الصهيونية أداة تجسيد الأساطير التوراتية اليهودية
المحامي هشام الخوري حنّا
في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1932 انبثق الفجر من الليل والحركة من الجمود وأصبحنا أمّة لها هوية. الهوية التي فقدت بفعل الغزوات والاحتلالات عبر التاريخ، والتي استهدفت طمس تاريخ أمتنا الثقافي الحضاري وسرقة ثرواتها الطبيعية وآثارها التاريخية، والسيطرة على موقعها الجغرافي النافذ على أمم العالم.
بعد احتلال السلطنة العثمانية، جاء الاحتلال الفرنسي ـ البريطاني بموجب «صك الانتداب» الذي مهّد لاتفاقية «سايكس ـ بيكو» 1916 التي قسّمت بلادنا إلى كيانات طائفية، ثم جاء «وعد بلفور» المشؤوم عام 1917 بإقامة «وطن قومي لليهود» على أرض فلسطين.
وحده أنطون سعاده وعى هذا الخطر فوضع العقيدة وأسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1932، حركة نضالية لمقاومة التقسيم ووعد بلفور. وقال: «لو وجد في سوريا رجل فدائيّ يضحّي بنفسه في سبيل وطنه ويقتل بلفور لكانت تغيرت القضية السورية من الوجهة الصهيونية تغيراً مدهشاً». ودعا إلى مواجهة الكيان الغاصب ومقاومة اليهود بالحديد والنار وبالفكر، لأنّ اليهود هم أعداء أمتنا الذين يقاتلوننا في أرضنا وحقنا.
ومن الأسباب التي دفعت سعاده إلى تأسيس الحزب، أن الحركة الصهيونية العالمية تعمل على استيطان بلادنا واستعمارها لتجميع اليهود في ما يسمى «أرض الميعاد»، وهذا من فصول الصهيونية العالمية لأنها الأداة للتنفيذية للعقل اليهودي العنصري التي تعمل على إلغاء الهوية السورية، لإقامة الوطن القومي اليهودي.
أنطون سعاده قرّر المواجهة، وقال عام 1925: «إنّ الحركة الصهيونية تسير على خطة نظامية دقيقة، فإذا لم تقم في وجهها خطة نظامية معاكسة كان نصيبها النجاح وهي لا تقوم أساساً على محور طبيعي»، فكان الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسّسه سعاده الخطة النظامية المعاكسة للحركة الصهيونية، يعمل من أجل الوعي القومي وقد حمل راية التحدي لأنّ المعركة هي بين الحياة والموت. ودعا إلى بناء المجتمع القوي بالمعرفة وحدد الأخطار، خاصة أنه أشار إلى عدم وجوب التمييز بين اليهودية والصهيونية لأنّ القادة الصهاينة أسّسوا الحركة الصهيونية لإيجاد الحلّ المناسب لمشكلة اليهود الذين تعرضوا للاضطهاد في أوروبا بسبب المواقف العنصرية في القرنين التاسع عشر والعشرين بسبب التعاليم اليهودية التي تدعو إلى الانعزال والانغلاق الاجتماعي والعنصرية ما أدى إلى نقمة الشعوب الأخرى عليهم.
يقول سعاده: «لما لم يكن للحركة الصهيونية من مسوغ، لجأ الصهيونيون إلى فلسفات غريبة وقالوا إنّ اليهود يجب أن يتخلصوا من الاضطهاد على أنفسهم ولكنّ الكلّ يعلم كيف يعيش اليهود جماعات مستقلة وسط شعوب يأخذون من مالها وتهذيبها دون أن يفيدوها في شيء».
وكان لقادة الحركة الصهيونية الخطة والرؤية بإقامة وطن قومي لليهود على أرض سورية فعملوا على إصدار وعد بلفور الذي قال عنه سعاده: «الوعد وعد سياسي لا حقوقي».
