الغريب: عاش عمره مناضلاً فذّاً معطاءً مقداماً جريئاً يمارس البطولة
شيّع الحزب السوري القومي الاجتماعي وأهالي بلدة راشيا الفخار، الأمين المناضل سبع منصور بمأتم حزبيّ وشعبيّ مهيب.
انطلق موكب التشييع من أمام مستشفى الخوري في بيروت، بعدما حُمل النعش على أكفّ ثلّة من القوميين، بحضور العميدين الدكتور معتزّ رعدية والدكتور جورج جريج ومدير مديرية رأس بيروت سليم ميداني، وقد أُدّيت للأمين الراحل التحية الحزبية.
وفي بلدة راشيا الفخار، أقيم تشييع حاشد، شارك فيه, إلى جانب أفراد عائلة الراحل، رئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان، رئيس هيئة منح رتبة الأمانة كمال الجمل، نائب رئيس المؤتمر القومي العام سعيد معلاوي، منفذ عام حاصبيا لبيب سليقا، منفذ عام مرجعيون سامر نقفور، رئيسة جمعية «نور للرعاية الصحية والاجتماعية» مارلين أسعد حردان، وعدد كبير من أعضاء هيئات المنفذيات ومسؤولي الوحدات الحزبية.
كما شارك في التشييع مطران صيدا وصور وتوابعهما للروم الأرثوذكس الياس كفوري، راعي أبرشية راشيا الفخار للروم الأرثوذكس فخري مراد، رئيس البلدية سليم يوسف، المربّي عبدو فضّول وعدد من الفاعليات ورجال الدين والشخصيات وحشد كبير من القوميين وأهالي البلدة والبلدات المجاورة.
وحضر للتعزية قائمقام حاصبيا أحمد كريدية، رئيس اتحاد بلديات العرقوب محمد صعب، رئيس مركز الأمن في حاصبيا الرائد رواد سليقا، رئيس بلدية كفرشوبا الدكتور قاسم القادري، ووفود من مناطق حاصبيا العرقوب ومرجعيون وتجمّع مخاتير حاصبيا، ورئيس نادي راشيا الثقافي حنا حنا، وإمام بلدة كفرشوبا الشيخ فتحي طه، الشيخ غالب سليقا، والشيخ أبو خطاب رمضان.
ترأس الصلاة لراحة نفس الراحل في كنيسة ما جاورجيوس في راشيا الفخار، مطران صيدا وصور وتوابعهما للروم الأرثوذكس الياس كفوري يعاونه لفيف من الآباء والكهنة.
وجاء في كلمة المطران كفوري: المرحوم سبع، عاش مبادءه ولم يعش قط ليرضي جسده، وقد كان صاحب ثقافة واسعة. والثقافة مهمّة للإنسان كي توصله إلى أهدافه الحقيقية، الأهداف التي تحقّق كرامة الإنسان.
كتب المرحوم سبع في أهمّ الصحف الاغترابية، فحارب الدعايات الصهيونية ودافع عن القضايا القومية في مقدّمها قضية فلسطين، ذلك لأن قضايا الإنسان واحدة أيّها الأحباء، هنا وفي فلسطين وفي كلّ مكان. دافع عن القضية الفلسطنية لأنها قضية حقّ، قضية شعب مضطهد، قضية حقوق مسلوبة، قضية شعب غريب يعتدي على الشعب الأصيل صاحب الأرض.
وأضاف: كان للمرحوم سبع مكتبة مهمّة لأنه غاص في أعماق الفكر والفلسفة والأدب، فاتخذ من صاحب الفكر النيّر، عنيت أنطون سعاده منهلاً. نهل من مَعين الحزب القومي صاحب الفكر العميق، صاحب الاهتمام بكرامة الإنسان، وبالقضايا القومية والروحية والإنسانية
رئيس بلدية راشيا الفخار
وألقى رئيس بلدية راشيا الفخار سليم يوسف كلمة جاء فيها: بِاسمي وبِاسم المجلس البلدي، أتقدّم بأحـرّ التعازي من عائلة الفقيد الصديق سبع منصور ومن الحزب السوري القومي الاجتماعي.
حقاً إنّها لخسارة كبيرة بغيابك أيها الصديق، لِما تتحلّى به من صفات نادرة، فقد كنتَ مناضلاً كبيراً وأستاذاً مميّزاً، خدمتَ القضايا الوطنية في الوطن وبخاصة في المهجر في غانا، حيث التقينا ووالدك وكنّا على اتصال دائم، فقد كنت بمثابة الأخ والرفيق والصديق، وقد كنت تطلعني على جميع ما تقوم به من نشاط في جميع المجالات، وبخاصة في مجال الصحافة والأدب، وكتبت في كبريات الصحف الغانيّة. لقد كنت تتصدّر افتتاحيات الصحف الكبرى، وإنّ افتتاحياتك في هذه الصحف التي أهديتني إياها لا تزال معي محفوظة للذكرى. هذه المقالات والافتتاحيات التي كانت تخدم القضايا الوطنية، وبخاصة القضية الفلسطينية، وكم من مرّة كنّا نجتمع بالسفير الفلسطيني في منزلك في أكرا، فقد كنت سفيراً مميّزاً لهذا السفير. وأن ننسى، لن ننسى ما تعرّضت له من تهديدات ومؤامرات من قِبل أعداء الوطن. إنّك أيها الصديق رمز للتضحية والوفاء والأخلاق الكريمة.
كلمة الحزب
وألقى كلمة الحزب السوري القومي الاجتماعي، عضو لجنة منح رتبة الأمانة جرجي الغريب وجاء فيها: ها هو الأمين سبع منصور حردان عاد إلينا في راشيا، محمولاً على الأكتاف ملفوفاً بعلم الزوبعة، بعد رحلة العمر الطويلة، حيث كانت مليئة بالنضال والتضحية من أجل إعلاء مصلحة الأمّة السورية، ومن أجل تحقيق غاية الحزب الذي نذر حياته كلّها لأجل انتصارها.
أيّها المشيّعون الأعزّاء، يا من جئتم لتلقوا النظرة الأخيرة على رفيق وأمين محبّ. جئتم لمشاركتنا في تشييع رجل عاش عمره مناضلاً متميّزاً فذّاً معطاءً مقداماً جريئاً يمارس البطولة متواضعاً واسع الاطّلاع.
الأمين سبع منصور حردان ولد في راشيا الفخار عام 1936، وتعلّم وتدرّج في علومه فكان مجلياً متفوّقاً نهماً في القراءة حكيماً في المناقشة والتحليل واتخاذ القرار. تعرّف إلى عقيدة الزعيم أنطون سعاده وهو في عزّ شبابه. آمن بهذه العقيدة وانتمى إلى صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي في مديرية راشيا الفخار الناشطة عام 1956. مارس عمله القومي بإخلاص قلّ نظيره، فتدرّج في المسؤوليات وفي العمل الثقافي حتى نال الرتبة العليا في الحزب، أعني رتبة الأمانة عام 1977.
كان قد هاجر إلى أفريقيا وعمل هناك، لكنّه ظلّ يحمل في قلبه ووجدانه وعقله المبادئ التي آمن بها مدافعاً بكلّ جرأة في أوساط المغتربين عن قضية شعبه حتى نال احترام كلّ من عرفه مخلصاً قيادياً بين أبناء الجالية في مواجهة الدعاية اليهودية الصهيونية التي تزوّر الحقائق والتاريخ. فكان خير مدافع في الصحافة المكتوبة وفي المناظرات التلفزيونية عن القضية التي آمن بها. ومرّة ذهب بن غوريون إلى غانا، فالوحيد الذي تصدّى له كان الأمين سبع في الصحافة والإعلام.
الأمين سبع منصور المثقّف ومحبّ المطالعة والدرس الدائم، المؤمن بأنّ المجتمع معرفة والمعرفة قوّة. وكان يقضي معظم وقته في القراءة والبحث عن المعرفة، حتى أصبح إذا حادثك في أيّ موضوع عقائدي أو فلسفي أو اقتصادي أو أدبي أو تاريخي، كان يجيد الحديث ويأسر الانتباه والسمع لشدّة رصانته ولثقته أثناء تكلّمه في طرح المواضيع. فكم من الأوقات والجلسات والأيام الحلوة قضيناها معك في الحوارات والنقاشات مسترشدين برأيك وبِسِعة علمك ومعرفتك. نعم، كنّا نعيش متعة تلك الجلسات، متعلّمين من قامتك الثقافية ومن معارفك التي سخّرتها لخدمة القضية القومية الاجتماعية ولانتصارها. فأنت المقنع والعارف والمتفوّق في العقيدة وفي التاريخ والأدب والشعر والدين والفلسفة.
إنّ الخسارة كبيرة لا تعوّض إلّا بأن نعاهدك على متابعة الطريق. كم أحببتَ بلدتك راشيا، وكم أحببتَ أهلها. كم عشقتَ طرقاتها. كم استمتعتَ بصباحاتها الحلوة. كم من صبيحة قضيتَها مع رفقاء لك أحبّوك وأحببتهم وزرتهم، فهم مزارعون، هم صانعو الخزف، هم منتجون صادقون بإيمانهم. سعادتهم أنّهم آمنوا بالذي آمنت به أنت، فهم قوميون اجتماعيون حتى العظم.
أيها الأمين الراحل عنّا، إنّ الحزب الذي ناضلتَ في صفوفه، بقيادته الواعية الحكيمة بصلابتها وبقوّة المؤسسات التي وضعها زعيمنا سعاده، تسير بالحزب نحو القمم، فجنود الحزب نسور الزوبعة الحمراء مع الحلفاء الصادقين في ساحات الدفاع عن الحقّ القوميّ ثابتون ويحقّقون النصر تلو النصر، فهم مؤمنون بأنّ الحياة كلّها وقفة عزّ فقط، ومؤمنون بأنّ الدماء التي تجري في عروقنا عينها ليست ملكاً لنا، بل هي وديعة الأمّة فينا متى طلبتها وجدتها. مؤمنون بأنّ هذه الأمة كم من تنين قد قتلت، ولن تعجز عن قتل هذا التنين المتمثّل بالاحتلال اليهودي لجنوب بلادنا، لقدسنا، والمتمثّل بالمؤامرات وبالحرب التي شُنّت على بلادنا.
إنّ هذا الصراع الذي تخوضه بلادنا في الشام والعراق وفي فلسطين ولبنان، صراع قاسٍ، لكنّنا بالحق وبالبطولة المؤيّدة بصحة العقيدة نحن فيه الاقوياء المنتصرون.
الأمين سبع منصور حردان خسارة لا تعوّض، سيبقى قدوة نحكي عنها للأحيال القادمة. سيبقى ذكرك وأعمالك واتّساع علمك مثلاً للشباب القومي المصارع.
سوف نعمل على جمع أعمالك لتبقى صفحة مشرقة في صفحات تاريخ هذا الحزب العظيم. نم قرير العين في ثرى راشيا الفخار التي أحببت.
قصيدة
وألقى الشاعر المربّي عبود يوسف فضّول وهو من اصدقاء الأمين الراحل، قصيدة رثاء قال في مستهلّها: باقة شعر عطرة نقدّمها لفقيدنا الغالي الأديب سبع منصور حردان لمناسبة انتقاله إلى ديار المجد والخلود. عربون المحبة والتقدير والوفاء.
السبع غاب وفعل السبع لم يغبِ
عن دوحة المجد يبقى الدهر كالشهب
وحْياً يوزِّع والأفكار ثاقبة
يعطي بصمت كغيث من سحب
أسمى المبادئ بالأفعال كرّسها
عاش المناقب، أمسى روعة العجب
رفيقة العمر قد كانت مبادؤه
عاش الوفاء لها لم يخشَ من تعبِ
هذي الأصالة سبع كان يملكها
من خير عائلةٍ، يا أشرف النسبِ
عاشوا الجهاد وما لانت عزائمهم
عاشوا أسوداً بوجه كلّ مغتصب
شئت المغارب والأحلام سامية
عدتم إلينا ومعكم زبدة الحقب
توحي إلينا من الأفكار أجملها
يزهو بها أشرف الأقوام والنخبِ
كم كنتُ أسمعكم والقلب في لهف
منكم نفيد مِن الأغلى من الذهبِ
وثروة الفكر تغنينا مباشرةً
بها نطوف رحاب الكون للقطب
أنت المحبّ وقد شاءت إرادتكم
كسْبَ القلوب، فكانت غاية الأدب
واليوم أنتم لدار المجد رحلتكم
أكرِم بطيفٍ أمام العين منتصب
حرمون يبكي غياب السبع ممتشقاً
سيف الكرام بوجه كلّ مرتكبِ
راشيا، حتْماً غياب الابن آلمها
والدمع غطّى سواد العين والهدب
هي الزغاريد أجدى حين نطلقها
في هيكل المجد حالاً تنحني ركبي
أتلو صلاتي، وشعراً جئت أكتبها
غداً لقاء لنا يا عاشق الأدب
للأهل منّي عزاء القلب أبعثه
لك الجنان أمير القول والخطبِ.