قالت له

قالت له

قالت له: أخشى من الموت على نفسي وعلى أهلي لكنّني أخشى من الموت أن نفترق.

فقال لها: وأنا ما عدت أخشاه، فقد آمنت أن قبوله يجعلنا أشدّ حبّاً وأسعد قلباً وأكبر عقلاً وأنقى فعلاً.

فقالت: وكيف ذلك؟

قال: لأننا عندما نتصالح مع الموت ندرك أن اللحظة ستأتي مفاجئة فكيف نلاقيها متخاصمين.

قالت: وبعد؟

فقال: لا يقوى على خصام حبيب من يتصالح مع الموت، ولا يترك وقتاً متاحاً للحبيب لغدٍ قد لا يكون ولا يصل في التمسّك بالأنا حدّ الجنون، ولا يدع مجالاً للشكوك والظنون، ويبذل لإسعاد الحبيب ما بين يديه. فقد يكون وقد لا يكون.

قالت: أتدعوني لجعل كلّ لقاء كأنه الأخير، وأن يكون الوداع هو النفير؟

قال: أدعو كلينا للتبصر والتفكر. ألن يكون واحداً من لقاءاتنا هو الأخير؟

قالت: بلى.

فقال لها: لماذا إذاً نتصرف كأننا نعلم سلفاً أيّ من لقاءاتنا هو آخرها، ونظنّنا نتحكّم بالمصير؟

قالت: هو التفاؤل.

فقال: بل هو التساهل.

قالت: هو الأمل.

فقال: بل هو الكسل.

قالت: كيف تقول ذلك؟ أنحيا بلا تفاؤل ولا أمل؟

قال لها: نودّع بعضنا بتفاؤل وعلى أمل، ونخاطب بعضنا ونحاسب بعضنا كأن ما جمعنا اليوم هو آخر ما كتب وما حصل. فلا نترك حبّاً ولا نبضاً ولا قلباً إلّا وقد وصل، ولا ندع خصاماً ولا عتاباً ولا شكوكاً ولا شكوى تقطع ما اتّصل.

فقالت: هل تستبق بهذا عتابي؟

قال: بل أقرأ صفحة من كتابي.

قالت: وماذا أفعل بعذابي؟

قال: تعالي نجرّب من جديد أن نمضي بلا عتاب وبلا عذاب، ونتصرّف كأننا نقرأ آخر صفحة في الكتاب.

قالت: إذاً، ظنوني في مكانها وتتهرّب من زمانها.

قال: إذاً، أنسحب من العرض الأخير وحاضر لعتاب طويل أو قصير، ولن توقعيني في عذاب مفتعل للضمير.

قالت: من هي التي كانت معك في المقهى في شهر تشرين؟

قال: كنّا في أمسية للشعر وكانت قاعة لا مقهى، والطاولة تتّسع لعشرين.

قالت: لكنك كنت تحدّثها ألا تعرفها؟

قال: لم أسألها اسماً ولا عنواناً ولا رقم هاتفها

قالت: وكيف أتأكد؟

قال مبتسما: سأسال صديقاً عن اسمها ورقم هاتفها وأطلبها، لتسأليها إن تعارفنا.

فقالت: قبل أن تفعل سنكون قد تعاركنا.

قال لها: والموت سيدتي، ألا يزال يخيفك عليّ وتبكيني؟

قالت وهي تضحك: يخيفني أن أموت قبلك وأسال التي معك من تكونين.

فعانقها وهما يضحكان… وهو يقول: الحكاية فصول وفصول، تتغيّر التفاصيل وتبقى الأصول.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى