من الجبير الى السبهان… حكاية فشل مستمرّ
وجدي المصري
بعد تعيينه وزيراً لخارجية المملكة العربية السعودية في أواخر نيسان من عام 2015 وجّه عادل الجبير نيران ترسانته باتجاه سورية بشكل عام والرئيس بشار الأسد بشكل خاص، ولا زالت تهديداته التي أراد منها شدّ عصب «ثواره» وإلقاء الرعب في قلوب خصومه تدوّي في كلّ المحافل دون أن يكون لها المفعول العملي الذي يُترجم إلى حقائق فعلية. لقد بقيت تصريحاته النارية عن قرب انتهاء دور الرئيس الأسد، وعن جحافل الجيوش التي سيرسلها إلى سورية لإنهاء النظام وتسليم دواعشه الحكم، مجرّد فقاعات من الصابون لم يتجاوز مداها جدران القاعات المغلقة التي أطلقت فيها تصريحاته العنترية. فالرئيس الأسد بقي على رأس النظام، وبدأت معظم الدول المتشدّدة تتراجع عن مواقفها الرافضة لبقائه في السلطة لصالح القول بأنّ هذه المسألة يقرّرها الشعب، لكنّ الجبير لم يتراجع وكأنّه لم يُقيّض له مساعد واع يشير إليه بأنّ جموع الحجّاج عائدة من الحجّ وهو مصمّم أنّ قافلة الحجّاج لما تزل تنتظره خارج مضاربه. استعاد النظام معظم الأراضي التي سيطر عليها الإرهابيون بدعم من بلاده وغيرها من البلدان المتربّصة شراً ببلادنا والتي استطاعت «إسرائيل» إقناعها بمشروعها الجهنّمي القاضي برسم خريطة جديدة للمنطقة انطلاقاً من المصالح الاسرائيلية، والجبير بقي مصمّماً على أنّ جحافله ستجتاح سورية لتسقط الأسد وتنصّب الدواعش مكانه. لم يستطع، وهو السفير السابق ووزير الخارجية الحالي، استقراء المتغيّرات التي أطاحت بطموحاته وأمنياته، فتشبّث بغبائه الذي أعمى بصيرته ومنعه من التوقف عن عنترياته غير آبه بما جرّه عليه من مواقف الاستهزاء والاستهجان من الحلفاء قبل الخصوم. وكأنّ المملكة التي ساءها الاتهام المستمرّ لها من قبل حزب الله برعاية الإرهاب بحق اليمنِيين، والذي لم تعتبره تدخلاً بشؤون دولة عربية مستقلة، وبدلاً من مراجعة سياساتها العقيمة في المنطقة، والتي لا نتيجة منها إلا استمرار دعم الإرهابيين، قرّرت الاستمرار بنهجها المستند الى موقفها المذهبي ضدّ إيران وحزب الله، فكلفت ثامر السبهان بمساندة زميله الجبير، فأطلق للسانه العنان يهاجم إيران ويعتبرها، كما الولايات المتحدة و»إسرائيل»، بأنّها راعية الإرهاب الأولى في العالم، ويهاجم حزب الله، كما الولايات المتحدة و»إسرائيل»، معتبراً إياه المنظمة الإرهابية الأشدّ خطورة في العالم. طبعاً هو كلام لا يستأهل التوقف عنده ولا ثمن حبر بضعة أسطر للردّ عليه. ولكن أن يتحوّل كلامه الى مخطط مفضوح لزرع الفتنة المذهبية والوطنية في لبنان فهو لم يعد مقبولاً وبالتالي يستدعي موقفاً من الشعب في لبنان ومن الحكومة اللذين طالبهما هذا السبهان بموقف من حزب الله. وأعني أنّ هذا المطلب يجب أن ينعكس إليه علّه يرعوي ويكفّ عن نفث أحقاده إرضاءً لأسياده. فمطالبة الحكومة اللبنانية بموقف ضدّ حزب الله ينطوي بوضوح على استهداف الاستقرار الاجتماعي في لبنان، هذا الاستقرار الذي جاء نتيجة التسوية التي أوصلت العماد عون إلى سدة الرئاسة الأولى وسعد الحريري إلى سدة الرئاسة الثالثة. وبالرغم من أنّنا ضدّ التسويات الشكلية من حيث المبدأ لكنّنا واقعيون نعلم علم اليقين بالانقسام الحادّ، الذي لا مجال لإنكاره، بين مكوّنات الشعب في لبنان وعلى أمور رئيسة، ولو لم تتمّ عملية تطويقه لكان من الصّعب تصوّر ما كانت ستؤول إليه الأمور بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي والتعطيل على مستوى مجلسي النواب والوزراء. والطلب إلى الشعب في لبنان أيضاً باتخاذ موقف من حزب الله ما هو إلاّ نفخ الرماد عن جمر الفتنة التي عمل حزب الله جاهداً على وأدها ولاقاه سعد الحريري بذلك بالرغم من المواقف المتباينة.
أيّ عقل جهنمي يُقدم على هذه الخطوة إلاّ العقل المتصهين الذي برّأ «إسرائيل» من كلّ إرهابها العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي والديني، ليس على فلسطين وحدها، بل على العالم العربي والعالم أجمع. سامح السبهان «إسرائيل»، كيف لا ومن هم أعلى منه في العائلة الحاكمة، كانت لديهم الجرأة، لا بل الوقاحة، لمدّ الجسور مع هذا العدو الذي مرّغ كراماتهم بالتراب ولم يزل، وانساقوا وراء ادّعاءاته ومخططاته الهادفة إلى تصفية المسألة الفلسطينية وتنفيذ سايكس بيكو جديدة تقضي بمزيد من الشرذمة والتجزئة المرتكزة على أسس طائفية ومذهبية لتمرير إعلان «إسرائيل» دولة اليهود في العالم من جهة، وانتقاماً من البابليين الذين مرّغوا أنوف أجدادهم، كما يدّعون، من جهة أخرى. حقد الجبير والسبهان ومن وراءهما ليس إلاّ بذاراً يهودياً نما برعاية الحقد اليهودي على أمتنا. كيف يوفق هذان العبقريان بين دعم بلادهم للإرهاب الذي لم يعد بالإمكان إنكاره، والذي تمّ فضحه بواسطة حلفائهم، وبين اتهام من يقاوم فعلياً وعملياً الإرهاب الذي زرعوه في بلادنا فتجاسر على تجاوزهم ليطال العالم أجمع؟ أكثر من مسؤول في الولايات المتحدة، كلينتون وترامب على سبيل المثال، جاهر بأنّهم من خلق داعش وأنّ المموّل كان بعض الدول العربية وتركيا، وآخر من فضحهم حليفهم السابق وعدوهم الحالي قطر بلسان رئيس وزرائها السابق حمد بن جاسم، الذي صرّح أكثر من مرّة بأنّ بلاده لُزِّمَت دعم الإرهاب في سورية على أنّه ثورة ضدّ النظام بدعم من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وذلك في آخر مقابلة له على قناة BBC البريطانية، ولم يترك خافياً إلاّ وأزاح عنه الستار، وبالرغم من كلّ ذلك لم يرعو الحاقدون واستمرّوا بتآمرهم على سورية وها هم اليوم يتآمرون على استقرار لبنان الذي فضح تخاذلهم لأنّه وحده قاوم «إسرائيل» وانتصر منهياً أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، ووحده انتصر على الإرهاب بفضل مقاومته وجيشه مما أثار عليه حفيظة «إسرائيل» وأذنابها.
المملكة تتحفنا بين الفينة والأخرى بتصريح من هنا وآخر من هناك مؤكدة بأنّها لا تتدخل بالشأن اللبناني، فيصدّق الساذجون في لبنان والمستفيدون من سخائها. فإذا لم يكن استدعاء فريق محدّد من اللبنانيين إلى المملكة يعتبر تدخلاً فماذا يمكن أن نسمّيه؟ وإذا كان تحديد موعد لأعلى مرجعية دينية، وللمرة الأولى في تاريخ المملكة، لا يُعتبر تدخلاً فماذا يمكن أن نطلق عليه؟ هل علينا أن نكون أغبياء مثلهم لنصدّق أنّهم فقط يريدون الحوار لمصلحة لبنان كما صدّقوا هم «إسرائيل» في دعواها بأنّها ليست عدوّة لهم بل هي إيران الشيعية؟
إيران الشيعية هذه التي دعمت المقاومة التي وقفت، ولا زالت، بوجه العدو الإسرائيلي، الذي أصبح صديقهم، وإيران هذه هي التي دعمت سورية والمقاومة للوقوف بوجه الإرهاب الوهّابي الذي رجّس الإسلام والإسلام منه براء. إيران هذه هي التي دعمت الشعوب المقهورة في البحرين واليمن في الوقت الذي كانت المملكة تدعم الإرهاب. كيف يحق للمملكة أن تتهم إيران بالتدخل بشؤون دول المنطقة وهي التي لا زالت تقتل اليمنيين كلّ يوم، وماذا يمكن أن نسمّي هذا العمل، أهو إحسان لتخليص هؤلاء الفقراء من حياتهم، لكي لا يزعجوا جيرانهم الأغنياء بمظاهرهم المتخلّفة؟ إلى متى سيبقى هذا الحَوَل الفكري مسيطراً على معظم قادة عالمنا العربي الذين لم يتعظوا حتى اللحظة مما جرى في كلّ ساحات العالم العربي، والذي بات يتكلّم عنه الجميع، حتى في الغرب، على أنّه مخطط غربي للسيطرة على مصادر الطاقة التي تتمتع بها بلادنا من جهة، ومخطط إسرائيلي لتفتيت كلّ الدول المحيطة بـ»إسرائيل» تسهيلاً للسيطرة عليها وتأمين جوار آمن يحمي دولة العدو إلى عشرات السنين القادمة.
ومن نافل القول إنّ الجبير والسبهان إنّما يتحدثان باسم المملكة وقد أعلن السبهان عن ذلك بوضوح، وهما يعملان ضمن توجيهات ولي العهد محمد بن سلمان الذي بات يتلقى تعليماته هذه الأيام مباشرة من «إسرائيل».
السعودية لا تتدخل في الشؤون اللبنانية لكنّها تستدعي الشخصيات اللبنانية ساعة تشاء، وآخر استدعاء كان لرئيس الحكومة الذي أجبر، وهو رئيس حكومة لبنان، على تقديم استقالته من السعودية بموقف أقلّ ما يُقال فيه إنّه خرق للدستور والأعراف وإذلال لكلّ لبنان الذي تتمنّى له السعودية «كلّ الاستقرار». كفاكم وقاحة، ولتكن لكم الجرأة الكافية لإعلان انضمامكم إلى المحور الأميركي – الإسرائيلي الذي برأيكم يحقق لكم مصالحكم لأنّه سيقضي على القوة الشيعية المتمثلة بإيران وحزب الله. بات الأمر واضحاً وضوح الشمس إذ استطاعت «إسرائيل»، ليس فقط السيطرة على معظم دول العالم، بل على معظم الدول العربية من باب التضادّ المذهبي حيث أكّد بن غوريون أوّل رئيس وزراء لـ»إسرائيل» بأنّ «إسرائيل» ستسيطر على العالم العربي ليس بقوّتها بل بخيانة العرب بعضهم لبعض، وقوله هذا لم يأتِ من فراغ بل من دراسة لتاريخهم المليء بالمؤامرات التي كان يرتكبها الأخ بحق أخيه، والأبن بحق أبيه، مع ما كان يستتبع ذلك من قتل وإجرام فإذا بالتاريخ يعيد نفسه فقط مع الأغبياء كما ذكرت في مقالة سابقة. لولا المقاومة وتصدّيها لـ»إسرائيل» وأذنابها لكان علينا أن ندفن رؤوسنا في التراب لشعورنا بالذلّ الذي ما بعده ذلّ. إنّ ما قامت به المملكة بحق لبنان لن يطال الوضع الداخلي فقط بل هو ضوء أخضر لـ»إسرائيل» لكي تقوم بعدوانها مجدّداً على لبنان وهذه المرة بغطاء عربي مكشوف.
منذ أيام احتفلت بريطانيا بمئوية وعد بلفور الذي أمّن الغطاء الاستعماري لليهود لكي يستطيعوا تحت جناحه إقامة دولتهم على جزء من ترابنا القومي. لم يطلق أيّ مسؤول عربي تصريحاً واحداً يندّد فيه بموقف بريطانيا القديم الذي كان سبباً بتشريد شعبنا في فلسطين، ولا بموقف الحكومة البريطانية الحالية التي مجّدت هذه الذكرى بحضور رئيس وزراء العدو. زعيم حزب العمّال البريطاني المعارض كان موقفه أشرف من موقف معظم القادة العرب الذين أدمنوا الذلّ والتخاذل والزحفطة أمام قادة «إسرائيل» علّها تساعدهم على الحفاظ على عروشهم ومكتسباتهم. أليس أشرف للجبير والسبهان، بدلاً من أن يسفرا عن نواياهما الحاقدة، أن يوجّها كلمة لوم خجولة لنظيرهما البريطاني على هذه الخطوة التي تحمل استمرار العداء لعالمنا العربي؟ إنّهما دون شك من أحفاد الشريف حسين الذي لم يأبه لأكاذيب مكماهون وحكومته، بل هو لم يجرؤ حتى على الاعتراض على عدم الصدق والوفاء من قبل الحكومة البريطانية في حينه. وها هم المسؤولون اليوم في المملكة يسيرون على خطى أسلافهم غير آبهين بالدمار والخراب والقتل الذي يتمّ في بلادنا طالما أنّه بعيد عنهم ولا يهدّد مملكتهم. المملكة تتهم إيران بالتدخل بشؤون دول المنطقة وتقع بالمطبّ الذي تشكو منه، إذ إنّها تدخلت بشكل سافر في سورية وفي اليمن وفي البحرين وفي مصر وطبعاً في لبنان، ولا يكفي أنّها تنفي ذلك فما من شيء هذه الأيام يبقى مستوراً إلى ما لا نهاية. كلّ المعلومات أصبحت على صفحات الجرائد الغربية منها والعربية، إلاّ الممالِئة منها لسياسة المملكة، وهي تشير بدقة الى تورّط المملكة إعلامياً ومالياً وسياسياً ولوجستياً بدعم المجموعات الإرهابية التي يتمّ تدريبها وتوجيهها إسرائيلياً. إنّ مدّ الجسور مع «إسرائيل» لهو أكبر إدانة لكلّ الدول العربية المهرولة إلى الإستسلام للمشروع الإسرائيلي في المنطقة.
إنّ السبهان سيصل قريباً الى اليوم الذي يكتشف فيه أنّ صياحه لم يتجاوز رمال صحرائه لأنّه سيصطدم بجدار الوعي الوطني في لبنان الذي دأب ومنذ زمن على وأد الفتنة التي تحاول «إسرائيل» منذ انكسارها أمام ضربات المقاومة، بدءاً بعملية «الويمبي» التي نفّذها البطل السوري القومي الإجتماعي الشهيد خالد علوان، أن تعيد اعتبارها عبر وسائل أخرى فيها من الخسة الكثير مما تحفل به ثوراتها، خاصة لجهة بذر الفتنة بواسطة عملائها وأذنابها. وبذلك يكون قد فشل فشلاً ذريعاً لا يقلّ عن فشل الجبير، فهل يعتبرا وتكون لهما الجرأة الكافية ليعترفا بهذا الفشل الذي ينعكس سلباً على موقع المملكة ومصداقيتها؟