85 عاماً على تأسيس الحزب… فرادة وإنجازات
د. أحمد مرعي
يُضيء الحزب السوري القومي الاجتماعي شمعته الخامسة والثمانين، وفي هذه المناسبة يحتفل «القوميون» كلّ عام، ليس لمجرد الاحتفال، وإنما لما يمثله هذا الحدث من قيمة وأهمية. فالعبرة هي ليست بالتأسيس وإنما بمعنى التأسيس وبأهمية هذا العمل «الخطير» الذي قام به سعاده.
عندما شبّ أنطون سعاده كان قد بدأ يدرك أنه يعيش في عالم غير عادل، عالم ينتشر فيه الظلم والقهر، والفساد المناقبي والروحي. فهو الذي وعى الحرب العالمية الأولى، وهو الذي رأى بلاده تقسّم أمام عينيه وفقاً لاتفاقية سايكس – بيكو ، وهو الذي عايش حقبة صدور قرار يقضي باقتطاع جزء من بلاده لشعب ليس له حق فيها، فكان يحيل كلّ ما يدور من حوله من أحداث للتحليل والتفكير، ويضعه ضمن دائرة أسئلته الدائمة عن أسباب الحرب، وعن وجود الاستعمار في بلاده، إلى أن طرح على نفسه السؤال الأهمّ: «ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟»
بعد البحث والتدقيق أستطاع سعاده أن يخرج بجواب على السؤال الذي طرحه، فقال: «إنّ ما جلب على شعبي هذا الويل هو التخلّف والجهل وفقدان السيادة القومية على بلادي». اكتشف سعاده السرّ في ضعف بلاده وجهلها، فأسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهنا السؤال: «ماذا يعني تأسيس الحزب القومي»؟ «هل هو حزب عادي اهتمّ لمجموعة أمور وراح يناضل من أجلها، أم أنه حركة عابرة اهتمت بمسألة معينة وانتهت بعد تحقيق ما أرادت؟».
لقد أراد الزعيم بتأسيسه الحزب أن يضع مفهوماً آخر لمعنى الأحزاب وعملها في بلادنا، في تلك المرحلة والمرحلة التي سبقتها والمرحلة الحالية بكلّ ما فيها من أحزاب، فكان الحزب القومي الذي جمع الجهود المبعثرة، ووحّد القوة المتفرّقة، التي ستمكّن الأمة من استعادة حقوقها وهويتها ومكانتها بين الأمم.
فالزعيم لم يؤسّس حزباً عشوائياً كما حال الأحزاب الأخرى كلها، وإنما صاغ نظرة جديدة للحياة، وفلسفة جديدة، ونهضة مجتمع، بكلّ ما لكلمة نهضة من معنى، وفي ذلك قال سعاده: «إنّ الحركة القومية الاجتماعية هي حركة ثقافية بامتياز». فهي نهضة تعالج كلّ قضايا المجتمع، ولها نظرة خاصة للفن والكون والجمال، وللسياسة والحرب والاقتصاد. وهذا هو معنى التأسيس بعينه، تأسيسٌ فَعَلَ فعلَهُ في نفوسنا وفي قيمنا وفي أفكارنا، نقلنا من حالة الخضوع والخنوع والعبودية إلى حالة العزّ والكرامة، ومن حالة التفكير العاطفي إلى حالة التفكير المنطقي من خلال اعتماد قاعدة «العقل هو الشرع الأعلى».
كذلك لم يؤسّس سعاده حزباً طائفياً ولا عشائرياً ولا إقطاعياً. هذه الأحزاب التي كانت تضع هموم الأمة والمجتمع جانباً، والتي لا يعنيها سوى استغلال المواطنين وتحقيق غايات ذاتية وبناء أمجاد شخصية.
«القومي» جاء مختلفاً تماماً، وما زال، فهو حزب اهتمّ لحال الوطن وما يعانيه من ضياع وتشتّت، حزب نظر إلى الوطن فرآه ينزف دماً، فراح يضمّد جراحه النازفة.
وبفضل تأسيس سعاده لهذا الحزب، وما يحمله من مضمون فكري ومناقبي وقيمي استطعنا أن نرى أين مكامن الضعف في مجتمعنا، واستطعنا أن نرى طريق الخلاص من كلّ ما نعانيه من أمراض اجتماعية، وكيف يمكننا أن نستعيد مجدنا بعد أن انتصرت عوامل النهضة على الرجعة فينا.
هذا هو التأسيس الذي شكّل خطراً على أمراء الطوائف، وعلى الإقطاعيين، وعلى اليهود. وهذا هو التأسيس الذي وحّد المجتمع على أساس القومية الاجتماعية. وهذا هو حزب المؤسّسات التي تحفظ العمل الوطني والقومي وتنزّهه عن الصراعات الشخصية، بعد أن اكتشف الزعيم بذكائه الخارق ثغرة خطيرة ساهمت في إضعافنا وشلّت حركة الأمة، هي عدم وجود مؤسّسات قومية قائمة على نظام غير خاضع للأهواء الشخصية، مؤسّسات تطبّق الديمقراطية بطريقة قلّ نظيرها في بلادنا.
سعاده أسّس أعظم حركة في تاريخ المنطقة، وبها بنانا وحمّلنا مسؤولية بناء وطننا على نهج علمي عملي، فأزاح عنا وحشة الليل المظلم ومشى أمامنا، مؤسّساً ومعلّماً وقائداً وشهيداً، ليكون لنا قدوةً في الالتزام العقائدي والمناقبي.
نعم لقد استشهد المؤسّس، ولكن تأسيسه باقٍ فينا وفي وجداننا، وفي عملنا اليومي، وجاء استشهاده ليكمل البناء وليضع اللبنات الأولى، والدعامات الأساسية لمواصلة النضال، وليشكّل حافزاً لنا لمتابعة المعركة من بعده، وهذا ما أكد عليه في اللحظات الأخيرة من استشهاده حين قال: «أنا أموت أما حزبي فباقٍ. هذه الليلة ستعدمونني أما أبناء عقيدتي فسينتصرون وسيجيء انتصارهم انتقاماً لموتي». وفي هذا القول ثقة كبيرة لدى الزعيم أنه أسّس حزباً شكل نقلة نوعية في تاريخ الأحزاب السياسية. وهذا هو التأسيس الدائم.
عضو مجلس الشعب السوري،
عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي