واشنطن والعمل البري
حميدي العبدالله
تتزايد الاعترافات بفشل الضربات الجوية بوقف تمدّد «داعش» في العراق وسورية، حيث أفادت التقارير الميدانية بسيطرة تنظيم الدولة على غالبية مدن محافظة الأنبار واقترابها من أسوار بغداد، ومحاصرتها لمدينة عين العرب في سورية، حيث جاء ذلك رغم الضربات الجوية، ولّد من جديد ضغوطاً على الإدارة الأميركية وانتقادات لاستراتيجيتها المعتمدة في سورية.
وهدف الضغوط والانتقادات إقناع إدارة أوباما بإرسال قوات برية إلى سورية والعراق، وبالتأكيد أولوية إرسال القوات البرية تتجه نحو سورية لقطع الطريق على الحاجة لتعاون أميركا وشركائها مع الجيش السوري، فهل ستقوم الولايات المتحدة فعلاً بإرسال قوات برية إلى سورية؟
أولاً، لو كانت الولايات المتحدة قادرة على إرسال قوات برية وتحمّل تبعات ذلك لما انسحبت من العراق في الأساس، ولما انسحبت من أفغانستان، ولكانت أبقت قواتها البرية في هذين البلدين بعد تكبّدها لكلّ الخسائر الفادحة، فسحب القوات البرية من العراق وأفغانستان جاء نتيجة لفشل وجود هذه القوات في احتواء التنظيمات المسلحة التي قاتلت القوات الأميركية في البلدين ولوقف الاستنزاف الحاصل.
ثانياً، إذا قرّرت واشنطن إرسال قوات برية إلى سورية فهي تواجه ثلاثة تحديات أساسية في هذا البلد أشدّ تعقيداً مما واجهته حروب الولايات المتحدة في أفغانستان وفي العراق:
التحدي الأول، مستوى الاستنزاف الذي يتوجّب على القوات البرية الأميركية تحمّله لترويض تنظيم «داعش» الذي بات يمتلك الآن قدرات تفوق قدرات طالبان والقوى التنظيمات التي قاتلت القوات الأميركية في العراق، وإذا كان ترويض تنظيم القاعدة في عام 2007 في العراق اقتضى زيادة عديد القوات البرية الأميركية إلى أكثر من 140 ألف جندي، فهذا يعني أنّ أيّ تورّط في الحرب البرية في سورية، وحتى في العراق، بعد تعاظم قدرات «داعش» يحتاج إلى قوات برية أكثر من هذا العدد، فهل الولايات المتحدة مستعدة لذلك؟
التحدي الثاني، إذا ما تمّ إرسال قوات برية ولم توافق سورية على ذلك، ونشبت مواجهة بينها وبين القوات البرية، فهذا يعني أنّ واشنطن وحلفاءها سيخوضون مواجهة على جبهتين في آن واحد، جبهة تنظيم «داعش» وجبهة الدولة السورية وحلفائها، وهذا يتطلب قدرات أعلى بكثير مما احتاجته الولايات المتحدة و»الناتو» في حربي العراق وأفغانستان.
التحدي الثالث، عدم إجازة مجلس الأمن لأيّ تدخل برّي إذا لم يكن برضا وموافقة الحكومة السورية، ومن شأن ذلك أن يضع عقبات قانونية وسياسية سيكون لها تأثير كبير على مدى نجاح الحملة البرية بالتضافر مع التحديين السابقين.
لكل ذلك فإذا أقدمت الولايات المتحدة على تورّط بإرسال قوات برية فسيكون ذلك خطأً استراتيجياً كبيراً.