آخر طبعة الإسلام أيضاً ألمانيا
بلال شرارة
ممّا لا شك فيه أنه جرى تعميم الإسلام فوبيا في أنحاء الغرب كافة على خلفية أحداث 11 أيلول/ سبتمبر وعمليات الدهس والعمليات المسلحة التي جرت في أنحاء الغرب، ولكن هذا لا يعني أنّ ما جرى يعبّر عن تصوّر إسلامي فائق يهتدي إلى الانتقام من الغرب الكافر والمنتهك حقوق الإنسان المسلم في البلدان الإسلامية نتيجة الاحتلال احتلال فلسطين ، أو الانتداب الأجنبي، أو مشاريع التقسيم سايكس بيكو ، أو حرب السيطرة والتدخلات مشروع الشرق الأوسط الجديد .
إنّ كلّ العناوين التي اتخذتها بعض القوى القاعدة وداعش والعناوين التي ولدت من رحم الإخوان المسلمين معه، تثبت الأيام أنّها من توليد أجهزة وترتبط بالغرب ارتباطاً وثيقاً.
وتشير المعلومات إلى أنّ هذه القوى إنما يجري تعزيزها بآلاف عناصر من المرتزقة من شتى دول العالم وذلك وفق جداول وأرقام جرى نشرها وتضمّ آلاف القادمين من أوروبا الغربية أو شرق روسيا وحتى سجناء سابقين.
ولكن كلّ ذلك لا يبرّر الانتقام الإيدولوجي من الدين الإسلامي ومحاولة إنشاء أديان إسلامية تابعة لدول، خصوصاً أنّ وجود فرق ومذاهب إسلامية إنما نبع في عصور سابقة من أصولية بعض المسلمين الذين يعتبرون أنّ التفسير القائم للإسلام ليس حقيقياً، وهم أفتوا بحرمته أو بالتمرّد عليه، أو أنهم خرجوا على المشروع الإيدولوجي للسلطة السياسية التي كانت تستخدم مفسّرين للآيات ولغة الخطاب الديني لخدمة السلطات.
هذا وكانت صحيفة «إيزفيستيا» الروسية قد نشرت تقريراً تطرّقت فيه إلى برنامج المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في شأن تكييف الإسلام القيم الليبرالية الألمانية: مشيرة إلى أنّ برلين تطلق برنامجاً لتحرير الدين.
وجاء في التقرير: أنه على أعتاب الانتخابات البرلمانية في ألمانيا عام 2017 حصلت منذ وقت قليل ، بدأت حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل العمل ببرنامج لتكييف الدين الإسلامي مع القيم الليبرالية الألمانية. وذلك لأنّ تدفق اللاجئين من الشرق الأوسط أدّى إلى انخفاض شعبية ائتلاف «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»/ «الاتحاد الاجتماعي المسيحي» الحاكم، وإلى توترات اجتماعية. وتهدف السلطة بهذه المبادرة إلى تحسين الأوضاع.
وقد ذكر مصدر في حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» بأنّ «الإسلام الألماني» هو المشروع الأكثر ضخامة وطموحاً للحكومة الألمانية على مدى السنوات العشر الأخيرة. وتعود فكرة طرح هذا البرنامج إلى الائتلاف الحاكم، حيث جرت وراء الكواليس مناقشة الخطوط العامة للبرنامج التكاملي، الذي بدأت وزارات عدة مثل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومؤسسات أخرى. بالعمل عليه، ولكن الدور الرئيس فيه أنيط بوزارة الداخلية. وبحسب رأي المبادرين، فقد بدأ العمل بهذا البرنامج خلال هذا العام 2017.
وكان وزير المالية، عضو الائتلاف الحاكم فولفغانغ شويبله قد طرح على الحكومة الألمانية في السابق مسألة ضرورة إنشاء ودعم «الإسلام الألماني»، حيث يجب وفق رأيه أن يعتمد على القيم الليبرالية المميّزة للثقافة الألمانية، مثل التسامح والحرية. واعترف الوزير الألماني بأنّ زيادة تعداد المسلمين في ألمانيا هو تهديد للبلاد، لأنهم «من ثقافات مختلفة تماماً». ويُذكر أنّ ميركل قالت في وقت سابق إنّ الإسلام يدخل في طبيعة ألمانيا مما أثار عاصفة ضدّها.
أما ممثلو حزب «البديل لألمانيا»، فهم غير واثقين من احتمال اندماج هذا العدد الكبير بالمجتمع الألماني. إذ يقول رئيس الحزب ماركوس فرونماير إنّ الإسلام ملزم بالتكيّف مع الثقافة الألمانية، إذا كان يريد الإقامة في ألمانيا. وإنّ ما طرحه وزير المالية دليل على أنّ غالبية المسلمين في ألمانيا غير ليبراليين، أيّ لا تهمّهم القيم الألمانية. لذلك لا ينبغي لألمانيا السماح لهم بدخول أراضيها.
وبحسب رأي المحلل السياسي الألماني ألكسندر رار، فإنّ الائتلاف الحاكم يطرح منذ زمن فكرة وضع برنامج للتقريب بين الإسلام والقيم الألمانية على أساس ليبرالي. والحديث يدور حول تحديث الإسلام وتحريره ؟! كما حصل مع المسيحية! فالقيم العامة والليبرالية تعتبر لدى الحزب الحاكم أعلى من الدين! وهم واثقون من إمكانية تحرير الإسلام ! وتقريبه من القيم الألمانية ؟! ولكن من جانب آخر هناك مَن يعتقد بأنّ تحقيق هذا أمر صعب جداً.
من جانبه، يقول المحلل السياسي من مركز الدراسات الألمانية في معهد أوروبا ألكسندر كامكين إنّ فكرة «الإسلام الألماني» قديمة، ولكن ضرورة تحقيقها برزت حالياً. إذ إنّ في المدن الألمانية الكبيرة منظمات إسلامية تعدُّ معقلاً للوهابية. وهذا يشكل خطورة جدية على أمن المواطنين. وعلى هذه الخلفية تتّسع شعبية حزب «البديل لألمانيا» الذي يعلن صراحة عن ضرورة وقف تدفق اللاجئين. ويضيف كامكين أنّ ميركل والائتلاف الحاكم بحاجة إلى مشروع ناجح في مسألة اللاجئين.
إنّ واحداً من الإسلام الجديد الناشئ هو الإسلام الألماني . وهذا يعني أنه يجري ضخ إسلام ألماني ونحن عانينا ما فيه الكفاية من طبعات إنكليزية سابقة أنتجت لنا الإخوان المسلمين، الوهابية، القاديانية وحزب الدعوة.. والمخفي أعظم واليوم بل ومنذ مطالع الألفية الثالثة نقف أمام طبعات مخابراتية متنوّعة.
ربما على المراجع الإسلامية العليا في الأزهر الشريف والنجف الأشرف وقم المقدّسة ومكة المكرّمة أن ينتبهوا إلى أننا لسنا بحاجة إلى تأكيد الإسلام الوسطي فحسب، وأن تمنع تفسيره وتحرم التشريعات التي تفتي بالقتل والاستيلاء والسيطرة والاستبعاد، وهذه نسخة الإسلام الألماني على بساط البحث أمامها.
نحن، ربما علينا الانتباه الشديد من خطر المشاريع الإيدولوجية إلى جانب السياسية والتنظيمية باسم الإسلام حتى لا تتكرّر تجربة داعش أو استخدام الإسلام للاستسلام للنظام السياسي القائم.