الجولة الثانية من الحرب حكومية ونيابية

حسين حمّود

مرّ لبنان بقطوع كبير بدأ منذ تلاوة رئيس الحكومة سعد الحريري من الريّاض بيان استقالته أو تنحيته عن الرئاسة الثالثة في بلده، التزاماً بأوامر «المتصرّف» السعودي محمد بن سلمان وبمباركة من والده الذي يبدو أنه شبه متقاعد من مهام الملك، ولا يتولاها إلاّ حين يستدعيه أمر طارئ يتعلق بإصدار فرمانات ترقية ولده أو توسيع صلاحياته في حكم الأخوة المتوارث لكبح طموحات أبنائهم في السلطة.

لبنان تجاوز نوعاً ما، أزمته التي فجّرها آل سعود وكادت تودي به إلى الهاوية، ولو هؤلاء استعانوا في ذلك مع الذئب الشيطاني أي «إسرائيل»، لسحق البلد الصغير والخلاص منه، تماماً كما فعل أخوة يوسف بشقيقهم الأصغر، ثم تباكوا عليه أمام والدهم، كما يزعم الوزيران عادل الجبير وثامر السبهان.

لكن وعي اللبنانيين وذكاءهم، بدءاً من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل، وأحزاب وتيّارات المقاومة كلها وصولاً إلى النقابات والفاعليات الاقتصادية والقوى الأمنية. وبالإجمال معظم اللبنانيين باستثناء قلة قليلة تتمثّل ببقايا «قوى 14 آذار» المرتهنين والجائعين للمال السعودي دائماً هنا يستحسن العودة إلى وصف أحد وزراء تلك القوى الحاليين لها في وثائق ويكيليكس . هذا الوعي وهذا الذكاء والروح الوطنية والسيادية والاستقلالية للبنانيين، انتصرت على العقول المتصحرة الجافة وأفشلت مخططها القاتل للبنان وعموم المنطقة.

لكن إبعاد كرة النار عن لبنان لا يعني انطفاءها. وعودة الرئيس الحريري إلى بلده الأصلي والحقيقي ومحيطه الأرحب، لا تُزيل التداعيات التي خلّفتها الأزمة.

فرجال الجبير والسبهان، سيواصلون الحرب على لبنان تحت عنوان محاربة «النفوذ الإيراني». وهؤلاء سيواصلون الضغط باتجاه تنفيذ مفاعيل استقالة الحريري التي يعتبرونها قائمة دستورياً وقانونياً.

وأبرز القائلين بهذا الرأي، «القوّات» والوزير السابق أشرف ريفي الذي يبدو أنه مرشح «القوات» لخلافة الحريري في حال سارت الأمور وفق أهوائهما.

فالطرفان منسجمان في الاستراتيجية السعودية في التعامل مع قضايا المنطقة ومعاداة إيران وقوى المقاومة، واعتراضهما على استراتيجية الحكم اللبناني الحالي، القائمة على التعاون مع الدول الصادقة في صداقتها للبنان وسائر الدول العربية والمحافظة على قوة لبنان الذاتية في مواجهة العدو «الإسرائيلي» وقوى الإرهاب، ضمن معادلة الجيش والشعب والمقاومة والتي أثبتت أنها القوّة الوحيدة التي حرّرت الأرض من الاحتلالين «الإسرائيلي» والإرهابي للاراضي اللبنانية من دون قيد أو شرط أو اتفاقات مذلّة.

كما أن «القوات» وريفي متوافقان على معظم الملفات السياسية في الداخل، ولا سيما عزل حزب الله وتقليص نفوذ خصومهما السياسيين من أحزاب وقوى وشخصيّات سياسية وإعادة إنهاض «قوى 14 آذار» وأجندتها الإقليمية وفي آخر بنودها لبنان.

غير أن ما يجري تداوله من معلومات ليس مطابقاً لحسابات سمير جعجع وأشرف ريفي، لأنها في لبنان أغرب من الخيال والأوهام. أما على صعيد الاستحقاق الحكومي، فإن ما يرشح من دوائر الحكم فإن الحريري، في حال أصرّ حين عودته إلى بيروت على استقالته أو تراجع عنها، فإنه باقٍ على رأس الحكومة حتى إجراء الانتخابات النيابية، وهذا ممكن قانونياً من خلال قبول استقالة الحكومة وتكليفها بتصريف الأعمال.

وفي موازاة ذلك يجري تداول أفكار أخرى يمكن اعتمادها، إذا لم يعد الحريري يرغب في ممارسة مهامه الحكومية، ومنها الإسراع في البحث عن رئيس حكومة غير حزبي، ومرجّح من بين القضاة، لتشكيل حكومة حيادية مهمتها الإشراف على الانتخابات وبشكل هادئ أمنياً، وحماوة عالية سياسياً من خلال تدخل سعودي قوي للإتيان بغالبية نيابية موالية لها. وبالتالي بدأت من الآن المعركة بالبحث عن مرشحيها الجدد.

الخلاصة: السعودية وملكاها خسروا الجولة، ولم تتوقف الحرب، وقرّر لبنان في المقابل، مواجهة أي عدوان يتعرّض له ومن أي جهة أتى، وفي أي أزمة تعصف به. هذا ما ظهر، بحسب وزير الداخلية نهاد المشنوق، وهذا ما سيفعله، بحسب المعطيات، لكن على المستوى الداخلي شدّ الحبال في الموضوع الحكومي سيتصاعد، والأيادي السعودية لن تتوقف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى