من دفاتر الذكريات

كلما أظلمت الدنيا في وجهي أعود بذاكرتي إلى تلك التلال التي شهدت ولادة عشقي لتراب وطني. وكلما جثم الهمّ على صدري وأطبق على أنفاسي تسوقني نفسي إلى هناك حيث لا حواجز بيني وبين السماء، أغازل نجومها وأرسم ضفائر شمسها. وحين تحاصرني الهموم من كل صوب يكفي أن تداعب نسمة خدّي لأذكر حلمي بالتحليق، وفي كل مرة يُدمي الحقد وطني أسمع خلف الموت صوت صرخات ولادة جديدة، وأرى الشام تُزهر من تحت الركام براكين غضب وأزاهير حياة. وعندما يتسلل التعب أذكر جنودنا وهم لا يعرفون الراحة في سبيل إعادة أمننا وسلامنا. ولذلك أتوجه اليوم إلى من تمكن منه اليأس والحزن والألم أقول له، إننا نحزن لأن كل غابوا يستحقون الحزن ويستحقون الدموع ولكنهم ماتوا لكي نعيش لا لكي تقف حياتنا عند دمعة وتنهيدة وذكرى، ولنتذكر كلمات ذلك الحكيم الذي جلسَ بينَ الناس وألقى طرفة فضحكَ الكل كالمجانين، ثمَّ قال الطرفة نفسها مرة أخرى فضحك القليل منَ الناس، ثمَّ ألقى الطرفة نفسها عدة مرات فلمْ يضحكْ أحد، فابتسمَ وقال: إذا توقفتمْ عنِ الضحكِ للطرفة نفسها، فلماذا تستمرونَ بالبكاء على الجرح نفسه؟

فلا تضعوا أيديكم على خدودكم اليوم وتبكون وطناً لا يحتاج إلى دموعكم بقدر ما يحتاج إلى تلك السواعد لإعادة بنائه. فلا يزال لدينا الكثير لنعمله والكثير لنعيشه ولدينا المستقبل لنصنعه اليوم، ووطناً نعيد بناءه يداً بيد. ولنقاتل اليوم لكي نعيش غداً.

صباحَ مستقبل نصنعه اليوم ونحدّد ملامحه، صباح اليد القابضة على الزناد والعيون التي تشّع أملاً. صباح الجيش السوري الأسطوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى