أنزور ينهي تصوير «وحدن» في السويداء: عمل فكريّ جريء يشكّل تحوّلاً في الدراما السورية
دمشق ـ آمنة ملحم
ثلاثة أشهر متواصلة مصحوبة بتقلّبات شديدة في الطقس وصعوبات طبيعية عدّة مع همّ دراميّ كبير بضرورة تقديم عمل يساهم في إعادة الألق المفقود وهجَه للدراما السورية، قضاها المخرج اسماعيل نجدة أنزور برفقة فريق عمله في تصوير مسلسله الدرامي الجديد لموسم 2018 «وحدن»، عن نصّ للكاتبة ديانا كمال الدين، وذلك في قرية الغيضة ـ ريف السويداء.
لم يكن اختيار الغيضة موقعاً للتصوير متعلقاً بلجهة محدّدة للعمل، بل اللهجة البيضاء هي ما استخدمها شخوص العمل ككلّ، ولكن طبيعة المنطقة الخالية من السكان كقرية جبلية وعرة تحمل ملامحها مشاقّ ومتاعب الحياة، جعلها المنطقة الأكثر تلاءماً مع بنية النصّ المسبوك بحِرفية، ليروي معاناة نساء القرية بعد أن هجرها رجالها لأسباب مختلفة، حتى تكاد تصبح خالية إلّا من النساء اللواتي اتّخذت كلّ منهن من نفسها وقوّتها الداخلية ملاذاً لاستمرارية العيش والتمسّك بالبقاء في الأرض، مع حكايات كثيرة ومتشعّبة لما يقارب خمسين شخصية في العمل، أغلبها من النساء، وكلّ منهن أمّ أو ابنة نراها بطلة في مرحلة معيّنة، تدور حولها الأحداث، والباقي حولها كومبارس في حدودتها الخاصة.
البطولة الجماعية السمة الأبرز للعمل الذي يضمّ نجوماً، وفي الوقت نفسه فئة كبيرة من الشباب الخرّيجين الأكاديميين.
في زيارة إلى «الغيضة»، تلمس محبة كبيرة من أهالي القرية للكادر الذي بات يشعر بوحدة حال معهم، يقاسمونهم المكان والطعام بمحبّة وشغف لرؤية قريتهم تتحوّل من منطقة خالية غير واضحة المعالم إلى قرية جميلة مرمّمة وصالحة لاجتذاب السيّاح في أقرب فرصة، لا سيّما بعد عرض العمل الذي سيلفت النظر إلى المنطقة كلّها، وذلك الترميم.
وفي حديث إلى «البناء»، أشار المخرج اسماعيل نجدة أنزور إلى أنّ العمل استغرق وقتاً وجهداً وتكاليف من شركة الإنتاج سبقت مرحلة التصوير كي تتلاءم القرية مع بناء الحكاية المصوّرة وتظهر بأفضل شكل لها.
أنزور أغلق عدسته مؤخراً معلناً انتهاء تصوير العمل الذي تنتجه «شركة سما الفن»، وانتقاله إلى مرحلة المونتاج. وعن العمل يقول إنّه يتقاطع مع حياة السوريين في الأزمة، إنما بأسلوب غير مباشر، فلن يكون تكراراً لنشرات الأخبار، بل عمل فكري جريء يركّز على الجانب الإنساني، لا سيّما المرأة التي هي الحياة والأرض. في حين أنّ أنزور يعكس صورة المرأة الشرقية بمختلف العصور وطريقة تأقلمها وتعاملها مع تغيّر الظروف التي قد تمرّ بها.
ويؤكد أنزور أنّ «وحدن» سيشكّل خطّاً أحمرَ جديداً في الدراما السورية كما شكّل «نهاية رجل شجاع» في وقته تحوّلاً في الدراما. فبعد سبع سنوات من الأزمة كان لا بدّ من البحث عن حركة جديدة وإضافة إلى الدراما تليق بمستقبل سورية. والعمل يحترم عقل المشاهد ويعتمد البطولة الجماعية، كما تشكّل الملابس فيه التي صمّمتها سحاب الراهب تميّزاً كبيراً، فالعمل يضمّ جميع أنواع الأزياء من القرن السابع عشر وحتى القرن الحالي.
وعلّق أنزور على تكرار التجربة مع الكاتبة كمال الدين بعد فيلمَي «فانية وتتبدّد»، و«ردّ القضاء» بأن هذه التجارب ستستمر طالما تقدّم نصوصاً جيدة ومتميّزة. لم تشهد الدراما السورية منذ مدّة نصّاً جريئاً وموضوعياً كنصّ «وحدن» على حدّ تعبيره.
بدورها، قالت الكاتبة كمال الدين إن العمل محاولة للتصدّي لصورة المرأة التي عكستها بعض الأعمال الدرامية مؤخّراً. فهو لن يقدّمها كامرأة خاضعة. كما أنها ليست متحرّرة بالكامل من القواعد كافّة، بل هي التي صمدت وتحمّلت متاعب الحياة وحافظت على نفسها وأرضها. وهي تلك المرأة التي تسعى وراء أحلامها وطموحاتها في الوقت عينه.
كمال الدين رافقت أنزور أيضاً كمخرجة منفّذة في العمل الذي يحمل وفق حديثها كمّاً كبيراً من الأفكار والرسائل المبطّنة تارة بالضحكة وتارة بالدمعة، مراهنةً أنّ كل شخص سيتابعه سيجد نفسه فيه بشخصية ما، وبأنها حرصت على كل مشهد فيه ألا يفلت من متابعة الجمهور، ليجد المشاهد نفسه مع نهاية كل حلقة منتظراً تتمة الأحداث كي يعرف ما الذي سيحصل، مع كمية من التساؤلات التي سيطرحها على مدار العمل.
نماذج عدّة للنساء في القرية يقدّمها العمل، فمن أبطاله الفنانة نادين خوري التي تجسّد شخصية «أم عادل»، وهي كتلة من التناقضات. فهي قاسية ومرنة وحنون وجلّادة لأبنائها، ولديها ثوابت وقرار وصاحبة موقف. الفنانة أمانة والي نمط المرأة الشريرة، والفنانة هناء نصور «أمّ ربيع» التي تطغى أمومتها في العمل على الشخصية لتؤكّد أنّ الأمّ جذر الحياة الذي لا ينقطع.
وتلعب الفنانة نهاد عاصي دور «أمّ تحسين» الأمّ التي فقدت ابنها، وهي امرأة مؤمنة بالقضاء والقدر، تحمل عبء الحياة بعد رحيل رجال القرية كغيرها من النساء. إلّا أنّ عاطفتها تتحكّم بها بشكل كبير وتجعلها منحازة إلى إحدى الشخصيات التي تتآمر على الضيعة حتى اللحظة الأخيرة، حيث تتعرّض لموقف يغيّر نظرتها إلى الأمور. كما تحمل في داخلها كبتاً من صغرها تحاول ألّا تكرّره مع بناتها.
الفنانة سوسن ميخائيل تلعب دور «أمّ عامر» كشخصية جديدة كلّياً عليها، حيث ستكون بعمر كبير وملامح زمنية خطّتها السنين على وجهها. إلّا أنّ بعض المشاهد ستحملها لعالم الأحلام لتبدو بصورة مختلفة.
ومن بين الفتيات الشابّات تلعب الفنانة توليب حمودة دور «هادية» المثقّفة في القرية وتقودها في فترة ما، وتضيء على أنّنا بحاجة إلى العلم لنخرج من كثير من المشاكل التي نعيشها.
أمّا من رجال القرية محدودي العدد، فنرى الفنان مروان أبو شاهين يغادرها بعد اتهامه بالخيانة من قبل زوجته. ورغم تمسّك ابن شيخ القرية بفكرة الهجرة والسفر، سنرى سليم صبري «أبو مروان» متشبثاً بالبقاء، مع جهاد الزغبي «الخوري الياس» مجسّدين حالة اتحاد الدين الإسلامي ـ المسيحي حيث يسعيان إلى إصلاح الأمور وحلّ المشاكل. ولكنّ المصائب دائماً تزيد عن حدّها في إسقاطٍ على ما يحصل في البلد بشكّلٍ غير مباشر.
الخوري والشيخ يعيشان في العمل علاقة قويّة بمضمون الدين لا شكله، وأبرز ما يصلان له مقولة: «يكفينا وضع الناس في الكنيسة والجامع… دعنا نضع الكنيسة والجامع في قلوبهم وسنرى الخوري في لحظة يكفّن الشيخ عند مماته ويرفع أذان الفجر عوضاً عنه، في رسالة إنسانية واضحة بأن لا فرق بين مسلم ومسيحيّ».
على رغم الأزمة التسويقية التي تعانيها الدراما السورية في السنوات الأخيرة، إلّا أنّ مخرج العمل وكاتبته يبديان تفاؤلهما بما صنعاه مع فريق العمل ككلّ، ولا يحملان أي تخوّف من فكرة التسويق.
بطاقة العمل:
إنتاج: «سما الفنّ الدولية للإنتاج الفنّي» لعام 2018.
إخراج: نجدة إسماعيل أنزور
كتابة: ديانا كمال الدين
مدير التصوير والإضاءة: محمد حبيب
المخرج المنفّذ: ديانا كمال الدين
ترميم القرية والديكور: عصام الداهوك
المساهمة الفنّية: الفنّانة التشكيلية هويدا أبو حمدان
تصميم الأزياء: سحاب الراهب
ماكياج: منى حسن
كوافير: فايز المنجد ـ عماد طيبة
مشرف الأكسسوار: حسان يونس كردية
مهندس الصوت: خلدون يازجي
مونتاج: وسيم مغربل
التأليف الموسيقي: فراس هزيم
سكريبت: رشا حبّ الله
تمثيل: نادين خوري، سليم صبري، جهاد الزغبي، فايز قزق، مرح جبر، أمانة والي، لجين إسماعيل، مروان فرحات، مجد فضة، لمى الحكيم، سحر فوزي، نهاد ابراهيم، تماضر غانم، لوريس قزق، توليب حمودة، مروان أبو شاهين، آلاء عفاش، مجد مشرف، حسام سكاف، تسنيم باشا، هشام كفارنة، رامي أحمر، سوسن ميخائيل، محسن عباس، كنان العشعوش، رنا العظم، يوسف مقبل، ياسر سلمون، هبة زهرة، عامر علي، رباب مرهج، هناء نصور، أنس الحاج، رشا بلال، ربى السعدي، سيوار داود، إيناس زريق، نهاد عاصي، عدنان عبد الجليل، رشا رستم، راما عيسى، علي إبراهيم، فرح الدبيات، طارق نخلة، نادين الشعار، وبلال مارديني.