الفرسان حسموا النزال… والحريري يُسرج الحصان!

نصار إبراهيم

تذكرنا مسرحية استقالة سعد الحريري التي أعلنها اليوم 4 تشرين ثاني 2017 من الرياض السعودية بالمسلسلات الهابطة من الدرجة العاشرة، سواء من حيث الإخراج أو التوقيت أو السيناريو أو مكان التصوير أو حتى اللغة الركيكة والمحطمة.

يتحدث سعد الحريري عن وإلى «الشعب اللبناني العظيم… منارة العلم والمعرفة والديمقراطية» ومع ذلك يقدم استقالته من الرياض، دون الحد الأدنى من احترام القيم الديمقراطية واللياقة والأعراف الديبلوماسية، ودون أيّ اعتبار لشعاراته الأثيرة على قلبه «الاستئلال والحرية والديمؤراطية».

بصراحة لست معنياً كثيراً بنقاش نص سيناريو استقالة الحريري الذي جاهد أن يقدّمه بصورة المفاجأة ليعطيه زخماً درامياً.

لا أريد أن أناقش هذه «الصحوة القومية والغضبة المضرية» المفاجئة عند الحريري، وحرصه على الأمة والشعب في سورية والعراق واليمن.

كما لست مشغولاً كثيراً بعدم تطرّق هذا «العروبي» ولو بكلمة واحدة لـ«إسرائيل» وأميركا، كما لست معنياً بنقاش فكرة الحريري العبقرية «النأي بالنفس وما تحمله من أذى وترفعه عن الردّ»…

لا أريد مثلاً أن أسأله من الذي استقدم الإرهابيين واحتضنهم في طرابلس والبقاع وقام بتسليحهم، كما لا أريد أن أذكره بمشهد مسرحي آخر لا يقلّ درامية عن مسرحية الاستقالة، يوم خلع جاكيته وشمّر أكمام قميصه، ثمّ وهو يقسم بأنه لن يعود من باريس إلى بيروت إلا عن طريق مطار دمشق «والسما زرقا».

لن نسأل سعد الحريري عمّن يدمّر اليمن ، أو عن الدول والقوى التي تروّج للفتنة الطائفية وتحشد كلّ القتلة ومن كلّ أنحاء العالم لتدمير الدول الوطنية والجيوش القومية في سورية والعراق واليمن ومصر… كما لن نسأل الحريري عن القوى التي كنست داعش من لبنان وهي التي كانت تقيم أمام غرفة نوم الحريري ولم يحرّك ساكنا…!؟

كما لا أريد تذكيره مثلاً بأنّ حزب الله لم يكن قد تأسّس بعد في حرب 1958، ويوم فجر أصدقاؤه الحرب التدميرية عام 1975 ويوم اجتاحت «إسرائيل» لبنان عام 1978، ثم عام 1982…

على أية حال ليس هذا كله هو المهمّ… المهمّ يا سيد سعد كان بودّي لو تجيبني عن سؤال عابر وساذج بسيط لكنه واضح: لماذا كان أول من رحب باستقالتك «البطولية» بنيامين نتنياهو ووزير أمنه ليبرمان!؟ ها!؟

بالمناسبة أيضاً لا أريد منك أية إجابة على هذا السؤال… لا يهمّني.

ما أريد أن أقوله بمناسبة هذه الاستقالة هو شيء آخر.

هذه الاستقالة بقدر ما تبدو مثيرة للشفقة إلا أنها تأتي ليجري توظيفها في سياقات خطرة… ليس بمقدور الحريري صدّها أو الاعتراض عليها وهو ما يجب الانتباه له.

ـ فهي تأتي في ظلّ انهيار وتصفية داعش ومثيلاتها في سورية والعراق، وفي ظلّ فشل مشروع الولايات المتحدة و«إسرائيل» والدول الاستعمارية الغربية في هزيمة الدول والجيوش الوطنية في كلّ من سورية والعراق من خلال الفتنة الطائفية.

ـ وهي تأتي في ظلّ فشل مشاريع التقسيم في العراق وسورية.

ـ وتأتي ايضاً في ظلّ تغيّر موازين القوى في المنطقة بما يعاكس كلّ أحلام «إسرائيل» وحلفائها من غرب وعرب.

ـ وهي تأتي في ظلّ الفشل المتراكم في سياسات ومقاربات السعودية في سورية واليمن والعراق وانفجار أزمة عربان الخليج الداخلية.

ـ وهي تأتي في ظلّ ارتباك أميركا وعجزها عن حشد العالم وراء أجنداتها وأولوياتها.

ـ وهي تأتي في ظلّ إعلان دونالد ترامب أنّ استراتيجيته الراهنة وأولويته هي مواجهة إيران وتأديب حزب الله.

لكلّ هذا لا يمكن أخذ أيّ من المبرّرات التي وردت في خطاب استقالة الحريري على محمل الجدّ… فكلّ ما في الأمر أنه تلقى أمر عمليات مباشراً وفورياً وبدون مقدمات وبالتالي ليس أمامه سوى التنفيذ.

فمن استمع لخطاب الاستقالة سيعتقد أنه يستمع لخطاب يملك شروط تحققه… لكنه في الحقيقة خطاب هزيمة شاملة ولكن بنبرة من يسرج الخيل بعد أن وضعت الحرب أوزارها أو تكاد…

ومع ذلك ورغم كلّ شيء… فأنا لا ألوم سعد الحريري.. فهو يعرف بالتأكيد كيف وأين تموضعت موازين القوى بعد 6 سنوات من الحرب على سورية، ويعرف أنّ الأمر قد قُضي وانتهى… ولكن ماذا سيفعل الرجل حين يأتيه قرار المشغل.. ويطلب منه أن يسرج حصانه وأن يتحدث بلغة وكأن المواجهة والغزوة لم تبدأ بعد… مع أنّ الفرسان قد حسموا النزالات وهم يكتبون الآن فصلها الأخير!؟

أما لمن يتحسّبون من تداعيات هذه الحركة أو من يراهنون عليها فإني أقول لهم: اطمئنوا فلو كان بمقدورهم أن يفعلوا شيئاً لفعلوه في دمشق وحلب وحمص، في دير الزور وجرود عرسال والبادية والتنف، وجنوب لبنان، والميادين، والقائم وكركوك، والأنبار واليمن… ولفعلوه منذ زمن بعيد ضدّ إيران وبرنامها النووي، ولفعلوه فوراً وبدون عنتريات ضدّ الأخ كيم جونغ أون… فمنذ متى تتردّد أميركا و«إسرائيل» في خوض حروب محسومة النتائج!؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى