«فورين بوليسي»: ماذا تفعل القوّات الأميركية على حدود مالي والنيجر؟

في تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» السياسية الأميركية، تناول الكاتب أندرو ليبوفيتش قضية التواجد الأميركي المكثّف في أفريقيا، تحديداً على الشريط الحدود بين مالي والنيجر، على خلفية هجوم وقع حديثاً في النيجر مطلع هذا الشهر، كما يناقش بداية ذلك التواجد العسكري وأسبابه، إذ تعود جذوره إلى ما بعد فترة الحادي عشر من أيلول 2001.

بعد مقتل أربعة جنود أميركيين، وما لا يقلّ عن أربعة من القوّات التابعة للنيجر، والمعاونة للقوات الأميركية، في كمين نُصِب لهم في دولة النيجر مطلع هذا الشهر، اعترف السيناتور ليندسي غراهام، عضو مجلس الشيوخ الأميركي، أنه لم يكن على علم بأنه لدى الولايات المتحدة قوات يبلغ تعدادها 800 جندي في هذه المنطقة. ومع ذلك، أكّد غراهام أن تلك القوات كانت هناك للدفاع عن الولايات المتحدة، وأنهم هناك لمساعدة حلفائها، ولمنع تكرار أيّ هجمات.

بحسب التقرير، كان ذلك هو المبرّر ذاته الذي سمعه الأميركيون عن سبب انتشار قوات أميركية في قائمة طويلة من الدول مع الكثير من المهام الملقاة عليها. بالتأكيد، فالسبب الرئيس لتواجد القوات في النيجر هو لدعم حلفائها هناك، وهو الشيء الذي تفعله الولايات المتحدة بقوة في أفريقيا عقب أحداث الحادي عشر من أيلول، في محاولة للتركيز على نقل جزء من أنشطة مكافحة الإرهاب إلى القارة السمراء.

يضيف الكاتب أنه من الممكن أن نرى قريباً هجمات بطائرات بدون طيار في النيجر، والمزيد من النشاط العسكري، إلاّ أن المبدأ نفسه مُضللاً، ويقصد بذلك فكرة نقل محاربة الإرهاب إلى أماكن أخرى من العالم، بدلاً عن أن تحدث على الأراضي الأميركية.

تشير «فورين بوليسي» إلى أن بداية دخول أميركا إلى تلك المنطقة تعود بالأساس إلى بداية الألفية الجديدة، وتحديداً عندما بدأت تدريب وتسليح ومساعدة الجيوش في عشرات الدول الأفريقية، والتي لم يكن لها أيّ علاقة بالهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة، إلا أن الهدف كان وقائياً بالأساس إذ تؤمن الولايات المتحدة أن الدول الضعيفة ذات الأنظمة الفاشلة تصبح في النهاية ملاذاً للإرهابيين، وهو ما يُعدّ حقيقياً بالنسبة لمنطقة الساحل الأفريقي، وهو منطقة صحراوية قاحلة، إذ شهدت تزايداً في النشاط الجهادي خلال تلك الفترة. ومع ذلك، وعلى الرغم من التهديد الحقيقي الذي تمثله إقليمياً ودولياً على دول شمال وغرب أفريقيا، إلا أنها تظل بعيدة تماماً عن تشكيل أيّ خطورة على أميركا.

في المناطق التي نشطت فيها هذه المجموعات، مثل المجموعة الجهادية التي أصبحت فيما بعد فرع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب عام 2007، كان قيامها بالأساس هو نتيجة للحكم السيء في هذه البلدان والتوترات الطائفية، أكثر من كونه سبباً ايديولوجياً. بشكل عام، لدى تلك المجموعات أجندات محلية وإقليمية، إضافةٍ إلى استهداف مصالح الغرب في المنطقة، إلاّ أن طموحاتها نادراً ما تجاوزت حدود أفريقيا.

