ازدواجية لجهة التصريحات من جهة، ولجهة دعم حكومة الرئيس سعد الحريري المنبثقة عن تفاهم عريض مع حزب الله، ليصبح السؤال عما اذا كانت المملكة تعيش تخبطاً جدّياً تجاه الحريري أم أنها باتت تفصل دور حزب الله وامتداده عن دوره المحلي؟
الحملة المكثفة على حزب الله تترجمها المملكة العربية السعودية بتصريحات مسؤوليها، وآخرهم السبهان في تصريح له على احد مواقع التواصل الاجتماعي بدعوته الى «لجم حزب الله»، معتبراً أنه «تجب معاقبة من يعمل ويتعاون معه سياسياً واقتصادياً وإعلامياً كاشفاً أن العمل الجاد على تقليمه داخلياً وخارجياً ومواجهته بالقوة، أما أميركياً فقد دعا رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في الكونغرس الأميركي إلى تمرير مشروع قانون يحض الأوروبيين على تصنيف « حزب الله « كمنظمة إرهابية.
السؤال عن الحملة المكثفة هذه، يشي أن الحزب صار الهم الأول عند الدول التي شاركت بحروب المنطقة وأيقنت على ما يبدو أن حزب الله هو السبب بإفشال او لعب دوراً فعالاً في إسقاط المخططات. وهو اليد اليمنى لإيران، حسب توصيف الأميركيين، وبالتالي فإن رسالة الحرب هذه تنتهي بعقوبة حزب الله بإجماع دولي وإقليمي يبدو حتى اللحظة هذه إعلامياً أكثر منه واضح المعالم كإجراءات مباشرة قادرة فعلاً على التأثير ببنية حزب الله بغض النظر عن إمكانية تضرر مَن يتحالف أو يتعاطى معه محلياً. تكشف مصادر رفيعة المستوى لـ «البناء» أن «قوى الرابع عشر من آذار أو البعض من كوادرها الرئيسيين سابقاً والأكثر خصوصية عند الأميركيين كانوا على علم مسبق، بل وتأكيد من مصادر أميركية بأن العقوبات على حزب الله ومن يتعاطى معه اعلامياً وسياسياً واقتصادياً آتية هذه المرة لا محالة، وهي شكل العقوبات الأوسع إطاراً. وهم كانوا قد عقدوا اجتماعات للتداول بالوعد الأميركي الجديد. وها هو اليوم الكونغرس والمسؤولون الأميركيون، وقد استبقهم السبهان، يترجمون هذه النيات».
هي حملة غير مسبوقة على حزب الله تبتغي في ما تبتغي إزاحة العين عن الفشل في سورية والمنطقة، في الوقت الذي تتجه فيه الحرب نحو التسوية السياسية فيصبح خبر معاقبة حزب الله خبراً أول ينثر بعض الغبار على هذا الفشل الذريع لأكثر من 7 سنوات.