مصادر عسكرية لـ«البناء»: التهويل الأميركي السعودي استباقي لمعركة الرقة الحريري سيعود ليؤكد الاستقالة… وحكومة التكنوقراط تسقط بالضربة القاضية
كتب المحرّر السياسي
قالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ «البناء» إنّ العودة المؤكدة لرئيس الحكومة سعد الحريري ستكون خلال أيام مقبلة لتأكيد استقالته، بموجب صفقة دولية إقليمية يضمن فيها الفرنسيون والمصريون عدم خروجه عن توجيهات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتأكيده استقالته، والدفاع عن مضمون الموقف التصعيدي بوجه حزب الله، مقابل السماح له بهامش من حرية الحركة، يتضمّن عودته إلى لبنان، وقالت المصادر إنّ تأكيد الحريري للاستقالة ومضمونها لا يغيّران من حقيقة كونها قد فرضت عليه بالإكراه، وهو الغائب عن السمع لأيام، وعن شغفه بوسائل التواصل، ولن ينفع بتبديد التساؤلات حول وضعه الحرج أيّ توضيح سعودي، لا قيمة له، عندما تكذّب الأفعال ما تدّعيه الأقوال، فالحريري منذ ليلة السبت السعودي الطويل، هو غير الحريري الذي عرفه اللبنانيون لسنوات.
أضافت المصادر أنّ المشاورات التي تتمّ على المستويات السياسية والدبلوماسية والأمينة كلها، تطمئن إلى أن لا مبرّر للقلق على مستقبل الاستقرار الأمني والمالي في لبنان، وأنّ التعامل مع ما بعد عودة الحريري سيتمّ بالتقسيط، فلكلّ مقام مقال، رغم القناعة المؤكدة بعجز الحريري عن التراجع عن الاستقالة وربما العجز عن قبول إعادة تكليفه تشكيل حكومة جديدة، لكنها أوضحت أنّ خيار حكومة تكنوقراط يلبّي مضمون الطلب الأميركي السعودي «الإسرائيلي» الذي بات معلناً، بحكومة تستبعد حزب الله، ليس وارداً على الطاولة، وحكومة تكنوقراط تستبعد الوجوه الحزبية لكلّ الأطراف بهدف استبعاد حزب الله، تندرج ضمن هذا الممنوع، بهدف تصوير الأمر انتصاراً للمحور المعادي للمقاومة، هو ربح لن يناله أعداء حزب الله الإقليميون والدوليون. وهذا موضع إجماع، عبّر عنه دبلوماسيون روس كبار، وأكد عليه النائب وليد جنبلاط، بالإضافة لحلفاء حزب الله اللبنانيين والإقليميين.
مصادر عسكرية إقليمية متابعة لأحداث المنطقة قالت لـ «البناء» إنّ كلّ المعطيات التي كانت تملكها الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة منذ أسبوع كانت تشير إلى أنّ تحرير البوكمال على أيادي الجيش السوري وقوى المقاومة مسألة أيام، وتحقيق هذا الإنجاز بالسرعة التي تمّ فيها، كما كان متوقعاً يفسّر جولة مستشار الشؤون الدولية لمرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي الدكتور علي ولايتي، في المنطقة، والتصريحات التي أدلى بها سواء حول تحرير الرقة من يد الميليشيات الكردية ومن ورائها الأميركيين، أو حول تحرير إدلب، كما يفسّر كلام المستشارة السياسية للرئيس السوري بشار الأسد الدكتورة بثينة شعبان عن التوجّه نحو شرق الفرات لاسترداده، منعاً للتقسيم، وعن تصنيف الوجودين الأميركي والتركي كاحتلال أجنبي، وقالت المصادر إنّ الأميركيين والسعوديين سارعوا بعد دخول الميليشيات الكردية إلى الرقة لتظهير صورة تعاونهم بزيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج والذي يتولى إدارة الملف اللبناني ثامر السبهان، إلى جانب المسؤول الأميركي عن القوات الأميركية في سورية والعراق الجنرال بيرت ماكفورك، والأول ممثل شخصي لولي العهد السعودي والثاني ممثل شخصي للرئيس الأميركي، للإعلان عن نية تحويل الرقة معقلاً مشتركاً لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة. وتقول المصادر العسكرية إنّ قرار سورية وحلفائها باسترداد الرقة أربك الأميركيين والسعوديين، وشكل المدخل لجولة التصعيد التي نشهدها وما يرافقها من لغة تهديدية بالحرب، ومحاولة وضع معادلات ردع مقابلة، مثل الحديدة في اليمن مقابل الرقة في سورية، وحكومة الحريري وتغطيتها لوجود حزب الله في سورية وسلاحه مقابل توسّع مشاركة حزب الله في معارك ما بعد البوكمال.
مشاورات بعبدا: الحريري رئيساً حتى إشعار آخر
لم تحمل الوقائع المتتالية الآتية من الرياض أي جديد يدفع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى تعديل أو تبديل موقفه إزاء استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، وقبل أن تحطّ طائرة الحريري الخاصة أرض مطار بيروت الدولي، وعلى متنها «الرئيس المحرر» وإدلائه «إفادته السياسية» أمام الرئيس عون في بعبدا، لن يخطو رئيس البلاد والمؤتمن على الدستور خطوة واحدة تدخل لبنان في مهب العاصفة الرملية التي حصدت حتى الآن عشرات أمراء الصف الأول، فالاتصالات مقطوعة على خط بعبدا – مكان الإقامة المجهول للحريري الذي سيبقى رئيساً للحكومة حتى إشعار آخر، هذا ما أفضت اليه مشاورات بعبدا في يومها الثاني التي يجريها الرئيس عون التي بدأها مع رؤساء الجمهورية والحكومة السابقين ورؤساء الكتل النيابية واستكملها أمس، مع القيادات والشخصيات السياسية والحزبية على أن يوسّع المروحة اليوم لتشمل الهيئات الاقتصادية من الاتحاد العمالي العام ونقابات المهن الحرة والبطريرك الماروني بشار الراعي الذي أعلنت مصادره أن زيارته الى الرياض مرهونة بالمشاورات، ويتوّجها الجمعة بلقاء سفراء مجموعة الدعم الدولية وسفراء الدول العربية.
وقالت أوساط بعبدا لـ «البناء» إن «الرئيس عون مصرّ على موقفه من اعتبار الاستقالة غير موجودة، لأنها لم تراع الأعراف والقواعد الدستورية وتمّت خارج الأراضي اللبنانية، وبالتالي الحكومة قائمة وشرعية ودستورية، ويمكنها ادارة شؤون البلد حتى إشعار آخر، وإن لن تعقد اجتماعات في غياب رئيسها»، مشيرة الى أن «عون لن يتخذ أي قرارٍ حتى عودة الحريري للتشاور معه في ما خصّ أسباب الاستقالة وما بعدها». وأوضحت الأوساط أن «رئيس الجمهورية يهدف من خلال المشاورات الوطنية التي يقودها الى تأمين الإجماع الوطني والدعم الدولي والعربي حول القرار الذي سيتخذه بعد لقائه رئيس الحكومة واستبيانه أسباب الاستقالة وتأكيدها».
ولفتت الى أن «الرئيس عون يتعامل مع الأزمة السياسية بشكل تدريجي، فهو امتصّ الصدمة في بدايتها، وبدأ خطوات المعالجة التي تحتاج الى بعض الوقت، لأن الأزمة ليست فقط داخلية، بل ترتبط بالتطورات السعودية الداخلية»، مشيرة الى أن «الرئيس عون بالتنسيق مع رئيس المجلس النيابي والقيادات السياسية يتصرّف وفق الأجندة اللبنانية وليس الخارجية وهو يتصرف وفق الوقائع اليومية التي تتوالى من الرياض»، وأكدت أن «الاتصال مازال مقطوعاً مع الحريري منذ الاتصال اليتيم السبت الماضي». ولفتت الى أن «هناك تقديراً لحراجة وظروف الرئيس الحريري عطفاً على الأبعاد الخارجية في الأزمة، ما يستدعي التريث من الرئيس عون والبحث عن الموقف المناسب وهو ينتظر الاتصال مع الحريري أو الحضور الى بيروت لتأكيد الاستقالة وبعدها يصار الى الدعوة الى استشارات نيابية ملزمة وفقاً للآليات الدستورية ومن ينل الأكثرية النيابية فسيكلف لتأليف حكومة جديدة».
ورفضت أوساط بعبدا حكومة التكنوقراط، إذ لا وجود للحياديين في لبنان. فالجميع لديهم انتماءات وولاءات وخيارات سياسية معنية، كما رفضت المصادر فكرة البحث بحكومة من دون مشاركة حزب الله، لأنه وحركة أمل يمثلان المكون الشيعي في لبنان وأي حكومة من دونهما ستواجه عدم الميثاقية والوطنية».
وأكد رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل أننا «نحن مَن اخترنا رئيس الجمهورية ونحن مَن اخترنا رئيس الحكومة، ولا أحد يستطيع أن يغيّرهما وخيارنا بيدنا ونحافظ عليه بوحدتنا وإرادتنا».
وفي حين حاولت بعض الأبواق السياسية والإعلامية التهويل على لبنان، بأن هناك متغيرات جديدة في السعودية والولايات المتحدة ومشاريع جديدة مقبلة على المنطقة ستحدل مَن يقف في وجهها»، قالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن السعودية أرادت من خلال خطوة إقالة الحريري استفزاز رئيس الجمهورية وحزب الله واستدراج ردات فعل سياسية كقبول عون الاستقالة والإسراع الى الدعوة لاستشارات نيابية لتكليف رئيس حكومة غير الحريري ومن خط سياسي آخر. الأمر الذي سيشعل الشارع السني ويدخل البلاد في توترات طائفية ومذهبية من جديد». وشدّدت المصادر على أن «محاولات اقصاء حزب الله عن التركيبة الحكومية ترجمة لتهديدات وأوامر السبهان لن تمر. فتجربة الدوحة بعد أحداث 7 أيار لن تتكرّر ولن يُسمح للسعودية ورعاتها أميركا و«إسرائيل» أن تحقق في السياسة ما عجزت عنه في الحرب، كما أن الضغوط على لبنان لن تدفع رئيس الجمهورية والقيادات السياسية الى ادارة الأزمة وفق الاجندة الخارجية».
موقف بعبدا، لاقته موسكو، على لسان سفيرها في لبنان الكسندر زاسيبكين الذي أعلن أمس، رفض بلاده إقصاء حزب الله عن أي تشكيلة حكومية مقبلة، وقال: «نحن نتابع موضوع استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري عبر وسائل الإعلام ولدى روسيا موقف خاص من هذا الموضوع»، كما شدد على أن «ما يحدث نحن لا نعرف تفاصيله، لذلك نحن قلقون منه»، معتبراً أن «المبالغة في التدخل بالموضوع لا تنفع».
وقد دخلت مصر على خط أزمة لبنان والصراع بين الرياض وطهران، وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تصريح لافت «أننا نعارض توجيه ضربات عسكرية ضد إيران و حزب الله»، معتبراً أن «الوضع في السعودية مطمئن ومستقر».
وقد رصدت طائرة الحريري الخاصة أمس، على الخطوط الجوية اللبنانية السعودية، ليتبين لاحقاً أن الحريري ليس على متنها، كما أكد النائب المستقبلي عقاب صقر، الذي أكد أن الحريري سيقوم بجولة عربية قبل أن يعود الى بيروت.
بري: الحكومة كاملة الأوصاف
وفي سياق ذلك، بقيت عين التينة على الموجة نفسها مع بعبدا إزاء مواجهة الأزمة الراهنة، وأكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، خلال لقاء الأربعاء أن «الحكومة ما زالت قائمة، وان اعلان الرئيس الحريري استقالته بهذا الشكل لن يغير من كامل أوصافها». ورأى أن «اللبنانيين على رغم كل الأزمات التي واجهتهم استطاعوا ان يتجاوزوا كل الصعاب متسلحين بوحدتهم وتحصين ساحتهم الداخلية»، معتبراً أن «ما يواجهنا اليوم يفترض منا جميعاً أن نحصن هذه الوحدة».
ونقل زوار بري عنه قوله لـ «البناء» «إننا الآن في مرحلة ادارة الازمة بما يتوافق مع الأصول الدستورية والحفاظ على المنطق الدستوري السيادي بما خص الاستقالة والحكومة قائمة». ونفى الزوار مواقفة رئيس المجلس على تشكيل حكومة تكنوقراط، مشيرة الى أن الأمر سابق لأوانه، و»عندما نصل اليها نصلي عليها».
ورجّحت مصادر نيابية لـ «البناء» أن «يعود الحريري خلال 72 ساعة المقبلة لإيداع استقالته لدى رئيس الجمهورية ضمن المخطط السعودي المرسوم»، ولفتت الى أنه «في حال أفضت الاستشارات النيابية الجديدة الى إعادة تسمية الحريري. وهذا المرجّح من خلال مواقف الكتل النيابية، فسيصار الى تكليفه تشكيل حكومة، وإن كان خارج البلاد، سيدعوه رئيس الجمهورية الى العودة وتأليف حكومة، لكن في حال لم يعد سيصار إلى إعادة الاستشارات لتكليف شخصية مقربة من الحريري وتحظى بإجماع وطني وسياسي، وعلى الأغلب الرئيس تمام سلام».
وغرّد رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط عبر تويتر أمس، قائلاً: «من أجل التاريخ كي لا ندخل في المجهول أفضّل تسوية لاستقرار لبنان هي حكومة الوحدة الوطنية الحالية ولن أزيد».
واستقبل بري السفير الفرنسي برونو فوشيه الذي يجول على المسؤولين والقادة اللبنانيين لعرض الأوضاع في لبنان والمنطقة، ووجّه إليه دعوة لزيارة فرنسا سيتفق على موعدها لاحقاً.
مواقف دولية داعمة لاستقرار لبنان
وقد أظهرت المواقف الدولية التي تتوالى، تفرّد السعودية بقرار إقالة رئيس الحكومة اللبناني بدعمٍ أميركي «إسرائيلي» واضح، من خلال الاستغراب الشديد الذي تبديه الدول حيال خطوة الاستقالة، وإجماعهم على دعم لبنان والحفاظ على وحدته واستقراره السياسي والامني والاقتصادي، وأمس أكد سفراء الاتحاد الأوروبي في لبنان في بيان «دعمهم القوي وحدة لبنان واستقراره وسيادته وأمنه وشعبه» بعد استقالة الرئيس الحريري، داعين «جميع الأطراف إلى متابعة الحوار البنّاء والاعتماد على العمل المنجز خلال الأشهر الأحد عشر الماضية بهدف تقوية مؤسسات لبنان والإعداد للانتخابات النيابية في مطلع 2018 وفقاً لأحكام الدستور، ومجددين «التزامهم المستمر بالوقوف إلى جانب لبنان ومساعدته في إطار الشراكة القوية لضمان استقراره وتعافيه الاقتصادي المستمرين».