تركيا والتفاوض مع الولايات المتحدة

عامر نعيم الياس

هل تتفاوض تركيا مع الولايات المتحدة؟ هل يمكن لحلفاء واشنطن التفاوض معها، أم أنّهم مجرّد أدوات تنفيذية؟ هل بإمكان أنقرة مخالفة الأوامر الأميركية؟

لم تصدر الأوامر بعد للقضاء على «داعش» أو ما يريد الإعلام الغربي تثبيته مصطلحياً «تنظيم الدولة الإسلامية»، الحرب في مجملها ما زالت في مراحلها الأولى، جسّ نبضٍ على الأرض ونقاشات متواصلة ومشاورات حول شكل التحالف وأسلوب عمله الأمثل، بالونات اختبار لردود فعل المحور المقابل حول اقتراحات تطوير عملية بأهداف مرحلية فضفاضة واستراتيجية على المدى الطويل، معروفة للجميع وهي تدمير ما لم يدمّر حتى الآن في العراق وسورية، واستكمال تقسيم العراق أو تشريعه، مقابل تفتيت سورية بأيّ ثمن رهاناً على أمر واقع على الأرض وعامل وقت، لا تزال واشنطن ترى فيه أنه يجري لمصلحتها.

أمس الأول قالت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأميركي: «أبلغتنا السلطات التركية بإمكانية استخدام القواعد الموجودة على أراضيها من قبل القوات الأميركية من أجل قيادة العمليات في سورية والعراق. إنه التزام جديد نقدّره بشكل كبير»، سويعات قليلة بعدها وخرج مصدر حكومي تركي لم يكشف عن هويته ليكذّب مستشارة الأمن القومي الأميركي ويقول لوكالة «أسوشيتد برس»: «لا يوجد اتفاق جديد، خصوصاً حول إنجرليك»، أمرٌ أكده وزير الخارجية التركي مولود تشاووس أوغلو بقوله «لم يُتّخذ أيّ قرار حول إنجرليك»، فما الذي يجري؟ هل نحن في مواجهة غياب للتنسيق بين أنقرة وواشنطن في الحرب على «داعش» وفقاً لعنوان أحد تقارير صحيفة «لوموند» الفرنسية؟ هل تدير تركيا «الإذن الصماء» لواشنطن بحسب صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية؟

تنتشر الدبابات التركية على حدود مدينة عين العرب التي لا تشكل محط رهانٍ أميركي في الحرب على «داعش»، تصريح أدلى به عدد من المسؤولين الأميركيين بمن فيهم وزير الخارجية جون كيري، وبالتالي يمكن اعتبار ذلك بمثابة ضوءٍ أخضر لحكومة العدالة والتنمية للاستمرار في موقفها اللامبالي من المعارك الدائرة على الجنوب من الحدود التركية السورية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تحاول أنقرة التفاوض وتسجيل النقاط على حساب حلفائها في جوقة الاعتدال في المنطقة، ما يساعدها في إدارة صراع الأجنحة داخل المحور الواحد. فالرئيس التركي أردوغان يحاول انتزاع اعتراف أميركي بحكومته على اعتبارها طرفاً إقليمياً له مصالحه المنفصلة عن الأميركي في سورية والعراق وبالتالي فإن مشاركته الفاعلة في التحالف مرهونة بالاعتراف بجزء من مصالحه الإقليمية، بمعنى إبرام صفقة مع الإدارة الأميركية، وهو أمر ليس بجديد على السياسة الأميركية في العالم عموماً وعلى مستوى منطقتنا خصوصاً. هذا ما يفسّر في جزء منه الزيارة المفاجئة التي قام بها أمير قطر إلى المملكة السعودية ولقائه الملك عبد الله، فأنقرة تحقق بعض النقاط على حساب ممالك الخليج.

تدوير للزوايا بين أنقرة وواشنطن في مواجهة عدو حقيقي مشترك، واستعمال مغاير لشماعة «داعش»، بمعنى، أن التقارب بين «داعش» وحكومة العدالة والتنمية الإخوانية يقوم أساساً على العداء للدولة السورية، والانفصاليين الأكراد، فيما تستخدم الإدارة الأميركية «داعش» لتبرير عودتها إلى المنطقة وقيادتها حرب تدمير ما تبقى منها وإعادة رسم حدودها تحت ستارة الحرب الجديدة على الإرهاب، من دون أن نسقط من حساباتنا حلف الأطلسي وعضوية تركيا فيه منذ عام 1952، فما تشهده المنطقة اليوم من صراع روسي أميركي في سورية تحديداً يعيد إلى الذاكرة حقبة الحرب الباردة عندما كانت الحدود السورية التركية تشكّل الخط الفاصل بين الشرق والغرب، بين دمشق حليفة موسكو، وأنقرة عضو حلف شمال الأطلسي، عند هذه النقطة تحديداً يفسّر الاختلاف المضبوط بين الإدارة الأميركية وحكومة حزب العدالة والتنمية، والذي لن يخرج عن نطاق السيطرة، بل سيتم التوصل في النهاية إلى حل يلبي إرادة واشنطن ويمنح بعض الحقوق للتركي في المنطقة.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى