د. رائد المصري

تجوز المقارنة في استعراض التطورات الإقليمية المتسارعة وأزماتها وتأثيرها على لبنان بشكلٍ مباشر في الدفع «الإسرائيلي» والإيعاز لتنظيم جبهة النصرة فرع القاعدة في الجنوب السوري بالهجوم على بلدة حضر عبر المفخّخات والإرهابيين الانغماسيين كهجمة مرتدّة أخيرة يائسة ميدانياً، وذلك مع الهجوم السياسي والإشكال الأميركي السعودي المفتعَل بالدفع برئيس حكومة لبنان سعد الحريري للاستقالة من منصبه، وإعادة خلط الأوراق من جديد من زاوية تطويق حزب الله وحشره تمهيداً لتوسيع الانقسام العمودي في لبنان وتهيئة الظروف لشنّ حرب تقوم بها «إسرائيل» لتصفية حسابها وحساب حلفائها السعوديين والأميركيين بضرب المقاومة، الظهير المساند لسورية وإيران في ملفات المنطقة.

القضية تتعلّق بأهمّ حليفين للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة ونقصد بهما السعودية و«إسرائيل»، وبالتالي لا يمكن السماح لما يسمّونه بالتمدّد الإيراني وأذرعه في المنطقة أن يتجاوز الخطوط الحمر المرسومة، لأنّ هذا التمدّد سيكون على حساب الحليفين السعودي و«الإسرائيلي» وانكفاء دورهما في منطقة «الشرق الأوسط» حقبة طويلة من الزمن.

رغم الحرب التدميرية التفتيتية التي شنّها الغرب وحلفاؤه العرب على سورية لاستنزافها وفصلها عن إيران وإضعاف حزب الله، باستخدام الأدوات التكفيرية والإرهابية بعناوين مذهبية تتلبّس لبوس الصراع السياسي في المنطقة، لم تنجح خططهم، وها هي الأرض الميدانية العسكرية تتحدّث عن نفسها في العراق والقضاء على الإرهاب، وفي وأد حلم الأكراد بالانفصال عن الدولة المركزية بسرعة قياسية، وفي تحقيق إنجازات عسكرية على الحدود مع سورية والوصول الى القائم، من جهة أخرى تبدو السيطرة العسكرية للجيش السوري وحلفائه واضحة، بعد الانتهاء من دير الزور وجنوب شرقها واستكمال الإنجازات والتطهير نحو البوكمال لتأمين الحدود مع العراق، حيث بات جلياً أنّ أكراد شمال سورية لن يكون لهم التأثير الذي عوّل عليه الأميركي للقيام بالانفصال لاستجرار تنازلات سورية روسية إيرانية أمامه، فهدف السيطرة على بلدة حضر كان بهدف السماح لـ»إسرائيل» بتشكيل وإقامة الشريط العازل الذي تطمح إليه، بعد فشل إقناع الروس والأميركيين بالضغط على الجيش السوري وحلفائه بالابتعاد عن الحدود مسافة 40 كلم، في مقابل التهديد بالحرب تحت ذريعة وجود حزب الله والحرس الثوري الإيراني على مقربة من الحدود. والأهمّ هو أنها أيّ «إسرائيل» لا تستهدف بلدة حضر فحسب، بل لتحريك الملفّ الدرزي في سياق عملها الدائم، لتفكيك بنية المجتمع السوري وامتداداته اللبنانية والفلسطينية.

وأيضاً الحضور الروسي على خط الأزمة وسيطرته سيطرة مطلقة على الأجواء لمنع العبث بالجغرافيا والديمغرافيا، وكان قد طرح العديد من المبادرات للتسوية السياسية منها جنيف وأستانة ومناطق خفض التصعيد واليوم لقاءات سوتشي، ليختمها بزيارة بوتين لإيران مع الرئيس الأذربيجاني وعقده العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية، تتيح لهذا التحالف أن يتمتّن ويربط حبائله بالتوازي مع الانتصارات الميدانية والعسكرية على الأرض.

من كلّ ما تقدّم يتبيّن أنّ السيطرة والتملّك الجغرافي في العراق وسورية ولبنان واليمن، هو من نصيب حلف المقاومة، فيما يبقى للحلف الأميركي الذي توّج استراتيجيته في قمّة الرياض بالاعتراض السياسي وقلب المعادلات والتسويات التي تمّ التفاهم عليها من قبل، حيث تتمثّل استقالة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري وتندرج في هذا السياق، ومن على المنبر السعودي لتكون ترجمة لمندرجات قمّة الرياض التي أراد الرئيس ترامب المباشرة بها، لإعادة عزل إيران وإبعاد خطرها وخطر مقاومة حزب الله عن جنوب لبنان والجنوب السوري المحاذي لحدود فلسطين المحتلة.

وكان قد بدأ التمهيد لذلك بتهديدات وبتصريحات نارية فجّة لوزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان بحق إيران وحزب الله، رافقتها حرب مالية يسمّونها عقوبات، شرّعها الكونغرس الأميركي على لبنان وحزب الله ووصفه بـ «الحزب الإرهابي»، لتأتي النتيجة اليوم على هذه الشاكلة من التأزيم السياسي الذي يمكن أن يرافقه تأزيم أمني وهزّ الاستقرار في لبنان والتهويل بالمسألة الاقتصادية، علماً أنّ الرئيس سعد الحريري لم يكن بوارد فكرة الاستقالة، خصوصاً أنّه حقّق بالتفاهم المباشر مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعض التعويم السياسي، وبالتفاهم غير المباشر مع حزب الله وحلفائه بعض الحماية السياسية وتسهيل عمله كرئيس حكومة، تمثّلت بتوقيعه وقبوله تعيين سفير للبنان في دمشق وإقرار قانون انتخابي جديد والموازنة والسلسلة وغيرها من المطالب الاجتماعية.

إنها مقامرة سعوديّة أميركيّة جديدة وغير محسوبة العواقب والنتائج، فلم نفهم بعد حدّة وهدف هذا التصعيد السعودي في ملفات المنطقة وسورية.

ربّما تعوّل المعارضة السورية على ما بات يرسم في المنطقة من تطبيع مع الكيان الصهيوني، وتأسيس حلف ناتو عربي صهيوني لمواجهة إيران ومحور المقاومة في دمشق وبيروت المدعوم روسياً، عبر استراتيجية طويلة الأمد في إدارة النزاعات وليس في حلّها. وهو ما يبدو صعباً تحقيق ما تصبو إليه هذه المعارضات ولا سيما بعد ما أفرزته زيارة بوتين لطهران ولقائه الرئيس روحاني ومرشد الثورة، والإشادة بالحلف الاستراتيجي وقدرته على تحقيق أهداف مشتركة في ميادين صعبة في المنطقة، ليبدو مشهد هذه المعارضة بائساً لا حول له ولا قوة بعد رفضه مبادرة موسكو مرغماً كما الرئيس الحريري.

إطلاق مؤتمر سوتشي بهذا المستوى من الثّقل هو إعلان ضمني عن انتهاء الحرب على سورية من الناحية الاستراتيجية، فهل انتقلنا الى الحرب المباشرة والتصعيد المباشر مع الأصلاء بدلاً من الوكلاء؟

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى