توقيت استقالة الحريري… بين الداخل السعودي والردّ على الانتصارات
حسن حردان
فوجئ لبنان والعالم بإعلان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري استقالته من العاصمة السعودية – الرياض وعبر قناة «العربية»، والطريقة التي تمّ فيها تبرير الاستقالة من أنّ حياته مهدّدة بالخطر على ضوء معلومات أمنية لاغتياله، وأنّ إيران باتت تهيمن على لبنان عبر حزب الله وصولاً إلى تشبيه الوضع الحالي في لبنان بالمرحلة التي سبقت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأنّ الرئيس سعد الحريري لم يعد يستطيع تحمّل الضغوط التي يتعرّض لها منذ انتخاب الرئيس ميشال عون وتشكيل الحكومة اللبنانية، حيث لم تتمّ مراعاة التفاهمات التي تمّت عشية انتخاب الرئيس عون، وانّ ذلك قد أدّى إلى خسارة الحريري المزيد من رصيده الشعبي وتحالفاته.
لكن السؤال المطروح، هل هذه المبرّرات صحيحة، ام هي محاولة لذرّ الرماد في العيون للتعمية على الأهداف الحقيقة التي تقف وراء إقدام السعودية على استدعاء الحريري على عجل بعد أيام من زيارته لها، ليتمّ بعد ذلك إعلانه بيان استقالته؟
اولاً: في المبرّرات والذرائع، أيّ مراقب ومتابع للأوضاع في لبنان يدرك جيداً أنّ الوفاق في اتخاذ القرارات في الحكومة والبرلمان كان هو سيد الموقف، من التعيينات إلى إقرار قانون الانتخاب الجديد، ومن ثم سلسلة الرتب والرواتب وصولاً إلى تعيين سفير لبنان الجديد في سورية والذي تمّ بموافقة وتوقيع الرئيس الحريري، ولا يُعقل أن يكون الحريري أقدم على هذه الخطوة من دون استشارة السعودية. لا سيما أنه قد زارها بعد هذا الحدث وعاد بعدها إلى بيروت ليتحدّث عن حرص المملكة على الاستقرار في لبنان، مطمئناً اللبنانيين الذين باتوا يتساءلون عن أبعاد تصريحات وزير الدولة السعودي لشؤون مجلس التعاون الخليجي ثامر السبهان التي شنّ فيها حملة عدائية متواترة ضدّ المقاومة وعمد فيها إلى تحريض اللبنانيين ضدّ حزب الله لا بل هاجم الشعب اللبناني بما وصفه صمته على ما يقوم به حزب الله من هيمنة على الدولة وتمكين إيران من السيطرة على لبنان. وطبعاً كلّ هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة، فحزب الله من خلال مقاومته المتكاملة مع الجيش الوطني اللبناني واحتضان الشعب لها تمّ تحرير الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الصهيوني، ومن ثم جرى عبر هذه المعادلة الثلاثية تحرير السلسلة الشرقية من احتلال الإرهابيّين التكفيريّين وقامت المقاومة بعد تحرير الجنوب والسلسلة الشرقية بتمكين الدولة اللبنانية من استعادة سيطرتها وسلطتها في هذه المناطق، وبالتالي ليس صحيحاً أنّ وجود المقاومة وسلاحَها ينتقص من سيادة الدولة بل هو يعزّز هذه السيادة. ثم أنّ إعلان الحريري استقالته من السعودية يفضح زيف حرص السعودية على سيادة لبنان واستقلاله.
ثانياً: إذا كانت المبرّرات التي أعلنها الرئيس الحريري لتبرير استقالته لا أساس لها من الصحة فما الذي دفع الحريري للاستقالة؟
من الواضح أنّ الاستقالة التي تمّت بعد استدعاء الحريري على عجل، وأُجبر عليها وأُعِدّ له بيان إعلانها، تزامنت مع جملة من الأحداث والتطوّرات أهمّها:
1 – استقبال الرئيس سعد الحريري وفداً إيرانياً رسمياً برئاسة مستشار المرشد الأعلى الإمام علي الخامنئي وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي. ومن المنطقي أن لا يكون الحريري أقدم على ذلك من دون أن يأخذ موافقة السعودية.
2 – نجاح الجيش السوري وحلفائه في محور المقاومة في تحرير مدينة دير الزور والتوجّه إلى تحرير البوكمال، فيما نجح الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي في تحرير مدينة القائم، وتمّ تحقيق التواصل بين الجيشين السوري والعراقي على الحدود بين الدولتين، مما شكّل ضربة موجعة للخطة الأميركية في السيطرة على الشرق السوري وإقامة منطقة عازلة بين سورية والعراق تمنع التواصل بينهما واستطراداً بين أطراف حلف المقاومة عبر البرّ العراقي السوري.
3- حملات الاعتقال الواسعة التي حدثت في السعودية بالتزامن مع إعلان الحريري بيان استقالته، وطاولت أمراء وشخصيات وقيادات عسكرية وأمنية في السعودية بتهمة الفساد والإعلان عن مصادرة أموالها وممتلكاتها، وسط حديث ومعلومات لم تؤكد بعد، بأنّ الأمر له صلة باستباق محاولة انقلاب كانت تعدّ لها هذه الشخصيات والقيادات ضدّ الحكم السعودي بعد تفرّد ولي العهد محمد بن سلمان بالسلطة وإقصاء العديد من الرموز من بينها محمد بن نايف. وأنّ الرئيس الحريري له صلة مع هذه القيادات والشخصيات التي تعدّ للانقلاب. وهذا ما يفسّر ذكر الحريري في بيانه أنه مهدّد بالاغتيال وانّ حياته في خطر، لتبرير سبب عدم عودته إلى لبنان بعد الاستقالة بقرار سعودي. وما يؤكد ذلك أنّ الحديث عن محاولة لاغتيال الحريري نفته الأجهزة الأمنية في لبنان.
هذه الأحداث والتطورات التي تزامنت ورافقت حدث إعلان استقالة الحريري من السعودية، ويمكن أن تكون جميعها واردة وتقف وراء الاستقالة، فقد يكون الحريري لم يستشر السعودية قبل استقبال الوفد الإيراني ولهذا جرت معاقبته بهذه الطريقة المهينة، وقد تكون الاستقالة قد تمّت بضغط أميركي صهيوني على السعودية لإرغام الحريري على الاستقالة في سياق الردّ على الضربة الموجعة التي تعرّضت لها واشنطن وتل أبيب في دير الزور والقائم، والتي جاءت بعد خسارة واشنطن للورقة الكردية لإشغال محور المقاومة وعرقلة انتصاراته بإدخاله في صراع جديد، بعد أن خسرت أميركا الرهان على داعش، الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وبالتالي لم يعد لدى الحلف الأميركي الصهيوني السعودي من ورقة لاستخدامها لإرباك محور المقاومة ومنعه من توظيف انتصاراته واستثمارها سوى الورقة اللبنانية عبر العودة إلى إثارة الفوضى والاضطراب من خلال ادّعاء بيان الحريري بأنّ لبنان يمرّ بمرحلة شبيهة بالمرحلة التي سبقت وتلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري وهو ما هللت له تل أبيب واعتبرته يتماهى مع خطابها ومواقفها.
المعطيات تؤشر الى أنّ البيان الذي تلاه الحريري قد جُهّز وأُعِدّ له سعودياً وأُجبِر على تلاوته، ويبقى أن نعرف في الأيام المقبلة ما إذا كان الرئيس الحريري سيعود إلى لبنان لتقديم استقالته رسمياً وفق الأصول إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أم أنه لن يعود إلى لبنان وسيبقى في السعودية. وفي هذه الحالة تصحّ الشكوك بشأن وضعه في الإقامة الجبرية في سياق ما جرى في المملكة من حملات اعتقال لأمراء وقيادات عسكرية. في كلّ الأحوال، فإنّ ما جرى يشكل تدخلاً سافراً في شؤون لبنان الداخلية واعتداء سعودياً على سيادة لبنان واستقلاله. لكن من الواضح أنّ لبنان بات أكثر قدرة على إحباط أيّ مخططات تستهدف إعادته إلى مرحلة الفوضى والاضطراب، فيما تنامي قوة المقاومة ومحورها على ضوء الانتصارات في سورية والعراق والإخفاق السعودي في اليمن، يُعزّز قوة الردع في مواجهة العدوانية الصهيونية الأميركية.