تحرير دير الزور… انكشاف المتآمرين وتفرّقهم وسقوط أهدافهم
حسن حردان
نجح الجيش السوري والحلفاء في تحرير الأجزاء المتبقية من مدينة دير الزور بسرعة قياسية ولم يعد في محافظة دير الزور سوى مدينة البوكمال الحدودية التي يقترب الجيش السوري وحلفاؤه من الوصول إليها لتحريرها وإنهاء أسطورة تنظيم داعش المزيّفة التي صنعها الأميركي وأعوانه في المنطقة وحاولوا ان يرهبوا بها كلّ الدول والقوى المعارضة للهيمنة الاستعمارية والمقاومة للاحتلال الصهيوني.
الانتهاء من معركة تحرير محافظة دير الزور والقضاء على وجود داعش في الشرق السوري يعني عملياً تحقيق جملة من النتائج دفعة واحدة:
النتيجة الأولى: استعادة الدولة الوطنية السورية أغنى محافظة سورية بالثروة النفطية حيث كان يقدّر إنتاج آبار النفط فيها قبل الحرب بنحو ٢٥٠ ألف برميل في اليوم، في حين يقدّر الخبراء أنّ بإمكان هذه الآبار ان تنتج مليون ونصف المليون برميل في اليوم. وهو ما كانت الدولة السورية تعمل على تحقيقه عبر خطة لتطوير وزيادة الإنتاج قبيل الحرب. الأمر الذي يفسّر أسباب تركيز سيطرة داعش على هذه المحافظة وسعي أميركا الى منع الجيش السوري من استعادتها ودعم «قوات سورية الديمقراطية» التي تدعمها. وطبعاً تحرير دير الزور سوف ينعكس إيجاباً على الأوضاع الاقتصادية والمالية نتيجة استعادة الدولة لواحدة من أهمّ مواردها.
النتيجة الثانية: تحقيق التواصل البري المباشر بين سورية والعراق وسقوط آخر مراهنات واشنطن بالسيطرة على هذه المنطقة الحدودية لمنع التواصل البري بين أطراف حلف المقاومة. وتحقيق هذا التواصل يشكل تحوّلاً هاماً في توازن القوى في المنطقة من ناحية ويوفر أساساً لتعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري بين سورية والعراق وايران ويجعل من ميناء طرطوس السوري مركزاً هاماً لتصدير النفط العراقي والنشاط التجاري أيضاً. الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الحركة الاقتصادية للبلدين.
النتيجة الثالثة: تقوية موقف الدولة السورية في مواجهة الابتزاز الأميركي، وإعطاء دفع لمؤتمر سوتشي المقبل على الأسس التي تحفظ لسورية ثوابها الوطنية والقومية وتسقط محاولات فرض أيّ إملاءات خارجية للخروج من الأزمة.
من المعروف أنّ المنتصر عسكرياً يفرض شروطه السياسية. طبعاً إذا كان المنتصر يعرف كيف يوظف الانتصار العسكري سياسياً بحيث يحقق الانتصار في الميادين السياسية والاقتصادية. وهذا ما يبدو واضحاً من خلال المواقف الواضحة الحازمة التي أعلنها الرئيس بشار الأسد في كلّ المحطات على مدى سنوات الحرب والتي أكد فيها على رفض أيّ مساومة على سيادة واستقلالية القرار الوطني لسورية، ورفض ايّ حلول سياسية تفرض من الخارج وعدم السماح بتمرير ايّ صيغ تتناقض مع وحدة سورية أرضاً وشعباً، وهو ما أوضحه في الأيام الأخيرة الرئيس الأسد لزوار سورية إزاء رفض أيّ مسّ بسيادة سورية او التعامل معها كمكوّنات طائفية ومذهبية وعرقية او كشعوب. ففي سورية شعب واحد يجمعه الانتماء للعروبة.
النتيجة الرابعة: في الوقت الذي أدّى فيه تحرير مدينة دير الزور وغيرها من المدن والمناطق الى اقتراب سورية من لحظة إعلان انتصارها على القوى الإرهابية وإنهاء وجودها على أرض سورية وبالتالي تثبيت سيادة الدولة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد، في هذا الوقت تفجّر الصراع بين الدول التي تآمرت على سورية وقادت الحرب ضدّها ونتيجة لذلك بدأت تتكشف حقائق الأدوار التي قامت بها هذه الدول في جلب الإرهابيين وتمويلهم وتسليحهم. وبالتالي احتدام الصراعات بين هذه الدول وظهور واستعار التناقضات في ما بينها على خلفية سقوط مخططاتها وتولّد أزمات وتحدّيات لهذه الدول فرضت عليها أولويات جديدة وتغيير في سياساتها من سورية والبدء والاستدارة والتسليم بالفشل في سورية. وكان الأبرز على هذا الصعيد ما كشفه حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق في مقابلة مع قناة «BBC» البريطانية أنّ بلاده قدّمت الدعم للجماعات المسلحة في سورية عبر تركيا بالتنسيق مع القوات الأميركية وأطراف أخرى هي السعودية والاْردن والإمارات وتركيا، لافتاً إلى أنّ سورية نجت من فخ كان يخطط له منذ عام 2007، أيّ بعد هزيمة «إسرائيل» في حربها على لبنان في عام 2006.
واعترف حمد أنّ الدوحة أمسكت بملف الأزمة السورية بتفويض كامل من السعودية والولايات المتحدة الأميركية، مشدّداً على أنّ بلاده لديها أدلة كاملة على تسلّمها الملف السوري بالوثائق الرسمية الأميركية والسعودية.
وأوضح أنّ الدعم العسكري الذي قدّمته بلاده للجماعات المسلحة في سورية كان يذهب إلى تركيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة وكلّ شيء يُرسل يتمّ توزيعه عن طريق القوات الأميركية والأتراك والسعوديين، فكانت هنالك غرفة عمليات مشتركة في قاعدة «أنجرليك» الأميركية في تركيا، تضمّ ضباط مخابرات من الولايات المتحدة الأميركية وتركيا والسعودية وقطر والإمارات والمغرب والاْردن و«إسرائيل» وفرنسا وبريطانيا مهمّتها تنسيق العمليات العسكرية القتالية في سورية.
كما خصصت الولايات المتحدة الأميركية ستة أقمار صناعية مخصّصة للتجسّس تمدّ غرفة العمليات بأدق التفاصيل والصور على مدار 24 ساعة في اليوم. وكانت غرفة العمليات في قاعدة «أنجرليك» مسؤولة عن العمليات العسكرية في الشمال السوري، وكانت هنالك غرفة عمليات في الاْردن في مدينة إربد في الشمال الأردني في قاعدة الحسين الجوية متكوّنة من ضباط مخابرات أردنيين وإسرائيليين وأميركان وبريطانيين وسعوديين وإماراتيين وقطريين مهمّتها إدارة العمليات في القاطع الجنوبي من سورية.
وأشار حمد بن جاسم الى انّ ما أنفق على الحرب في سورية من يوم انطلاقها إلى حدّ الآن تجاوز 137 مليار دولار، مبيّناً أنّ أمراء التنظيمات المسلحة استغلوا وفرة الأموال فأصبحوا من أصحاب الملايين وأنّ عمليات الانشقاق في صفوف الجيش السوري كانت أغلبها تجري بإغراءات مالية، وكان العسكري العادي المنشق يحصل على 15 ألف دولار أميركي والضابط يحصل على 30 ألف دولار أميركي.
هذه الاعترافات الخطيرة تكشف حقيقة ما تعرّضت له سورية من حرب إرهابية قادتها الدول التي ذكرها حمد وغيرها من الدول التي انتظمت في إطار تحالف دولي بقيادة أميركا لإسقاط الدولة الوطنية السورية المستقلة وإقامة نظام عميل تابع للسياسة الأميركية. كما تؤكد هذه الاعتراف انّ ما جرى في سورية لم يكن نتيجة حراك شعبي عفوي على غرار ما حصل في مصر وتونس وإنما كان بفعل تخطيط وتدبير من هذه الدول التي استخدمت بعض القوى المرتبطة بها وبعض الشخصيات السياسية والضباط الذين جرى شراؤهم بالمال أمثال رياض حجاب ومناف طلاس وبعض النخب.
واذا كان حمد بن جاسم قام بكشف هذه المعلومات القليلة عن الدور العسكري والأمني والمالي في التخطيط وشنّ الحرب الإرهابية على سورية. على خلفية احتدام الصراع بين السعودية وقطر. فإنّ تركيا أيضاً اضطرت إلى الاقتراب من روسيا وإيران وإبداء الاستعداد للتعاون في محاربة القوى الإرهابية على خلفية تفجّر خلافها مع أميركا حليفتها الاستراتيجية بشأن دعم أميركا لحزب الاتحاد الوطني الديمقراطي الكردي في السعي لإقامة كونفدرالية كردية في شمال سورية مما تعتبره تركيا خطراً يهدّد أمنها القومي لا سيما أنّ ذلك سيسهم في تعزيز مطالب حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق الأناضول بالحكم الذاتي وصولاً إلى الانفصال عن تركيا.
هكذا فإنّ تحرير دير الزور وقرب تحرير مدينة البوكمال يضع نهاية لتنظيم داعش الإرهابي في سورية بالتوازي مع القضاء عليه في العراق. ويجعل سورية تقترب كثيراً من لحظة إعلان الانتصار العسكري على الإرهاب وبدء معركة تثبيت نتائج هذا الانتصار سياسياً. وواهم من يعتقد انّ سورية ستساوم على سيادتها واستقلالها ووحدتها أرضاً وشعباً. فسورية التي رفضت التفريط والتنازل عن ثوابتها في أصعب الظروف عندما كانت الحرب عليها في أوجها من الطبيعي أن تكون أقوى في رفضه وقد أصبحت على أبواب النصر النهائي. على أنّ اعترافات حمد توفر الدليل الدامغ على مسؤولية الدول المذكورة عن الدمار الكبير الذي قد تعرّضت له سورية عدا عن المجازر التي ارتكبت بحق المواطنين والشهداء والجرحى، وبالتالي فإنّ ذلك يرتّب ويجب أن يرتب أساساً قوياً لخوض معركة على كلّ المستويات الدولية لإدانة هذه الدول وإجبارها على تحمّل كامل الأعباء المالية لإعادة أعمار سورية على جميع الأصعدة.