ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.

وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.

كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

مهرجانان في بعلبك والهرمل احتفاءً بعودة الرفيق مشهور دندش

بتاريخ 23/06/2015، كنا قد تحدّثنا عن الرفيق مشهور دندش الذي كان له حضوره المميّز في كامل منطقة البقاع الشمالي ـ الهرمل، وعلى صعيد الحزب ككل، وقد عُرف بجرأته وإقدامه، وشخصيته القيادية.

منذ أيام وصلني من الرفيق جوزف مسلم من مديرية كالغري كندا مجموعة من صحف قديمة، من بينها الصفحة السادسة من عدد «البناء» تاريخ 11/12/1959، وفيها تغطية كاملة للمهرجانين الشعبيين الكبيرين في كل من العين البقاع الشمالي والهرمل احتفاءً بعودة الرفيق مشهور دندش من المهجر الأفريقي.

إذ نشكر الرفيق الصديق جوزف مسلم، ننشر النصّ الحرفي لما أوردته جريدة «البناء» في عددها المذكور آنفاً.

«الهرمل، بعلبك، النبي عثمان المناطق، الحصون، جرود البطولة والإباء لبست في الاسبوع الماضي حلّة قشيبة، حلّة المهرجان والعيد، لتستقبل رفيقاً عائداً من المهجر الإفريقي، وكم من رفيق يهاجر وكم من رفيق يعود إنه أمر طبيعي في سير حياتنا، ولكن المغزى كان فذاً هذه المرة، فالرفيق العائد هو من المناضلين القوميين الاجتماعيين في المنطقة، والمنطقة التي صمدت في الأيام العصيبة اتخذت من مناسبة عودة أحد أبنائها العاملين مجالاً لتعبر عن التفافها الأكيد حول النهضة القومية الاجتماعية.

وتنقشع غيمة سوداء مرّت على تلك المنطقة ليبزغ من جديد فجر الإيمان والعقيدة والنظام ساطعاً قوياً فيلقى التجاوب الشعبي العارم من أبناء المنطقة كلها. فتيار الوعي يجتاح كل زواياها ونور النهضة يشعّ فوق كل قراها، وكان للبقاع الشمالي اسبوعه العظيم الذي اشتركت في قيامه عوامل عدة: نضال الأشهر الطويلة، صمود وبطولة القوميين الاجتماعيين في الأيام العصيبة، الوعي الشعبي، أصالة المواطنين من أصدقاء الحركة، أخيراً احتضان أرضنا لواحد من أبنائها الاحباء العائدين إلى ساحة الجهاد.

انطلق الموكب من بيروت رتلاً كبيراً من السيارات تزيد على الخمسين وفي الطليعة كانت سيارة أبي مشهور ووصل الموكب إلى مداخل البقاع، إلى شتورا، فاستقبله موكب حزبي وترجّل عميد الإذاعة 1 وصافح الرفيق مشهور مهنئاً بسلامة العودة كما هنأ أهله وذويه وانطلق الموكب إلى مداخل بعلبك يطوف في قرى البقاع في شبه مهرجان، وعلى مداخل بعلبك قيل للموكب بأن البلدة الكبيرة لم يزل هناك من يعتبرها «بلدة مقفلة» 2 ولكن الموكب أصرّ ان لبنان لم يعد فيه مناطق مقفلة وأن الوعي الشعبي لا تحول بينه وبين العبور، الحدود والسدود، وأن المحبة والإخاء القومي يتغلبان على الحقد والكيد ولهما الانتصار الأخير، وانطلق الموكب يخترق شوارع بعلبك وتعالت الهتافات للحزب وسعاده تشق عنان الفضاء وسط موجة من الفرح عارمة.

وعلى طول الطريق المؤدي إلى قرية العين كانت قرى البزالية والنبي عثمان وغيرها من القرى القومية الاجتماعية تستقبل الموكب بالزغاريد منطلقة من جميع أبنائها نساء ورجالاً، ويكبر الموكب ويزيد حتى يصل إلى العين، إلى بيت أبي مشهور فإذا الدنيا مهرجان حزبي وشعبي، وتموج الجموع في استقبال الرفيق العائد وتتعالى الهتافات القومية الاجتماعية وتُعقد حلقات الدبكة والرقص الشعبي.. ويخطب في الجموع المحتشدة ناظر إذاعة بعلبك الرفيق قبلان كيروز 3 ، فالرفيق نجاح العميري 4 ثم دندش دندش 5 شقيق مشهور مرحبين بالرفيق العائد متحدثين عن عظمة القومية الاجتماعية، ويقف ابو مشهور يشكر الحضور بكلمة رقيقة كانت مسك الختام.

وكذلك في الهرمل:

وبعد أيام كان المهرجان الشعبي والحزبي الأكبر في الهرمل حيث توافد رفقاء بعلبك والنبي عثمان والهرمل إلى قصبة الجرد الكبيرة على ارتال من السيارات طويلة. وتلبي جموع الشعب وأقطاب العشائر المهرجان ويطلّ مشهور مع هيئة المنفذية ويطلّ على رأس الموكب الحزبي الأمين مصطفى عبد الساتر وتنطلق القلوب قبل الألسنة في اللهج بذلك اليوم العظيم. ومما قاله الرفيق قبلان كيروز بعد أن رحّب بالرفيق العائد: وهنا بلدته ووالده بما انجبوا من رجال مخلصين لوطنهم، شرفاء اباة ما لانوا امام طاغية ولا انصاعوا لغير الحق.

بالأمس كنتُ انا ابن قرية «مسيحية» متعصبة بمارونيتها وكنتَ أنت يا رفيقي ابن قرية محمدية متعصبة بشيعيتها.

أما اليوم فقد قبرنا هذا التعصب إلى غير رجعة، وسرنا صفوفاً موحّدة لتحقيق وحدة الأمة ولانتزاع حقها السليب، وما ذلك إلا بفضل مبادئها العظيمة التي صهرت نفوسنا وحررتنا من أثار الماضي البغيض حتى أصبحنا مواطنين بكل معنى الكلمة».

وقد قوطعت كلمته بالتصفيق الحاد.

وفي الجموع المحتشدة ارتجل الموفد المركزي الأمين مصطفى عبد الساتر 6 كلمة رحّب فيها باسم مركز الحزب بالرفيق العائد متحدثاً عن جهاده في الوطن والمغترب، مبدياً فرحه بعودة مناضل مقدام إلى صفوفهم، في وقت تحتاج فيه الامة إلى المزيد من البطولات والتضحيات، وحيا الأمين عبد الساتر الكثيرين من أفراد عشائر الهرمل ومن ابناء الهرمل الذين صانوا شرف الأمة في حقبات مظلمة كثيرة من تاريخها، منوّهاً بثوراتهم المتوالية على الاستعمارَين التركي والفرنسي، مبيّناً دورهم في معارك الاستقلال، ممتدحاً بطولاتهم التي ساهمت إلى حد بعيد وكبير في انقاذ لبنان وصيانته، وقال أن هذه البطولات التي جعلت من الهرمل وجردها قلعة من قلعات البطولة الحقة الخادمة سمعة الأمة في الماضي، تجعل في الحاضر وستجعل في المستقبل منها قلعة امتن وأضخم وأفعل، لأن أسسها الجديدة قائمة على دعائم واضحة من الحرية والواجب والنظام والقوة وغايتها الجديدة واضحة ألا وهي صيانة هذه الأرض من كل غاصب ومستغل، لعزها وحفظ وتنمية خيراتها لسعادة مجموع شعبها على مدى الحقب والأجيال. ولا شك ان البطولة المعززة بالغاية القومية السامية ستكون أفعل وأبشر بكثير من البطولات التي قامت على مشاعر شريفة ولكنها غير واضحة المعالم، ومن هنا ندرك لماذا ستكون البطولات القادمة التي ستسجلها هذه المنطقة أشد وأفعل حتى من تلك البطولات الرائعة التي سجّلتها في الماضي.

وبعد الأمين عبد الساتر تكلم السيد زكريا خوري من دير الاحمر فألقى كلمة أتبعها بزجلية رائعة استقبلت بالتصفيق وتبعه المواطن مفلح رئيس علوه الذي ألقى كلمة عشيرة علوه الترحيبية مظهراً فرحة أفرادها بعودة المقدام المناضل الذي تعتز به والذي رفع اسم العشائر عالياً.

وفي الختام تكلم الرفيق دندش دندش شاكراً الرفقاء والمواطنين وشيوخ العشائر وأفرادها الذين ساهموا في هذا الاستقبال الشعبي البديع الذي ينمّ عن صادق شعورهم.

وذكر فخامة رئيس الجمهورية بقوله « له ثقتنا بما قام به من حميد الاعمال لإحلال الامن وللقضاء على الفتنة الطائفية التي كادت تذهب بلبنان».

وبعد ذلك دعي المواطنون إلى مقصف فاخر حيث تناولوا الغداء وودعوا منصرفين وكلهم أمل بأن النهضة القومية الاجتماعية لا بد منتصرة في نفوس ابناء الشعب كله.

هوامش:

1 لم تورد «البناء» اسم عميد الاذاعة في حينه، نأمل ممّن يملك المعلومات أن يكتب إلى لجنة تاريخ الحزب.

2 إشارة إلى الوضع القائم في مدينة بعلبك وبعض مناطق البقاع على إثر حوادث 1958، ووقوعها تحت سيطرة المعارضة بقيادة صبري حمادة.

3 قبلان كيروز: كان أستاذاً جامعياً في كلّية الحقوق والعلوم السياسية الجامعة اللبنانية . اغتيل في الحرب المجنونة، سنكتب عنه ضمن شهداء 1975 ـ 1990.

4 نجاح العميري: من الهرمل، مُنح رتبة الأمانة، تولّى مسؤوليات حزبية في المركز عمدة المالية وفي منفذية بيروت، نحاول أن نجمع معلومات عنه تؤسّس لنشر نبذة تضيء على سيرته الغنيّة.

5 دندش دندش: بعد أن تخرّج في بلجيكا، بويعَ رئيساً لعشيرة الدنادشة على إثر وفاة والده مصطفى دندش «أبو مشهور»، وبعد أن قضى بنوبة قلبية، بويعَ الرفيق ركان رئيساً للعشيرة.

6 مصطفى عبد الساتر: المحامي، الأمين، عضو المجلس الأعلى، عميد الإذاعة، للاطّلاع على ما نشرناه عنه الدخول إلى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى