الحريري يتجاوب مع تمنّي عون التريّث في الاستقالة ويلتقي بري ودريان وفوشيه: لبنان يحتاج إلى جهود استثنائية من الجميع لتحصينه
بعد 19 يوماً من غياب كان عنوانه «الاستقالة من رئاسة الحكومة» أطلّ الرئيس سعد الحريري على جمهوره ومناصريه الذين احتشدوا في «بيت الوسط» لتهنئته بالعودة الى الوطن ولتأكيد دعمهم وتأييدهم نهجه وسياسته الوطنية، وتنقّل بعدها بين دار الفتوى وعين التينة موجّهاً رسائل سياسية في اتّجاهات مختلفة، مجدّداً تمسّكه بجوهر الاستقالة أي النأي بالنفس عن صراعات المنطقة حفاظاً على استقرار لبنان، بعدما قال من قصر بعبدا بعد خلوة جمعته بالرئيس ميشال عون: أشكر الرئيس عون على عاطفته النبيلة وحرصه الشديد على حماية الاستقرار واحترام الدستور، والتزام الأصول والأعراف، ورفضه الخروج عنها تحت أي ظرف من الظروف. وتوجّه الحريري من رئاسة الجمهورية، بتحية تقدير وامتنان الى جميع اللبنانيين الذين غمروه بمحبتهم وصدق عاطفتهم، مؤكداً التزامه التام التعاون مع فخامة الرئيس لمواصلة مسيرة النهوض بلبنان وحمايته بكل الوسائل الممكنة من الحروب والحرائق المحيطة وتداعياتها، على كل صعيد، شاكراً أيضاً الرئيس نبيه بري، الذي، كما قال الحريري، «أظهر حكمة وتمسكاً بالدستور والاستقرار في لبنان، وعاطفة أخوية صادقة تجاهي شخصياً».
وأضاف «لقد عرضت استقالتي على فخامة الرئيس، وقد تمنّى عليّ التريث في تقديمها والاحتفاظ بها لمزيد من التشاور في أسبابها وخلفياتها السياسية، فأبديت تجاوبي مع هذا التمني، آملاً ان يُشكّل مدخلاً جدّياً لحوار مسؤول يجدّد التمسّك باتفاق الطائف ومنطلقات الوفاق الوطني ويعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب».
وشدّد على أن الوطن يحتاج في هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا الوطنية الى جهود استثنائية من الجميع لتحصينه في مواجهة المخاطر والتحديات. وفي مقدمة هذه الجهود، وجوب الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن الحروب وعن الصراعات الخارجية والنزاعات الإقليمية وعن كل ما يُسيء الى الاستقرار الداخلي والعلاقات الأخوية مع الاشقاء العرب».
ومن بيت الوسط، أكد الرئيس الحريري في كلمة خاطب فيها الوفود الشعبية والشخصيات التي أمّت «بيت الوسط» من بيروت ومختلف المناطق، «أن «ليس لدينا أغلى من بلدنا وليس لدينا إلا بلدنا، ومبدؤنا لا يتغيّر وشعارنا سيبقى «لبنان أولاً، لبنان أولاً، لبنان أولاً» وسندافع سوياً عن بلدنا وحريته وعروبته واستقراره».
وقال «هذه لحظة لا يمكن أن أنساها. هذه لحظة اللقاء مع الأحباب، مع الرفاق، مع الأهل الحقيقيين. هذه لحظة الوفاء معكم أنتم الذين تعلّمون العالم الوفاء. هذه لحظة الصدق معكم أنتم الذين تعلّمون العالم الصدق. هذه لحظة للتاريخ وللجغرافيا، ولمن له عيون ترى فليرَ، ومَن له أذنان تسمع فليسمع. وهذه لحظة القلب، قلب سعد رفيق الحريري الذي يقف بينكم، واحداً منكم ولكم، لكي اختصر كل شيء بكلمة واحدة: شكراً.. شكراً.. شكراً. شكراً لكل واحد وواحدة بينكم، لكل لبناني ولكل لبنانية، فهم في لحظة واحدة ما هي أهمية الحفاظ على بلدنا وعلى استقرار بلدنا وعلى أمن بلدنا وعلى الأمان لأهلنا بكل لبنان».
وأضاف «أنتم أتيتم من كل لبنان لتقولوا لي الحمد لله على السلامة، وأنا أتيت لأقول لكم: الحمد لله على سلامة لبنان والحمد لله على لبنان، الحمد لله على اللبنانيين، الحمد لله على كل واحد وواحدة منكم. أنا باقٍ معكم ومستمرّ معكم، باقون معاً ومستمرون معاً لنكون خط الدفاع عن لبنان واستقراره وعروبته. وهذا اللقاء اليوم سيتكرّر معكم، ليس فقط هنا. سترونني عندكم في عكار والمنية والضنية وطرابلس والقلمون وكل الشمال. سترونني عندكم في البقاع، كل البقاع، وعندكم في صيدا والجنوب، كل الجنوب. وعندكم في الإقليم والشوف وجبل لبنان، كل جبل لبنان، لندافع سوياً عن بلدنا وحريته وعروبته واستقراره».
وختم الرئيس الحريري «نحن أهل الوسط، أهل الاعتدال، أهل الاستقرار، أتينا جميعاً في عيد الاستقلال لنقول: ليس لدينا أغلى من بلدنا، وليس لدينا إلا بلدنا، ومبدؤنا لا يتغير وشعارنا سيبقى: لبنان أولاً، لبنان أولاً، لبنان أولاً. عشتم، عاش لبنان».
والى دار الفتوى التي كانت محجّاً لمختلف القوى السياسية طيلة فترة الاستقالة، انتقل الرئيس الحريري، حيث التقى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وعرض معه الأوضاع العامة وآخر المستجدات.
بعد اللقاء، قال الحريري: «اتيت إلى المفتي، لأنه كان في غيابي مرجعية للجميع، واردت ان اشكره على مواقفه، خصوصاً أنه حصّن الوحدة الوطنية أكد على أن اللبنانيين يجب أن يبحثوا عن استقرارهم وأمنهم، وهذا الدور قام به بامتياز المفتي».
اضاف «كما تعلمون حصل استمهال من اجل المشاورات، وانا سأقوم بمشاورات، كذلك الرئيس العماد ميشال عون، والمهم عندي أن نضع مصلحة لبنان قبل كل شيء. انا امد يدي حتى النهاية، وأقول للبنانيين إن علينا أن ننظر إلى مصلحة لبنان قبل مصلحة اي احد آخر، وهذا ما ننطلق منه، فما قمت به وما يقوم به فخامة الرئيس مشكوراً، ورئيس مجلس النواب نبيه بري مشكوراً، هو لمصلحة البلد».
ولفت الرئيس الحريري الى «اننا جميعاً امام الحرائق التي تحصل حولنا، ربما بعضها ينطفئ، لكن الحلول السياسية لم تنته، وربما بعض المعارك انتهت، لكن الحمد لله وسط كل هذه الحرائق استطعنا ان ننقذ لبنان. الآن يجب ان نحصّن علاقتنا مع كل الأشقاء العرب، بحيث أن تكون مصلحة لبنان هي الأساس، والا نضر بإخواننا العرب ولا أي دولة. نحن لا نريد أن نضرّ بدولة لمصلحة دولة، لكننا ضمن منظومة عربية يجب أن نحافظ عليها. موضوع النأي بالنفس اساس في البيان الوزاري، هذا ما يجب أن نؤكد عليه وأن نطبقه، لا ان نقول فقط «نأي بالنفس» ونقطة على السطر».
وكان دريان رحّب بالحريري لدى وصوله إلى دار الفتوى وعلّق على تريّثه بالاستقالة بالقول «عوّدنا الرئيس الحريري على اتّخاذ مواقف جريئة وشجاعة وحكيمة مبنية على أسس وطنية لإنقاذ لبنان، فقراره بالتريث من الاستقالة خطوة نحو الأمام في الحوار بين اللبنانيين لمعالجة الأسباب التي أدّت الى الاستقالة بهدف الوصول الى حل يُحافظ على امن وسلامة واستقرار لبنان وحسن علاقته مع الأشقاء العرب».
ومن دار الفتوى توجّه الرئيس الحريريإلى مقرّ الرئاسة الثانية في عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، بحضور مدير مكتبه نادر الحريري ووزير المال علي حسن خليل.
بعد اللقاء الذي استغرق اكثر من ساعة، قال الحريري «التقيت الرئيس بري وتكلّمنا في موضوع التشاور الذي سنقوم به، أكان أنا ام هو، حول موضوع النأي بالنفس، والمبدأ الأساسي له أن نجنّب لبنان أية مصاعب. اليوم عندما التقيت فخامة الرئيس شرحت له أسباب ما حصل وخلفيته، وما يهمّني أن نتطلّع الى مصلحة لبنان فقط. نحن في منطقة مشتعلة وهناك أمور يجب أن نبتعد عنها، وأنا أتكلم عن كل الأفرقاء السياسيين وليس عن فريق سياسي وحده، يعني أن النأي بالنفس يجب أن يكون على الجميع وليس على فريق واحد. وهذا الأمر يُحصّن علاقاتنا مع أشقائنا العرب ويضع لبنان في الموقع الذي يستطيع فيه أن يكون لديه حوار واضح مع الجميع، بخاصة في الخلافات الإقليمية، ولا سيما اننا بلد صغير ولا دخل لنا بكل هذه الخلافات، وبالتالي نجنّب لبنان مشاكل أكبر بكثير من حجمه».
وأضاف «بالتأكيد أبدى الرئيس بري إيجابية كبيرة كعادته، وإن شاء الله سنعمل جميعاً على هذا الأساس. وانا أريد ان انظر الى الشيء الإيجابي وعلينا أن نعرف أننا لا نعيش وحدنا في هذه المنطقة. لذلك أتمنى على الجميع عندما نتناول هذا الموضوع ان نتناوله بالشق الإيجابي وليس على اساس فريق يربح على فريق آخر، وفريقي السياسي أيضا عليه أن يقوم بالنأي بالنفس الفعلي أكان إعلامياً أو عملياً وفي كل الأمور، وعلينا أن ننأى بأنفسنا لمصلحة البلد، ففي النهاية لبنان هو الأساس. نحن مجموعة من السياسيين اللبنانيين نعمل لمصلحة لبنان، فيجب علينا ان نضع هذا الأمر كأساس بالنسبة لنا».
وقال «أنا تريثت لأن فخامة الرئيس طلب مني ذلك، وتريثت لأنني وجدت من الأفرقاء السياسيين أن هناك إيجابية بالحوار وبالتشاور، بأن تكون هناك مواقف إيجابية. وما يهمني أن لا يكون النأي بالنفس كلمة، بل أن يكون فعلاً وعملاً لنجنّب لبنان أية مشاكل».
وأضاف لا شك في أن تاريخ علاقتي مع الرئيس بري كان دائماً إيجابياً وبنّاء، قد نكون اختلفنا أحياناً في أمكنة معينة، لكن حتى الخلافات التي حصلت بيننا لم تذهب الى خلافات جذرية، نختلف، لكن نتفق في النهاية على مصلحة البلد للجميع».
وتابع «برأيي نحن قادرون أن نصل، والأشقاء العرب يفهمون موقفنا ويعرفون ماذا نحاول أن نفعل أكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي او حتى المملكة العربية السعودية وايضاً الإمارات العربية المتحدة. الأمر كان إيجابياً في ما خص النأي بالنفس. هناك اتجاه لدعم طريقة العمل التي نقوم بها. وأيضاً الرئيس الفرنسي الذي يتابع هذا الموضوع بشكل أساسي لاستقرار لبنان».
وأكد الحريري «أننا الآن في مرحلة تشاور ومرحلة جس نبض، وبرأيي هناك إيجابيات كانت كبيرة جداً في الحكومة، ونحن نريد ان «نكبرها شوي». يعني أصبحنا في مكان حسّاس ويجب علينا ان نحل هذا الموضوع في شكل إيجابي».
واستقبل الحريري رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط يرافقه النائب وائل أبو فاعور، بحضور وزير الثقافة الدكتور غطاس خوري.
بعد اللقاء، تحدث النائب جنبلاط، فقال: «مر علينا وعلى البلاد وعلى الشيخ سعد ظرف استثنائي، إذا صح التعبير، لكنه طبعاً عولج بالحكمة وبالسياسة، بحكمة الشيخ سعد وجميع الفرقاء في لبنان، وإن لم نقل جميعهم فغالبيتهم. وهنا ننطلق انطلاقة جديدة. ولا شك في أن ما طرحه الشيخ سعد في ما يتعلق بالتأكيد على الاستقرار هو شيء مهم جداً، وعلينا أن نتمسك بهذا الاستقرار وبمضامين التسوية التي أقرها الشيخ سعد منذ أكثر من عام، ونتمنى عليه أن تطول لحظة التريث هذه وأن تعود المياه إلى مجاريها. هذا الأمر يقرّره الشيخ سعد بالطريقة المناسبة. البلاد بحاجة إلى تثبيت التسوية والانطلاق السياسي والإنمائي، وأعتقد أن الغيمة مرت وأن هناك أصدقاء كثراً للبنان، وقد تبين كالعادة أن أصدقاء لبنان وأصدقاء الشيخ سعد وأصدقاء الاستقرار كثر جداً في هذا العالم».
وفي بيت الوسط التقى الحريري السفير الفرنسي في لبنان برنار فوشيه وعرض معه الأوضاع العامة والتطورات المحلية والإقليمية والعلاقات الثنائية بين البلدين. وتلقى رسالة تهنئة من الرئيس الاميركي دونالد ترامب لمناسبة عيد الاستقلال أعرب فيها عن تقدير الولايات المتحدة للعلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، لافتاً الى «أن لبنان كان شريكاً قوياً مع الولايات المتحدة في مواجهة الإرهاب والتطرف العنيف»، مؤكداً «وقوف بلاده بثبات مع لبنان». وأكد «أن الولايات المتحدة ستواصل دعم جهود لبنان لحماية استقراره واستقلاله وسيادته».
واتّصل الرئيس الحريري بأمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح للاطمئنان الى صحته بعد الفحوص الطبية التي أجريت له. وكان الاتصال مناسبة للتأكيد على العلاقات الثنائية الأخوية بين الدولتين.