واعتمدت الحركة الصهيونية في تحقيق نجاح وعد بلفور على توحيد أهداف المنظمات اليهودية في العالم للسيطرة على فلسطين واعتمدت على الدعاية والإعلام وأموال اليهود المتراكمة في المصارف العالمية خدمة لإنشاء دولتهم المزعومة الموعودة من الإله يهوه كما ذكر في التوراة، وتكون الحركة الصهيونية وليدة الدين اليهودي والأداة التنفيذية العملية لهذا الدين، ولا يمكن التفريق بين الإثنين، بحسب ما نستنتجه من سعاده ومن البحاثة والمفكرين ومن الدلائل التاريخية التي لم تفرّق أو تميز بين اليهودية والصهيونية.
في مطلع القرن العشرين، وقبل وعد بلفور المشؤوم 1917 كان عدد اليهود في فلسطين لا يتجاوز المئات، أما اليوم، فقد وصل عددهم إلى ما يناهز الأربعة ملايين يهودي، أي أربعة أضعاف اليهود في العالم. ورغم أنّ اليهود لا يشكلون أمة، فإنهم يصرّون على أنهم أمة مقدسة ومختارة من الإله يهوه، وقد جاء في سفر الخروج 7:6 : «وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة».
ولأنّ هناك تلازماً لا انفكاك فيه، بين مبادئ الحركة الصهيونة والمعتقدات اليهودية في التوراة والتلمود، فإنّ هذا التلازم يظهر جلياً في بروتوكولات حكماء صهيون، وقد جاء في البروتوكول الرابع عشر: «عندما نصبح حكاماً سنعتبر وجود أيّ ديانة، باستثناء ديانتنا، أمراً غير مرغوب فيه، معلنين وجود إله واحد يرتبط به مصيرنا، بوصفنا شعب الله المختار الذي جعل من مصيرنا شيئاً مرتبطاً بمصير العالم، وعلينا لهذا السبب أن ندمّر جميع الديانات الأخرى».
ويقول المحامي اليهودي برترام بي بخاس في كتابه «الصهيونية ـ الحركة القومية اليهودية»: «إنّ الكيان اليهودي هو في الحقيقة، كيان شعب قائم بنفسه». ويقول موسى هيس في كتابه «روما والقدس»: «إنّ اليهود أكثر من مجرد أتباع ديانة من الديانات، إنهم يؤلفون قومية بل أخوية وأمة… والديانة اليهودية فوق كلّ شيء، هي وطنية يهودية».
يتّضح ممّا تقدم أنّ مفكّري اليهود يصرّون على اعتبار اليهود أمة، رغم افتقارها إلى الأرض الواحدة، ويرفضون القول إنهم طائفة دينية وحسب، ويعتقدون أنّ دينهم هو أساس قوميتهم.
لقد حاول بعض مفكّري اليهود إيهام الناس بأنّ القومية اليهودية تقوم على العنصر، ويوضح موسى هيس هذه الناحية بقوله: «يمتّ اليهودي إلى عنصر خاص به، كما يمتّ بالتالي إلى اليهودية».
يؤمن اليهود بأنّ الأرض الممتدة بين الفرات والنيل، أي الهلال الخصيب أو سورية الطبيعة هي وطنهم، وأنّ إلههم يهوه قد وعدهم بها لتكون لهم ميراثاً أبدياً، ويسمّونها «أرض إسرائيل». أما الشعب الذي يعيش عليها منذ الآف السنين فهم يعتبرونه مُغتصِباً، ويجب اقتلاعه منها، وهذا الاعتقاد يعود في جذوره إلى كتابي التوراة والتلمود.
ورغم من أنّ تلك الأرض هي «أرض كنعان»، فإنّ يهوه أعطاها لليهود، شعبه الخاص. فقد جاء في سفر التكوين 7-5:12 ما يلي: «فأتوا إلى أرض كنعان… وكان الكنعانيون حينئذٍ في الأرض، وظهر الرب لإبراهيم وقال له: لنسلك أعطي هذه الأرض».
إذاً، يعترف كاتب سفر التكوين بأنّ الأرض للكنعانيين وبأنهم كانوا فيها، ومع ذلك يهبها لليهود، ويحدّدها قائلاً: «لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات».
وجاء في سفر يشوع 1/1 أنّ حدود أرض كنعان هي: «من البرية ولبنان إلى النهر الكبير، نهر الفرات، وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم».
ويتجدّد الوعد في عهد موسى، «قال الله أيضاً لموسى: هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم… فقلت أصعدكم من مذلة مصر إلى أرض الكنعانيين والحثيين والأموريين واليبوسيين إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً».
ويتكرّر الوعد، مع تحديد الأرض، عند أشعيا الذي يقول: «ويكون في ذلك اليوم أنّ الرب يجني من مجرى النهر إلى وادي مصر، وأنتم تُلقطون واحداً واحداً يا بني إسرائيل، ويكون في ذلك اليوم أنه يُضرب ببوق عظيم فيأتي التائهون في أرض آشور والمنفيون في أرض مصر ويسجدون للرب في الجبل المقدس صهيون في أورشليم: ألا يحقق الصهاينة، اليوم، نبوءة أشعيا بعودة اليهود إلى أورشليم؟».
لقد انطلقت الحركة الصهيونية من التوراة، ومن فكرة «أرض الميعاد» الواردة في التوراة، لتضع هذه الفكرة موضع التنفيذ.
إنّ الصهيونية العالمية هي التعبير الفعلي عن معتقدات اليهود المبينة في توراتهم وتلمودهم فقد جاء في وثيقة سرية كُشف أمرها خريطة مملكة إسرائيل كما وضعها زعماء إسرائيل ونشرت في جريدة الجيل الجديد في 28 كانون الثاني 1961 ما يُثبت أنّ دولة «إسرائيل» يجب أن تشمل العراق، والشام، ولبنان، والأردن، إضافة إلى فلسطين، أي سورية الطبيعية وقسماً من السعودية ومصر.
كما يعتقد اليهود، منذ عهد التوراة، أنهم شعب مميز عن باقي الشعوب، وأنّ يهوه إلههم اختارهم ليحكموا العالم. فهم شعبه الخاص أو «الشعب المختار»، والتوراة تميّز بين اليهود وبين «الأجانب» أو «الأمم» أي غير اليهود، وقد استمر هذا التمييز في التلمود وفي بروتوكولات حكماء صهيون وفي أقوال اليهود المعاصرين.
وتبدو فكرة الشعب المختار في سفر الخروج، وعلى لسان موسى حين قال: «من مثلك بين الآلهة يا رب … تمدُّ يمينك فتبتلعهم الأرض… بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر. حتى يعتبر شعبك يا رب. حتى يعبر الشعب الذي اقتنيته، تجيء بهم وتغرسهم في جبل ميراثك». وحين قال أيضاً على لسان يهوه: «وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة».
هذه الفكرة نفسها يُعبّر عنها الدكتور شموئيل أتنغر مستعملاً المفردات ذاتها بقوله: «الشعب الذي كتب عليه أن يكون شعباً من الكهنة وأمة مقدسة يحمل ميزته هذه مزهواً بها غير آبه لما سوف يترتب عليها من نتائج سياسية واجتماعية، لأنّ الوحدة الحاضرة تجد ما يغسل مرارتها في العصر الذهبي المقبل».
وتظهر فكرة الشعب المختار في بروتوكلات حكماء صهيون حرفياً: «إننا نقرأ في شريعة الأنبياء أننا مختارون من الله لنحكم الأرض وقد منحنا الله العبقرية كي نكون قادرين على القيام بهذا العمل».
كما تظهر أيضاً في البروتوكول الرابع عشر حيث ورد ما يلي: «ومن هذا البون بيننا وبين الأغيار في القدرة على التفكير والمناقشة بالمنطق، يجوز لنا أن نرى القرار بأن نكون شعب الله المختار، وأن نكون مخلوقات بشرية رفيعة إذا ما قورنّا بالأغيار الذي يتميزون بعقول حيوانية غريزية… ويبد من هذا أنّ الطبيعة نفسها هي التي قدّرت لنا أن نحكم العالم ونوجِّهه».
وجاء في البروتوكول الحادي عشر ما يلي: «لقد منحنا الله، نحن الشعب المختار نعمة التشتُّت، ولا ريب في أن هذا الوضع الذي بدا للجميع أنه مظهر من مظاهر ضعفنا هو في الحقيقة السبب الكلي لقوتنا، فقد أوصلنا إلى عتبة الحكم العالمي».
نعود إلى التوراة، وبالتحديد إلى أشعيا لنرى كيف ينظر إلى علاقة «الشعب المختار» بالأجانب. ينفث أشعيا حقده على الأمم أو الأجانب، ويحلم بيوم انتقام منهم فيقول: «اقتربوا أيها الأمم لتسمعوا… إنّ للرب سخطاً على كل الأمم… قد حرّمهم دفعهم إلى الذبح. فقتلاهم تطرح وجيفهم تصعد نتانتها وتسيل الجبال بدمائهم… لأنّ للرب يوم انتقام، سنة جزاء، من أجل دعوى صهيون». ويقول أيضاً، على لسان الرب، مخاطباً اليهود، ومتنبئاً بعودتهم إلى أورشليم: «ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حرّاثيكم وكرّاميكم. أما أنتم فتدعون كهنة الرب. تسمون خدام الهنا. تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدها تتآمرون».
يتّضح مما تقدم أنّ علاقة «الشعب المختار» بالأجانب هي علاقة الأسياد بالعبيد الذين يتميزون بعقول حيوانية. يقول إسرائيل فريدلندر: «يكفي أن نعرف أنّ اليهود كانوا يحسون دائماً بأنهم عنصر منفصل، مميّز كلّ التميز عن بقية عناصر الجنس البشري».
ويؤمن اليهود بأنّ «أرض الميعاد»، وهي أرضنا، هي ملك «الشعب المختار». وهم يريدونها «محرّرة» من كلّ «رجس حيّ» غير يهودي وذلك بناء على أمر من إلههم يهوه. ويعتقدون أيضاً أنّ دينهم لا يتم لهم إلا إذا اجتمعوا في هذه الأرض. يقول يهوه لموسى: «إنّ ملاكي يسير أمامك ويجيء بك إلى الأموريين والحثيين والكنعانيين واليبوسيين، فأبدهم.. لا اطردهم من أمامك في سنة واحدة لئلا تصير الأرض خربة فتكثر عليك وحوش البرية. قليلاً قليلاً اطردهم من أمامك إلى أن تُثمر وتملك الأرض… لا تقطع معهم ولا مع آلهتهم عهداً. لا يسكنون في أرضك لئلا يجعلونك تخطئ إليّ».
يمكن أن نستخلص من هذا القول ما يلي:
ـ القاعدة الأساس في السلوكية اليهودية هي إبادة الشعوب من غير اليهود أي الأجانب.
ـ إنّ اغتصاب اليهود للأرض يكون على مراحل وحسب نمو السكان اليهود أو سيل الهجرة اليهودية إلى الأرض المحتلة، وهذا ما يفعله الصهاينة منذ ما قبل وعد بلفور حتى اليوم.
عندما اجتمع هرتزل بالمستشار الألماني الأمير هوهنلو سأله الأخير: «كم من أرض السلطان تريد؟ حتى بيروت أم أبعد من ذلك؟». فأجابه هرتزل: «سنطلب ما نحتاج إليه. كلما زاد المهاجرون زاد طلب الأرض».
ـ طرد غير اليهود، الغوييم أو الأمم، من «أرض الميعاد» لأنّ القبول بهؤلاء يعتبر خطيئة في نظر الإله يهوه، وهذا ما يفعله الصهاينة في فلسطين اليوم، ولكن على مراحل، وتبعاً لحاجتهم إلى اليد العاملة غير اليهودية.
ـ طلب يهوه إلى «شعبه الخاص» ألا يعقد عهداً أو معاهدة مع الأمم. وكل من يخالف أوامر هذا الإله الحقود يكون مصيره سيئاً للغاية. فعندما حاول الملك شاول أن يعقد صلحاً مع أحد ملوك الأمم، وقد كان أسيراً لديه، دخل عليه رجل الدين الأول صموئيل وذكّره بكلام يهوه لموسى: «لا تقطع معهم ولا مع آلهتهم عهداً». ثم هجم على الملك الأسير وقطع رأسه. وبعدها اختار رجلاً آخر ليحكم «إسرائيل» هو داود ونصّبه ملكاً.
وتجدر الإشارة إلى أنّ من يقرأ التوراة بعين علمية مُبصرة، خاصة أسفار خروج، عدد، تثنية، يشوع، وأشعيا، يرى أساليب الحقد والإرهاب التي مارسها «شعب يهوه المختار» تنفيذاً لأوامر إلهه السفاح، عندما هاجم اليهود مدينة أريحا بقيادة يشوع بن نون «نحروا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف»، حتى الحبالى كان نصيبهن الموت: «اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة عرفت رجلاً بمضاجعة ذكر اقتلوها».
وإذا كان في قلب يهوه من الشفقة فهو يأمر شعبه بتسخير الشعوب المغلوبة ويقول: «حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح. فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك». سفر التثنية .
إنّ مفهوم اليهود للصلح والسلام يعني الاستسلام لهم ولحس غبار أقدامهم: «بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك ويلحسون غبار رجليك». سفر أشعيا .
أما يهوه اليوم، الصهاينة، فينفذون الأعمال الإرهابية التي كان يهود التوراة يقومون بها. يقول ديفيد بن غوريون، موجهاً أوامره إلى عصابات اليهود في فلسطين المحتلة: «ليست المسألة منوطة بضرورة الرد أم لا… لا يكفي نسف المنزل، فالمطلوب والضروري هو ردود فعل قاسية ودموية، تحتاج إلى الدقة في الوقت والمكان والإصابات، وإذا توصلنا إلى معرفة الأسرة فلنضرب من دون رحمة أو شفقة، النساء والأطفال بالجملة، وإلا جاء ردّ الفعل غير فعّال. وفي موقع الفعل لا حاجة إلى التمييز بين المذنب والبريء».
وإذا أردنا تعداد بعض الأعمال الإرهابية التي مارسها اليهود في فلسطين، على سبيل المثال لا الحصر، نذكر نسف فندق الملك داود، اغتيال الكونت برنادوت وسيط الأمم المتحدة، مجزرة دير ياسين في 10 نيسان 1948 والتي ذهب ضحيتها حوالى مئتين وخمسين شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال، وأيضاً مجزرة قرية سعسع حيث نسفت عصابة الهاغاناه عشرين منزلاً، ومجزرة قرية الزيتون، ومجزرة كفر قاسم في 29 تشرين الأول1956، ومجازر صبرا وشاتيلا وقانا الأولى والثانية وغزة.
إذاً، يتضح مما تقدم أنّ يهود التوراة والتلمود واليهود الصهاينة يشتركون في الإيمان بـ«القومية اليهودية» وبـ«أرض الميعاد» و«ضرورة العودة» إليها من «منفى الأمم»، وبفكرة «الشعب المختار» و«احتقار الأغيار»، وبوجوب ممارسة الإرهاب ضد الأمم أو الغوييم. فأي فرق بين الصهيونية واليهودية؟
يُعرِّف ماير باري الصهيونية بقوله: «الصهيونية ليست شيئاً آخر سوى النضال من أجل التحرُّر الوطني لشعب وضحت معالم حقه في وطنه، وطن أجداده الذي له جذور في المستقبل لا في الماضي. وبذلك فإنّ الصهيونية وسيلة، ومرحلة لتمكين اليهود من العودة إلى أرض الميعاد أرتز إسرائيل».
أما ناحوم غولدمن، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، فيقول: «الحركة الصهيونية لا يمكن فهمها إذا قيست بمقاييس الحركات الوطنية وخصائصها الشائعة، ينبغي أولاً إدراك كونها حركة الشعب اليهودي القومية ولا يمكن فهمها إلا في إطار هذا الشعب وطبيعته… فهو شعب وجماعة دينية في آن. فهل هناك أوضح من هذا الكلام؟ إنه يعترف بأنّ الصهيونية هي حركة اليهود القومية الدينية، وأنّ الصهيونية واليهودية متلازمتان».
وإذا كان من خلاف بين الصهاينة وبعض اليهود فهو على الوسائل لا على المنطلقات والأهداف. يقول الدكتور يهودا ماغنس، رئيس الجامعة العبرية، المعروف بمعارضته للأساليب الصهيونية، في نقاش مع بن غوريون: «إنّ الاختلاف في وجهات النظر بيننا بسيط، فبينما تدّعي أنت أي بن غوريون أنه ينبغي أولاً تأسيس الدولة وأنّ وجود الدولة يقود إلى السلم، أؤكد أنا أنه يجب أولاً الوصول إلى السلم وهو الذي سيقودنا إلى تأسيس الدولة». إذاً الاثنان يتفقان على إقامة الدولة اليهودية على «أرض الميعاد». ولا يختلفان في شأن أسطورة «ارتز إسرائيل» ولا على مبدأ «الإله الخاص بالشعب المختار» ولا على أهمية «الاتحاد الأقنومي» مع أرض الميعاد.
إنّ سعي اليهود إلى إقامة دولة لهم في أرض الميعاد لم يبدأ مع هرتزل بل هو قديم يعود إلى ما قبل القرن الثامن عشر. فصلة اليهود بالاستعمار الأوروبي والتقاء مصالحهما في السيطرة على سورية بدأت بحملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798، عندما حاول استمالة اليهود إليه لمعاونته أثناء حصار عكا، مقابل وعده لهم بأن يعيدهم إلى القدس ويعيد بناء الهيكل. وقد بدأ اليهود بناء مستعمرات لهم في فلسطين منذ مطلع القرن التاسع عشر. وفي مؤتمر لندن سنة 1840 المتعلق بتقرير مصير سورية بعد انسحاب محمد علي باشا منها، قدّم اللورد شافتسبري قريب بلمرستون وزير الخارجية البريطانية، مذكرة طالب فيها بإرجاع اليهود إلى فلسطين.
إنّ تمسُّك اليهود بـ«أرض الميعاد» ـ أرض كنعان التي وعدهم بها ربهم يهوه، وحلمهم القديم بإقامة الدولة اليهودية فوق هذه الأرض أصبحا حقيقة بفضل الحركة الصهيونية. فالصهيونية تعبّر عن تطلعات اليهود وآمالهم، لأنها حركة عنصرية استيطانية وإرهابية، ووسيلة لتحفيز اليهود على الإسراع في تحقيق وجودهم على أرض «إسرائيل» حدودها من الفرات إلى النيل.
قال أحد رؤساء أميركا بنيامين فرنكلين: «إذا لم تمنعوا اليهود من الهجرة إلى أميركا إلى الأبد فسوف يلعنكم أبناؤكم وأحفادكم في قبوركم… إنّ عقليتهم تختلف عن عقليتنا حتى لو عاشوا بيننا عشرة أجيال، فإنّ الذئب لا يستطيع أن يغير جلده…». هذا قول رئيس دولة تشكل سنداً وظهيراً للعدو الصهيوني، وهذا ما يؤكد أن لا فرق بينها وبين اليهودية، فالصهيونية واليهودية وجهان لعملة واحدة.