ومع ذلك، استخدِم وجود تلك المجموعات وتهديدهم للاستقرار الإقليمي كمبرّر للتواجد العسكري الأميركي المتزايد في أفريقيا، بما في ذلك النيجر، والتي تعمل الولايات المتحدة على تدريب وتسليح جيشها منذ عام 2002. تمددت أعمال أميركا بشكل كبير في النيجر بعد عامي 2011 و2012، حين دقّ التواجد الإرهابي في شمال مالي ناقوس الخطر لدى الولايات المتحدة وأوروبا، ودفعهم لتكثيف جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة.

لماذا النيجر؟

الموقع الجغرافي للنيجر، ومشاركتها للحدود مع مالي والجزائر وليبيا ونيجيريا، بالإضافة إلى قدرة جيشها نسبياً واستعداده للعمل مع الغرب، كل هذه العوامل كانت سبباً في جعل البلاد شريكاً أساسياً للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب.

منذ عام 2013 على الأقل، تجري الولايات المتحدة تدريبات عسكرية في بلدة أوالام بالنيجر، وهي المنطقة ذاتها التي شهدت الهجوم الأخير في الرابع من تشرين الأول الماضي، كما تسعى الولايات المتحدة لتوسيع وتجديد قاعدتها الجوية في أغاديس بتكلفة تصل إلى مئة مليون دولار، ومن المتوقع أن تشمل وجود طائرات بدون طيار. لدى أميركا تواجد أيضاً في مواقع أخرى أكثر تقدّماً أيضاً، وهو التواجد الذي أثار احتجاجات من العامة ومنظمات المجتمع المدني.

بحسب التقرير، امتد التواجد العسكري في الوقت نفسه بالتزامن مع الوضع الأمني المتردي على طول الحدود بين النيجر ومالي، ما يزيد من احتمالية وقوع المزيد من الأحداث كتلك التي حدثت مطلع هذا الشهر عاجلاً أم آجلاً. منذ شباط 2016، رصدت الأمم المتحدة مقتل ما لا يقلّ عن سنة وأربعين شخصاً على يد مجموعات مسلّحة في المنطقة الحدودية بالقرب من موقع الهجوم الأخير، كما رصدت وقوع هجمات متعددة، وعمليات اغتيال، وحوادث أخرى داخل الحدود المالية ضمن الفترة ذاتها. وأعلنت النيجر وضع تلك المناطق تحت حالة الطوارئ في آذار الماضي، بعد مقتل ما لا يقلّ عن خمس عشرة من جنودها في هجوم بالقرب من أوالام.

كانت هذه خلفية هجوم الرابع من تشرين الأول، على الرغم من أن التفاصيل حول الهجوم ما زالت غير معروفة بالكامل، إلاّ أنّ ما نعرفه على وجه اليقين هو أن مجموعة صغيرة من الجنود الأميركيين تابعة للمجموعة الثالثة من القوات الخاصة الأميركية كانت تتواجد في المنطقة بهدف التعاون مع القوات النيجرية شمال نيامي.

بيانات غير دقيقة

بحسب وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، اعتبر المخطّطون العسكريون أن احتمالية وقوع هجوم في تلك المنطقة غير وارد، لكن ما حدث هو أن القوات استُدرِجت نحو كمين مدمّر، حيث اضطروا لمواجهة نيران شديدة، قبل أن يصل دعم من قوة عسكرية فرنسية تضمن دعماً جوياً وقوات من النخبة مدربة خصيصاً لهذا النوع من المهمات، بحسب ما ذكرته مصادر مقربة من قوات الجيش الفرنسي بالمنطقة.

يقول الكاتب: إن تزايد أعمال العنف على جانبَي الحدود النيجرية المالية يدفعنا للتساؤل عن سبب تصنيف البنتاجون والقادة العسكريين للعمليات العسكرية في هذه المنطقة قليلة الخطورة، كما يدفعنا أيضاً للنظر بصورة أكثر عمقاً على السياق المحلي الذي تسبّب في تزايد قوة المجموعات المسلّحة، وسمح لهم بمواصلة العمل، وتوسيع تواجدهم على الأرض.

إذاً ما هي المجموعات التي من المحتمل تورطها في هذا الهجوم؟ على الرغم من أن غالبية المصدر العسكرية النيجرية والأميركية نسبت الهجوم لمقاتلين «العدنان أبو وليد الصحراوي» الذي يقود «داعش» في الصحراء الكبرى، إلاّ أنه ليس ثمة مجموعة أعلنت مسئوليتها عن الهجوم حتى الآن، كما أن مصادر الدولة الإسلامية ناقشت الأمر بحذر ملحوظ. وكان أبو وليد الصحراوي قد شكّل مجموعته الجهادية في أيار 2015 بعد انشقاقها عن مجموعة مسلّحة أخرى، وأعلن ولائه لـ«داعش»، إلاّ أنه لم يُقبل رسمياً من التنظيم حتى في نهاية عام 2016.

ولم تُعلن المجموعة مسؤوليتها سوى عن حادث واحد بشكل رسمي في النيجر، في سجن شديد التأمين بالقرب من العاصمة نيامي، تحديداً في تشرين الأول 2016. هناك مجموعة أخرى أيضاً لا يمكن استبعاد تورطّها في الهجوم الأخير، وهي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والتي شُكِلت مؤخراً في منطقة الساحل، وتحمل اسم «جماعة دعم الإسلام والمسلمين»، والتي سبق وأعلنت مسؤوليتها عن هجوم بمنطقة تاهوا بالنيجر في تموز، إضافةً إلى عدد من الهجمات مؤخراً في مالي، بالقرب من الحدود مع النيجر.

الإصلاح الداخلي هو الحلّ

بحسب التقرير، تنخرط كلتا المجموعتين بقوة في الصراعات المحلية، والنزاعات التاريخية الطائفية، كما تقتل للاستيلاء على المراعي والماشية، وترفض التطوير المحلي والحكومي للمناطق الريفية. في مناطق مثل تاهوا وتيلابيري على الحدود مع مالي، والتي تخضع لحالة الطوارئ منذ آذار الماضي.

إن تزايد أعمال العنف على جانبي الحدود النيجرية المالية يدفعنا للتساؤل عن سبب تصنيف البنتاجون والقادة العسكريين للعمليات العسكرية في هذه المنطقة بـ«قليلة الخطورة».

تشير المصادر المحلية بشكل متكرر إلى عمليات قمع تمارسها الحكومة بحق السكان المحلييين، وخاصة شعب الفولاني، ضمن عملياتها لمواجهة الإرهاب في المنطقة. وقعت حوادث مشابهة أيضاً على الجانب الآخر من الحدود في مالي، إذ تستخدم القوات النيجرية عمليات مكافحة الإرهاب لقمع السكان المحليين، وهو ما أجج من حالة العنف، وقاد السكان المحليين في بعض الحالات للتعاون مع المجموعات الجهادية.

وفي حين أن التداعيات الإقليمية لهذه الصراعات أكبر بكثير، وتتضمّن مجموعات تدعي الإنتماء للتنظيمات الجهادية الكبرى عالمياً، فهي تتضمّن أيضاً ديناميكيات محلية معقّدة لا يمكن تجاهلها أو اختزالها في صورة مجموعة جهادية لها طموح توسعي عالمي.

كل من جماعة دعم الإسلام والمسلمين ومجموعة أبي وليد الصحراوي هما جزء لا يتجزأ من المجتمع المحلي، وتستفيد من التوترات الاجتماعية والسياسية والصراعات في تجنيد المزيد والعمل بأريحية أكبر، حتى وإن كانوا تابعين لتنظيمات جهادية عالمية. وفي الوقت الذي أصبح فيه تهديد المصالح الدولية في المنطقة واضحاً وحقيقياً، مازال السكان المحليون هم الأكثر تأثراً بوجود تلك المجموعات، وبمواجهات الحكومة معها، كما أن الحل في تقييدها أيضاً يظلّ في يد تلك المجتمعات المحلية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى