«العقل» الذي أدار الانقلاب في المملكة: ماذا يخبّئ للحريري؟
روزانا رمّال
سيعيد «العقل» الذي نجح بادارة الانقلاب في المملكة العربية السعودية رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الى لبنان بعد السماح له باذن السفر الى بيروت من اجل تقديم الاستقالة المباشرة الى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي رفض اعتبارها واقعة حتى اللحظة، طالما ان الحريري خرج عن الاصول الدستورية وقدمها من خارج البلاد. وبالتالي يحق لرئيس الدولة اعتبار ان الامر موضوع ضمن اطار امرين لا ثالث لهما الاول عدم احترام الاصول واللياقات واحتقار الدستور اللبناني، والثاني ان يكون قد تعرّض من هو بمسؤولية رئاسة الوزراء الى ظروف قاهرة فرضت عليه الاستقالة اكان الحريري او غير الحريري وبالتالي يتوجب في هذه الحالة الانتظار ليتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود والا يحق حينها لرئيس الدولة المطالبة برئيس وزرائه في المحافل الدولية ورفع القضية الى المجتمع الدولي، كورقة طارئة وسابقة خطيرة.
«المايسترو» الذي ادار الهزة الارضية التي ضربت مفاصل الامن والاقتصاد في الرياض سيوعز الى الحريري العودة الى لبنان قريباً جداً الذي بدوره سيتوجّه الى قصر بعبدا لإعلان الاستقالة امام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. فهذا «العقل» يدرك اليوم ان الازمة في لبنان لن تبدأ اذا ما بقي الحال على هذا «الستاتيكو» او «الترقب» وان المشروع الذي فنده من اجل إغراق الأفرقاء في الساحة السياسية وبدء محطات التجاذب لم يبدأ منه شيء على الاطلاق لذلك فانه مضطر الى اعادة تصويب وتدعيم «الثغرة» التي لم يلتفت اليها والتي نجحت في امتصاص الصدمة محلياً بعدم قبولها لبنانياً «بالشكل» الذي أتت عليه مما أفقد وهج الخبر والحدث ثقله في الشارع، ما حدا بمن عمل على هذا الموقف لم يكن يحسب امكانية أن يرفض عون الاستقالة او امكانية عدم الاعتراف بها في وقت قريب بالتالي فإن عودة الحريري هي جزء من «استكمال» بنود مشروع الضغط على حزب الله. وبهذا الإطار يكشف مصدر سياسي رفيع لـ «البناء» عن عودة قريبة جداً للحريري يتوجّه فيها من المطار الى قصر بعبدا ليعلن فيها استقالته أمام الرئيس عون ويخرج مخاطباً اللبنانيين بان كل ما قيل ليس إلا اضاليل، فهو هنا يقف ويعلن الاستقالة بكامل وعيه. ويضيف المصدر «سيفند الحريري لرئيس الجمهورية كل المرحلة السابقة وسيعيد تذكيره بما تحمل حتى يخيّل للرئيس أن هذا فعلاً هو موقف الحريري المستقل والواضح وأنه ليس بوارد خروجه عما يمثل تحالفه مع السعودية. وهو اليوم صار أقرب الى هذه «القناعة» بعد ما واجهه منذ ليلة السبت حتى تاريخ عودته بأم العين ويعرف تماماً أن احداً غير قادر على الوقوف بوجه عاصفة المتغيرات التي تجتاح السعودية بقيادة الامير محمد بن سلمان ومن ورائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي بارك خطواته كلها. وبالتالي فإن أحداً لن يقف بوجه التأييد الأميركي لا الحريري ولا غير الحريري في لحظة مفصلية من عمر الشرق الأوسط. ويختم المصدر «لحظة عودة الحريري هي لحظة بداية الأزمة السياسية الحقيقية في البلاد على الرغم من أنها ستكون عودة قصيرة جداً، كما يبدو سيجتمع فيها بكتلته ويسمعهم ما قاله على الشاشة ويشدّ العصب في تياره نحو مواجهة سياسية كبرى قد تمتد حتى موعد الانتخابات النيابية».
عودة الحريري مع تعهّد بالتمسك بالموقف السعودي التصعيدي هي عودة لنسف التسوية «غير المتكافئة» التي وقعت عليها الرياض لحظة انتخاب عون رئيساً للجمهورية وتسمية الحريري رئيساً للوزراء في مشروع كان قوامه «رهان» الحريري على أخذ عون نحو اصطفاف الى جانبه يؤدي الى فك تحالفه بحزب الله أو اهتزازه، ففشل هذا لتصبح تقديمات السعودية التي أراحت إيران وحلفائها في لبنان غير متوفرة في اليمن لجهة التوصل لحكومة تريح السعودية وحلفائها فيه ما يزيد الملف «صعوبة» مع عدم نية إيران التنازل كما يبدو في اليمن، خصوصاً بعد حرب شارفت على دخول سنتها الرابعة خسر فيها اليمنيون ما يكفي بالمنظار الإيراني ليصبح التنازل مكلفاً جداً على طهران وحلفائها.
رسالة الصاروخ الباليستي على الرياض بعيد استقالة الحريري هو تصعيد إيراني بما لا يحمل من شكوك، لكنه تصعيد يحمل رسالة مباشرة عن نية إيرانية أيضاً للتصعيد بحال ارادت السعودية ذلك عبر لبنان، وبالتالي فإن طهران بدت اكثر تماسكاً وتقبلاً للأمر الواقع الذي يفيد بانها وعلى الرغم من عدم نيتها المواجهة المباشرة مع السعودية الا انها مستعدة جداً لذلك إذا فرض الأمر عليها او على حلفائها بالضغط عليهم، وهذا ما حصل مع لبنان.
يبقى على السعودية التفكير برسالة الصاروخ البالستي وربطها بإمكانية اخذ الامور الى مجهول من غير المعروف أفقه، لكن الأكيد فيه رفع منسوب التقدم نحو مواجهة عسكرية إيرانية أميركية غير مباشرة عبر السعودية، أي أن الحرب التي تعجز واشنطن عن شنها على طهران ستتكفّل بها الرياض هذه المرة بعد أن وضعتها الولايات المتحدة الأميركية في واجهة المشهد، وبعد ان نجحت وهي العقل المدبر لسير العمليات برمّتها في فتح هوة كبيرة بين إيران وجيرانها تتكفل في أخذهم لحرب مباشرة تضمن عدم توريط الولايات المتحدة او «إسرائيل» فيها.