جيشنا البطل يخوض المعركة منفرداً!

د. محمد سيد أحمد

واهمٌ من يعتقد أنّ مصر تعيش في حالة سلم وأنها بعيدة عما يحدث من حرب طاحنة في سورية وليبيا والعراق واليمن، فما يحدث داخل عالمنا العربي هو حرب شاملة خطّط لها العدو الأميركي بدقة ومهارة فائقة ومنذ زمن طويل تحت ما عُرف إعلامياً بمشروع «الشرق الأوسط الجديد» أو «الكبير»، والذي يستهدف إعادة تقسيم وتفتيت المنطقة العربية بما يحقق مصالح الولايات المتحدة الأميركية والقوى الاستعمارية الجديدة التي لم تحضر عملية التقسيم الأولى التي قامت بها إنكلترا وفرنسا في مطلع القرن العشرين.

وبالطبع المخطط التقسيمي الجديد لا بدّ أن يراعي مصالح الحليف الصهيوني، بحيث تكون أكبر دولة عربية في حجم دولة العدو الصهيوني، وبالطبع يكون أضعف منها وبذلك يشعر بالأمن والأمان المفقود في ظلّ وجود دول عربية كبيرة لها جيوش معتبرة، يمكنها تهديدها وخوض حروب معها في أي وقت، خاصة مصر وسورية، فالواقع يقول إنهما الأقرب لتهديد دولة العدو في ظلّ وجود حدود جغرافية مشتركة. وبعد إنجاز هذه الخطوة تستطيع في مرحلة لاحقة تحقيق أهدافها التوسعية، لإنجاز حلمها وهمها المزعوم بما تسمّيه «إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات».

وإذا كانت «كامب ديفيد» جزءاً من الأهداف المرحلية لمشروع التقسيم والتفتيت، بحيث يتمّ عزل مصر مرحلياً عن محيطها العربي والإقليمي، وإقناعها بأنّ حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 هي آخر الحروب مع العدو الصهيوني، وبذلك يتخلّى الجيش المصري عن عقيدته القتالية ويركن الى هذا الوهم، وبالتالي تضعف قدراته وإمكاناته وتسليحه بشكل كبير، إلا أنّ الجيش المصري لم يُخدع يوماً بهذا الوهم، لذلك كان طوال الوقت في كامل جاهزيته ليخوض أي حرب منتظرة، ويردّ أي اعتداء على أراضيه.

وكان الجيش وما زال رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة والديون التي تكبّل مصر، والتي صنعت بفعل فاعل أيضاً وكجزء من مشروع التقسيم والتفتيت نفسه، حين أقنعوا مصر أن تتخلى عن مشروعها التنموي المستقلّ لصالح التبعية والانفتاح الاقتصادي الذي جعل أغلب المصريين يعيشون تحت خط الفقر وفي حزامه، ورغم ذلك يتمّ تسليح الجيش بأحدث الأسلحة والتقنيات التي تجعله قادراً على خوض الحرب في أي وقت، وبالطبع ما ينطبق على جيشنا الثاني والثالث في مصر ينطبق على جيشنا الأول في سورية التي لم تفلح معها كلّ مخططات المشروع التقسيمي والتفتيتي على مدار ما يقرب من أربعة عقود، فكلّ محاولات إدخالها في عمليات السلام المزعوم فشلت وكذلك محاولات إدخالها في دائرة التبعية.

وعندما انطلقت شرارة الربيع العبري في الأقطار العربية كلها، وعندما تساقطت الأوراق الحاكمة وبدأت تتفكك، كان الرهان هو وصول عمليات التفكيك والانهيار للجيوش العربية خاصة جيشنا الأول في سورية وجيشينا الثاني والثالث في مصر، باعتبارهما جزءاً من المشروع القديم، فكلمات بن غوريون مؤسّس الكيان الصهيوني ما زالت حاضرة في ذهن وعقل كلّ عربي شريف والتي تقول: «إنّ إسرائيل لا تستطيع أن تعيش وتحيا آمنة إلا بالقضاء على ثلاثة جيوش عربية هي الجيش المصري والجيش العراقي والجيش السوري»، لكن ما حدث فاق توقعات العدو الأميركي الصهيوني كلها، فقد كان جيشنا الأول والثاني والثالث على قدر المسؤولية في التصدي للجماعات التكفيرية الإرهابية التي تعمل بالوكالة على الأرض العربية نيابة عن الأصيل في هذه المعركة وهو أميركا و»إسرائيل».

وفي الوقت الذي برز فيه دور جيشنا الأول في التصدي لوكلاء المشروع التقسيمي والتفتيتي وإلحاق الهزائم المتتالية بهم، والتي أبهرت العالم أجمع، وجعلت البعض يقول إنها ستُدرّس في الأكاديميات العسكرية في العالم، حيث ابتكر الجيش السوري آليات جديدة في تعامل الجيوش النظامية مع حروب الشوارع والعصابات، فإنّ دور جيشينا الثاني والثالث في مصر يبدو غير ظاهر للرأي العام على الرغم من أنه بالفعل يخوض حرباً حقيقية لا تقلّ بأي حال من الأحوال عن الحرب التي يقودها جيشنا الأول في سورية. الفرق الوحيد يتمثل في الثقل النسبي للمعركة، فالحشود الإرهابية على الجبهة السورية كانت أكبر أملاً في إنهاء المعركة بسرعة ثمّ التفرّغ للجائزة الكبرى وهي مصر.

وعلى الرغم من ذلك تمكّن الجيش المصري من حسم العديد من المواجهات مع الجماعات التكفيرية الإرهابية المتسلّلة من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى سيناء. وهي الحرب التي استمرّت لسنوات خاضها جيشنا البطل من دون أن يشعر المواطن المصري بأننا في حالة حرب، وفي الوقت نفسه كان الجيش على وعي تامّ بالحشود الإرهابية المتأهّبة للعبور عبر الأراضي الليبية في الغرب والأراضي السودانية في الجنوب، ومن وقت إلى آخر يوجّه لها ضربات استباقية لمنعها من الاقتراب والتسلّل والعبور.

وإذا كان المواطن المصري لا يشعر بأننا نخوض حرباً، فهذا يُحسب لجيشنا لا عليه، وعلى هذا المواطن أن يفهم ويدرك ويعي أنّ الأصوات الخائنة والعميلة التي تحاول أن توجّه سهامها المسمومة لجيشنا البطل هي جزء من المؤامرة، كما أنّ رجال أعمال نظام مبارك الفاسدين الذين نهبوا وسرقوا وما زالوا ثروات الوطن، ويعملون على تعميق الأزمات الاقتصادية للفقراء والكادحين والمهمّشين هم أيضاً جزء من المؤامرة، ويعملون بالوكالة لدى المشروع الأميركي ـ الصهيوني، وجيشنا البطل هو الذي يخوض المعركة منفرداً، اللهمّ بلغت اللهمّ فاشهد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى