عون «يعرّي» الإعلام في حوار القصر ويتمسّك بالثوابت
روزانا رمّال
على الرغم من أن المشهد لم يكن موفقاً بأكمله أمس، في لمّة الإعلام المحلي في القصر الجمهوري سوى لجهة نية عزم الرئيس ميشال عون مكاشفة اللبنانيين بفتح الباب أمام أسئلة تتعلّق بـ «السنة الرئاسية» التي أمضاها في قصر بعبدا من أصل عمر ولايته المتبقية، فإن ما سُجّل لعون كبير.
وعلى الرغم من المحطات السياسية الوافرة والقضايا المقلقة على حد سواء، والتي يمكن طرحها على الرئيس عون، فإن الرئيس اللبناني نجح أمام تحدّ إعلامي يترجم واقعاً أليماً انعكس في بعض الأسئلة وأسلوب مخاطبة الرئيس «التهكّمي» خروجاً كاملاً عن البروتوكول في مخاطبة الرؤساء، فحتى في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا وتحديداً فرنسا من غير المسموح مقاطعة رئيس الجمهورية او اتهامه بدلاً من مسائلته. وهذا لا يتنافى مع حرية التعبير او إمكانية طرح الأسئلة المقصودة، لكن هذا كله صار «صورياً» أمام ما نقله الإعلاميون على طاولة بعبدا فقد حملوا معهم «انقسامات» مؤسساتهم الإعلامية بمختلف انتماءاتها وصارت أغلب الاسئلة موزعة على شكل أسئلة «حزبية» او «اصطفافات» لجهات وأطراف ضاع على أثرها معنى الحدث الرئاسي ومعنى محاورة رئيس أراد مقتنعاً «مكاشفة» اللبنانيين، بما هو أهم ليتحوّل الحديث معه محطة محاكمة بدلاً من التساؤل عن المستقبل او الاشادة بما هو إيجابي، في ما لو وجد في معرض وصف الانتقال من محطة إلى أخرى بعد الفراغ الرئاسي، وبالحد الأدنى سلسلة «الوفاق» التي ارخت بعض الاستقرار في الشارع او التساؤل عن كيفية النجاح بذلك، او عن بعض اسرار المرحلة الصعبة، ليصبح مشهد محاكمة الرئيس عن أكثر من ثلاثين سنة مسؤولية عون وحده.
لكن اللافت أن عون كان مبهراً في تمكّنه من تخطي كل هذا اللغط الذي شاب بداية الحوار بين عدد من الصحافيين حتى اضطر لتصحيح مسار الحوار أكثر من مرة، خصوصاً في اللحظات التي أصرّ البعض أخذ الحوار نحو وضع الرئيس محاصراً بين لبنانيته أو اصطفافه الى جانب محور آخر ينتمي اليه حزب الله. فكانت براعة الانتقال من السؤال إلى التأكيد على ما كان وما سيكون عليه عون «أنا في لبنان».
ربما لم يعرف لبنان منذ زمن طويل، وقد لا يعرف رئيساً لا يتنمّق لدى الحديث عن الجهات الخارجية والدولية، فهو لا يرتجف صوته عند الحديث عن الأميركي او الروسي او الإيراني ولا يبالي كثيراً بموقف عربي موحّد، إذا كان خارج حدود الثوابت التي تحترم خصوصية لبنان كدولة مستقلة.
شجاعة غير مسبوقة في توضيح مسألة الدور الإيراني من منطلق القناعة بقوة هذا الدور وشجاعة غير مسبوقة أيضاً برفضه الكلام الذي صدر عن الرئيس روحاني لو سلّم جدلاً بعدم اللغط حول الترجمة في إعلانه أنه لا يرضى بذلك.
شجاعة عون في التمسّك بما هو أهم للساحة المحلية جعلته يؤكد على ثابتة التزاماته، خصوصاً لدى محاولة بعض الإعلام وضعه في خانة الرئيس غير الحيادي في مسألة السلاح ليصبح الدفاع المنطقي ضمن أطر المؤسسات أفضل توضيح لوجود السلاح، مبرراً ذلك بضرورة الالتفات الى ان هناك حدوداً لحفظ الاستقرار الداخلي في لبنان الملتزم بقرار 1701 ومعه حزب الله، وأن هناك بنداً ثانياً يحفظه عون ألا وهو التفاهم بين تياره وحزب الله الذي يبرر منطلق تقبّله لهذا السلاح من دون أن يضطر للمجاملة بل للتمسك بضرورة عدم نكث الالتزامات وصولاً إلى تذكير اللبنانيين ببيان مجلس الوزراء الذي حدّد وضع سلاح حزب الله، وبالتالي فإن اللائمة لا تقع على الرئيس، فلمَ إلصاق أو إقران مسألة السلاح بعون وضمن أي منطلق؟
ربما يكون الجزء الأهم من الجواب الذي ينتظره جزء من الشارع المحلي وبعض الأطراف الدولية هو فعلاً موقف عون من سلاح حزب الله مع تصاعد الحملة الأميركية والسعودية القاسية على الحزب، لكن تعليله في هذه الأجواء يشكل مفصلاً أساسياً بعد مرور سنة على انتخابه شريكاً مباشراً لحزب الله في السلطة معطياً أولوية في تفسيره عن جدوى السلاح لحل مشاكل الشرق الأوسط التي انعكست على لبنان، حسب تعبيره، والتي اعطت نوعاً من فسحة التدخل للحزب في القصير والهرمل. والمشكلة الأبعد لوجود السلاح هي الأراضي اللبنانية المحتلة ومسائل عالقة لم تحل بعد مثل الوجود الفلسطيني وجزء منه وجود مسلح. كلها خطوات تحتاج للحل الخارجي بين القوى العربية المحيطة بـ»إسرائيل».
في النهاية يقول عون في هذا الإطار تحل إشكالية السلاح بعد ان يتم تقديم حل لمشاكل الشرق الاوسط والمقصود «إسرائيل».
نجح عون في شرح أو تفسير معنى التوافق الداخلي بظل انقسام الأفرقاء كل مع حليفه الخارجي بشكل عمودي، واضعاً هذا الانقسام في خانة الانقسام «الفكري» والذي لن يصل حد اشتباك. تطمين ربما يحتاجه اللبنانيون في مثل هذه الظروف، حيث الترقب يسود المشهد أكان لجهة القلق من التشنج الانتخابي او لجهة التحريض الآتي من الخارج.
لم نقطع العلاقات مع سورية ولا تزال موجودة بواسطة السفراء بين الدولتين تأكيد جديد من عون على ضرورة الانفتاح من أجل تسوية أوضاع النازحين. وهو الملف الاول الذي يتصدر اهتماماته بعد عهد اكتظ بإنجازات تحتاج لأكثر من سنة، كما قال أحد النشطاء في سؤال موجّه للرئيس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أنصفته الناس أكثر من بعض الإعلام اللبناني مع الاحترام لجزء من الحاضرين الملتزمين.
في نهاية سنة مصيرية من عمر المنطقة واستحقاقاتها الخطرة «إنصاف عهد عون في سنته الأولى واجب».