الحريري: همُّنا الاستقرار وعلاقاتنا مع أشقائنا العرب يجب أن تكون الأساس
برعاية رئيس الحكومة سعد الحريري وبحضوره، افتتحت أمس في فندق فينيسيا، فعاليات المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2017 تحت عنوان: «توأمة الإعمار والتنمية: معاً لمواجهة التحديات الاقتصادية» الذي نظمه اتحاد المصرف العربية بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا الإسكوا ، وفي حضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية والاجتماعية السفير محمد محمد الربيع.
وشارك في فعاليات المؤتمر وزراء وحكام مصارف مركزية عربية، ونحو 500 شخصية قيادية مصرفية عربية، وممثلون عن أهم المؤسسات الإقليمية العربية وسفراء عرب وأجانب وهيئات اقتصادية.
وتقدم المشاركين رئيس اتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصباح، رئيس جمعية مصارف لبنان ورئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه، رئيس مجلس الهيئات الاقتصادية في لبنان عدنان القصار، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق النقد الدولي – واشنطن جهاد أزعور.
الصُّباح: نحتاج إلى رؤية جماعية تتجاوز الحدود الوطنية
ورأى الصباح أنه «حان الوقت لنضع استراتيجية إقليمية لإعادة الإعمار لأنّ المنطقة العربية بما عانته في السنوات السبع الأخيرة تحتاج إلى إستراتيجية تتطور باستمرار، وتتميز بنظرة شمولية لحلّ المشاكل، يكون منطلقها الأساسي الاستقرار وبناء الدولة، من خلال رؤية إقليمية جماعية، ومشاركة محلية فاعلة، إضافة إلى المصالحة والعدالة والإنصاف وصولاً إلى إعادة الإعمار والتنمية».
وأوضح «أننا نحتاج إلى رؤية جماعية تتجاوز الحدود الوطنية، ونستطيع تحقيق هذه الرؤية من خلال تجميع الموارد في المنطقة، كالموارد البشرية، ورأس المال، بحيث تكون فيه التنمية على مستوى المنطقة فعلاً تآزرياً، واستثماراً لمواجهة التحديات التنموية والبيئية والإقليمية».
وأضاف: «بفعل انعدام الاستقرار، تحول الإنفاق إلى الأمن بعيداً عن أساسيات التنمية، وتراجعت بعض أهم مؤشرات التنمية مثل حرية التعبير ومشاركة المرأة، والفقر، إضافة إلى تحديات مالية بسبب تراجع أسعار النفط بشكل كبير، واستثمار مليارات الدولارات خارج المنطقة».
ولفت إلى أن «اتحاد المصارف العربية يسعى إلى تعزيز ثقافة الاستثمار في القدرات المستدامة على المستويات الإقليمية والوطنية، ومعالجة قضايانا الإقتصادية والإجتماعية ضمن رؤية إقليمية متماسكة، وتشجيع المسؤولية الإقليمية لوضع كرامة الإنسان والتنمية البشرية فوق كافة الشواغل السياسية والطائفية».
وختم: «أملنا كبير في أن نتمكن من وضع تصورات جدية من خلال جلسات هذا المؤتمر ومحاوره تشكل في محصلتها خارطة طريق لإعمار دولنا العربية المدنية والإنسانية، وهو جزء حيوي من عملية الحرب على الإرهاب، وتجفيف منابعه، وبناء مستقبل أفضل لأجيالنا الطالعة».
طربيه: السياسات الحكيمة لمصرف لبنان أثبتت فاعليتها في مواجهة الأزمات
وتناول طربيه، من جهته التحديات التي تواجه الاقتصادات العربية، فأوضح «أننا أمام تحديات لم يسبق لعالمنا العربي أن واجه مثلها، مما يستدعي العمل على توفير تضامن دولي ودعم مالي لا يقتصر على نشاط مؤسسات الإغاثة، إنما يتوجه الى معالجة لب المشكلة، وهو الفقر وفقدان فرص العمل وتراجع النمو وغياب الديمقراطية».
وأوضح «أنّ التحديات التي تواجه عالمنا العربي اليوم ليست اقتصادية وسياسية فقط، بل هي كيانية في ظلّ خلط الأوراق وتغيير الثوابت، من هنا، فإنّ قياداتنا ومسؤولينا في المنطقة العربية مدعوون للتعاطي مع مشهد شديد التعقيد لم تعتد عليه».
وتوقف عند «مجريات الأحداث المفاجئة والمتسارعة في لبنان، حيث كان لإعلان استقالة الرئيس سعد الحريري من منصبه، التأثير المهم على الحياة السياسية في لبنان، خاصة أنّ الاستقالة أتت في ظل تصعيد للصراع السياسي بين المملكة العربية السعودية وإيران». وقال: «لا نتوقع تصعيداً للوضع في لبنان. على العكس، فإنّ التعاطي الحكيم مع الأزمة السياسية قد يحول المشكلة إلى فرصة لبناء توافق سياسي جديد محوره الإرادة الدائمة للبنانيين بعدم الشروع في أي مغامرة سياسية كانت أو أمنية».
وأكد أنّ المصارف «تواصل أداء دورها في خدمة زبائنها وتأمين التمويل للدولة وللقطاع الخاص، وقد أثبتت السياسات الحكيمة للتحوط للأزمات والمخاطر التي انتهجها مصرف لبنان بالتعاون مع المصارف اللبنانية، الفاعلية في مواجهة كلّ الأزمات المحيطة في لبنان والمنطقة».
القصّار: عون رجل قادر وحكيم وبري مهندس حلول ناجعة للأزمات المستجدة
ورأى القصار، بدوره، «أنّ الوضع العربي بات يتطلب صحوة عربية حقيقية، وتعاوناً عربياً فعالاً، من أجل إعادة العالم العربي إلى سكة النمو والتقدم والتطور من جديد، وتحقيق الرفاه المنشود لمواطنيه».
واعتبر «أنّ من الضروري تحقيق الإصلاحات السياسية الجذرية في دول الربيع العربي، لتأمين الاستقرار السياسي الداعم للنمو والتنمية فيها»، مؤكداً أنه «لا بد من وضع التكامل الاقتصادي العربي على سكته الصحيحة، في اتجاه إنشاء السوق العربية المشتركة بالسرعة المُمكنة».
وتطرق إلى الوضع الداخلي في لبنان «الذي يمر اليوم بمحنة جديدة، لكنه سيجتازها كما دائماً، نظراً إلى وجود رجل قادر وحكيم وقوي على رأس السلطة في لبنان، فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي يبادر بالاتصالات والتحركات اللازمة لإخراج البلد من هذه المحنة، يعاونه في ذلك رجل مهندس للحلول الناجعة للأزمات المستجدة، دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري».
وختم القصار: نحن مؤمنون تماماً بأنّ دولة الرئيس سعد الحريري أثبت ويثبت كل يوم بأنه رجل دولة، يضع مصلحة لبنان واستقراره أولاً. فنحن جميعاً معكم، متضامنين في الإصرار على تجاوز أزمتنا الراهنة، ومواصلة مسيرة الأمن والاستقرار والازدهار، وليظل بلدنا دائماً وأبداً بلد العيش المشترك، وبلد الأعمال والإنتاج والخدمات، والبلد الذي يحرص على أفضل العلاقات مع أشقائه وأصدقائه».
سلامة: تطوير أنظمة الدفع أساسي للتنمية الاقتصادية
ولفت سلامة، من جهته، إلى «أنّ الكتلة النقدية التي ينشر تفاصيلها مصرف لبنان أسبوعياً تدل بوضوح على محدودية التأثيرات التي تعرضت لها الأسواق النقدية في لبنان بسبب الأزمة السياسية»، مؤكداً «على استمرار الاستقرار، وبالأخص بعد عودة الأسواق إلى نمط هادئ».
أما في ما يتعلق بالتطورات المصرفية والمعايير المطلوب تطبيقها دولياً، أشار سلامة إلى «أنّ تطبيق هذه المعايير أمر ضروري لكي يبقى القطاع المصرفي اللبناني منخرطاً في القطاع المصرفي العربي وفي العولمة المصرفية. وقد طبق لبنان كلّ ما هو مطلوب لكي تكون المعايير المطبقة في القطاع المصرفي متوافقة مع مقررات بازل3 وتجاوزت ملاءة القطاع المصرفي الـ15 . كذلك فرؤوس الأموال متوفرة لتطبيق معيار الـ IFS9. وأصبح لدى القطاع المصرفي ما يكفي من الاحتياط لمواجهة أي تباطؤ اقتصادي، إن حصل، خلال الأعوام القادمة».
أضاف: «أما بالنسبة لموضوع الامتثال للتشريع الدولي، فهو معمول به ومنفذ، وتسمح القوانين اللبنانية وتعاميم مصرف لبنان بذلك»، مؤكداً «أنّ الآليات الموضوعة وفعالية دوائر الامتثال في المصارف اللبنانية كفيلة بتأمين الإطار الصحيح لتنفيذ التزام لبنان باحترام القوانين الصادرة عن الدول التي نتداول بعملتها أو نتعامل مع مصارفها».
من ناحية أخرى، أكد سلامة «أنّ تطوير أنظمة الدفع أساسي للتنمية الاقتصادية. وفي هذا الإطار، يسعى مصرف لبنان إلى تطوير أنظمة الدفع هذه عبر خطة يهدف من خلالها إلى ترسيخ الأمان في التبادل الإلكتروني إضافة إلى وضع القوانين اللازمة وتطوير التقنيات الضرورية من أجل التوصل إلى العملة الرقمية كوسيلة دفع إضافية».
وختم: «إننا ندرك التحديات التي تواجهها مصارفنا في المنطقة ونقدر جهود المصارف للالتزام بالمعايير الجديدة التي ترعى العمل المصرفي وللإبقاء على دورها في التسليف».
أبو الغيط: إعادة الإعمار فرصة حقيقية لجهد عربي متكامل ومنسق
ولفت أبو الغيط إلى أنّ «آثار الدمار تشمل المنطقة كلها، والخروج منه لن يكون إلا بتكاتف المنطقة كلها»، معتبراً «أنّ جهود إعادة الإعمار تمثل فرصة حقيقية لجهد عربي متكامل ومنسق».
وأشار إلى أن «تكلفة إعادة إعمار المناطق التي خربت وهدمت تتجاوز – في بعض التقديرات- التريليون دولار. ورقم مثل هذا يعطينا انطباعاً عن جسامة المهمة وخطورتها، وطبيعتها طويلة المدى، وإن الانخراط في جهد بهذا الحجم وبتلك الأبعاد الضخمة يتطلب تخطيطا علميا أدعو أن يبدأ من الآن وعملاً مؤسسياً أرجو أن يضم خيرة الخبرات والكفاءات سواء من داخل العالم العربي، أو من العقول المهاجرة للخارج».
وختم أبو الغيط مؤكداً أنّ «الجامعة العربية لا زالت تحتضن المشروع الاقتصادي الأهم في هذه المنطقة.. وهو المشروع الذي نراه يحمل أملاً حقيقياً ووعداً عملياً بالنمو والازدهار. أعني بذلك مشروع التكامل الاقتصادي الذي لا ينبغي أن يبقى مجرد حلم رومانسي.. وإنما يتعين أن ينتقل من مجال التفكير إلى حيز العمل والتنفيذ، حتى ولو جاء التنفيذ بخطوات بسيطة متدرجة مثل ربط الدول العربية بشبكات سكك حديدية أو مشروعات الربط الكهربائي أو المبادرات الأخرى التي تهدف إلى توحيد معايير بيئة الأعمال في العالم العربي مثل «الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية. وغير ذلك من المشروعات والمبادرات الكثيرة التي ما زالت -للأسف- حبيسة الأدراج وأسيرة ضعف الإرادة والطموح».
رئيس الحكومة
وألقى الحريري كلمة قال فيها: «يسرني أن أكون معكم وأن أرى اتحاد المصارف المجتمع في بيروت لنعود ونثبت الثقة بلبنان، وأشكر مشاعر الجميع وأؤكد لكم أننا في لبنان» «همنا الأساسي هو الاستقرار وهذا ما سنعمل عليه».
أضاف: «صحيح أنّ لبنان بلد صغير، ولكننا نحن اللبنانيين «عنيدين»، وأينما يكون اللبناني في العالم تجده يقف على رجليه، ونحن يجب أن نقف على قدمينا في بلدنا لبنان ونتكاتف جميعاً لمصلحته».
وتابع: «إنّ المرحلة التي مرت تشكل صحوة لنا جميعا لننظر إلى مصلحة لبنان أولا قبل أن ننظر إلى المشاكل حولنا، فالمشاكل التي تحيط بنا مهمة ولكن لبنان أهم. وعلاقاتنا مع أشقائنا العرب يجب أن تكون الأساس، وعلينا أن نبحث في كلّ الوسائل لنتمكن من الوصول لأن يكون للبنان نأي حقيقي وصريح بالنفس وليس بالقول فقط ولكن بالفعل أيضاً».
وختم الحريري: «أشكر اتحاد المصارف، وأنتم جميعاً موجودون اليوم في بلدكم الثاني لبنان، وقد رأيتم المصاعب التي مررنا بها، ليس فقط خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، ولكن أيضاً خلال السنين الأخيرة. وهنا أشيد بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي استطاع، في المراحل التي اختلفنا فيها نحن السياسيين مع بعضنا البعض، أن يحصن الليرة اللبنانية، لذلك نشكره على الحكمة التي يتمتع بها. وأقول لكم جميعاً أننا مستمرون بهذا المشوار الذي بدأه رفيق الحريري، من نهوض اقتصادي وتثبيت للاستقرار، ولن نتخلى عن هذا الطريق وسنستمر فيه».