السبهانيون الجدد في لبنان وطعن السكاكين

د. رائد المصري

دعونا نبتعد عن التحليل الكلاسيكي والأوصاف التي تمَّ تعميمها على وكلاء السعودية في لبنان من سياسيين وإعلاميين ونُخَب، تفتخر بالصباغة الأرجوانية وتهوى العيش ودوام الاستمرار على اللَّون الأحمر القاني، أو حتى على بعض القياديين للمملكة ممَّن غرزوا رماحهم في الأرض وأعلنوها حرباً لا رجعة فيها ولا هوادة على المقاومة في لبنان، بل وعلى المكوّنات اللبنانية كلِّها، إذا لم تتجاوب مع جديد سياساتها في الإقليم، لتقليم أظافر إيران وأذرُعها في المنطقة، بحسب بيانات التهديد التي يتلونها علينا صبحاً ومساء…

النغمة السبهانية الجديدة التي أطلقها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، سرعان ما انطربت لها الآذان عند البعض في لبنان من هواة الرابع عشر في الاصطفاف السياسي المشوَّه، والذي راح ضحيته جيل كامل من الشباب اللبناني قضاها خائباً بين مواقف كليمنصو وبيت الوسط ومعراب وبيت الكتائب، حريصين على عدم التفريط بالسيادة اللبنانية وبالقرار الحرّ وبالتعدّدية والتشاركية، وإذ بهم في ليلة واحدة يُطيحون بـرمز جبهة الصُّمود والتصدِّي، والأمين والمؤتمن على البلد ومقدّراته ومستقبله. وهنا نقصد رئيس الحكومة سعد الحريري…

لقد استعجل هؤلاء في شحْذِ سكاكينهم الداعشية لذبح الحريرية السياسية باكراً مِن على منصة الرياض وتوزيع دمائها ما بين القبائل، وهم كثرٌ بالمناسبة لكنهم يَظهرون قلَّة كخلايا عنقودية نائمة، من حكيم معراب إلى فارس سعيد إلى قيادات الكتائب وكلِّ صقور 14 الشهر، في امتهان واضح لأدوارهم الوظيفية والتآمرية على البلد ومقدراته ومستقبل أبناء شعبه. وبالمناسبة نحن هنا لا ندافع عن مشروع الحريرية السياسية غير المأسوف عليه أصلاً، لكونه سبب البلاء والوباء المالي والفساد السياسي والمُقْت الطائفي المذهبي، لكنَّنا نوجز ونحلِّل من باب الحرص على المبدأ العام الذي يحفظ الجمهورية وأداءها والكرامة الوطنية ويحميها ويُبعدها عن أيادي الغدر وطعن السكاكين من دون التفريق بين خصمٍ وحليف، ويريدوننا أنْ نأمَنَ جانبهم ونتفاوض ونتشارك معهم ونلغي حضور مقاومتنا ونسلِّم سلاحها لمعراب، ونقف متفرِّجين على الاستباحات والعربدات الصهيونية بحق أبناء شعبنا ووطننا، فحليفهم الرئيس سعد الحريري وهو رئيس حكومة كلِّ لبنان لم يوفِّروه وأرادوا اقتياده للذبح في لحظةِ تقاطعاتٍ إقليمية اعتقدوها لمصلحتهم، فهل سيوفِّرون للمقاومة المكانة لإلتقاط أنفاسها وسلاحها كشريك فاعل يُريد إدارة البلد بالتفاهم والتضامن لحماية المكوّنات الوطنية كلّها؟….

الجواب قطعاً لا… فأفضل الكلام هو السكون والسكوت ليأخذ السبهانيون الجدُد في لبنان مواقعهم ويُعيدوا هيكلة تموضعهم بعد الضربة الأولى، لمعرفة تكتيكاتهم وتحرّكاتهم ومؤامراتهم المكشوفة، فهي لا تشكِّل أيَّ خرق على سيادة البلد الذي حفظته المقاومة وحصَّنه رئيس الجمهورية بمواقفه الجريئة، ووزير خارجيته الدؤوب على العمل والمشاورات من دون كللٍ ومع كثير من الجهد، فكَسِبَ لبنان كلُّ لبنان المعركة أو الجولة الأولى من معركته مع جديد المملكة العربية السعودية، وهي سابقة أولى وخطيرة بهذا الحجم بأن ترفع يدك في وجه مملكة الخير وتقول كفى، لقد دمَّرتم المنطقة وقتلتم شعوبها وهجَّرتم أبناءها وتصالحتم مع «الإسرائيلي» وقدّمتم له كلَّ المغريات لتحقيق مآربكم وانفعالاتكم الشخصية… وحتى العدو الصهيوني وهي مفارقة مُبكية في واقعنا العربي التعيس، لم يستسِغْ كلَّ ذلك، ووصفَه بالعمل القذر…

إذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يُرحِّب بالرئيس سعد الحريري في باريس كرئيسٍ لوزراءِ لبنان، فهذا معناه أنَّ محمَّد بن سلمان وحكَّام السعودية باتوا يشكِّلون خطراً على الأمن الإقليمي، وعصابة اختطفت الحريري وأجبرته على قراءة بيان استقالته من رئاسة الوزراء في لبنان… وعليه وَجَبَ على الدولة اللبنانية وعلى فرنسا وعلى جميع دول العالم أن تبني على هذا الشيء المعطى مقتضاه… فالمهم والمطلوب منَّا اليوم هو الوقوف الى جانب العهد والرئيس ميشال عون، فإذا نجَحَ رئيس الجمهورية باستعادة الكرسيِّ الحكوميِّة من الصحراء العربية نكون قد حقَّقنا انقلاباً على ما تبقَّى من سَعْوَدة رئاسة مجلس الوزراء وسبْهَنَتها…

هو البند الأوَّل من الشروط السَّبهانية تمَّت تصفيته وإنهاء مفاعيله، رُغم طعنِ سكاكين الداخل. وعلينا انتظار استكمال كافة البنود والمندرجات التي ترتَّبت في صفقة القرن بين العراب جاريد كوشنير صهر ترامب وولي ولي العهد محمد بن سلمان، فاللائحة تطول وما على اللبنانيين إلا الصَّبر وطول الانتظار كصبرهم يوم إحتل الإرهاب التكفيري جرود الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا وجرَّد سكاكينه على أبناء البلد ذبحاً وطعناً وتقطيعاً وتفجيراً، وقد وجَدَ من يشدُّ من أزْرِه حينها من بقايا 14 الشهر، حين صعَدوا أعلى القمَّة في جرود عرسال، وناشدوا ما أسمُوه بالثورة السورية، هؤلاء الأدوات الغادرة من حَمَلَة رمْحِ الوحشيِّ الذي استغفَلَ حمزة في معركة أُحُد، هم أنفسهم مَن طَعَنوا رئيس حكومة لبنان من الخلف اليوم تنفيذاً لأمرٍ ملكي دُبِّر بليل، لولا الصَّحوة المبكِّرة لرجالاتٍ كبار في لبنان، مؤمنين صادقين مؤتََََمَنين، لكُنَّا ولكان رئيس حكومتنا في خبر كان في السياسة والاستقرار وفي حربٍ أهلية جديدة… إنَّهم السبهانيون الجُدد فاحذروا… يا شعب لبنان العظيم…

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى