قانون الإيجارات الجديد… أيها المستأجر اخرج من بيروت
المحاميان: خليل بركات وهاني سليمان
أعدّ العضوان المؤسّسان في تجمّع اللجان والروابط الشعبية المحاميان خليل بركات وهاني سليمان دراسة تبيّن الإجحاف الذي يلحقه قانون الإيجارات الجديد بالمستأجرين الفقراء وذوي الدخل المحدود، هذا نصها:
أخيراً صدر قانون الإيجارات الجديد بمادة وحيدة عنوانه «أيها المستأجر الصغير لست جديراً بالسكن في بيروت»، أو في المدن الكبرى.
بعد صدور هذا القانون، تلقينا عدداً كبيراً من الاستفسارات، تمحورت جميعها حول البدل الجديد الذي سيدفعه المستأجر جرّاء تطبيق هذا القانون.
أسئلة تنضح بالقلق، كقيمة مضافة على الهموم التي يعانيها ويكابدها أصحاب الدخل المحدود، جرّاء الزيادات التي لحظها هذا القانون.
قبل الإجابة عن السؤال المقلق المتعلق بكيفية احتساب الزيادات لا بد من إيراد بعض الملاحظات:
أولاً لقد صِيغ هذا القانون وكأنه مضبطة بحق المستأجرين القدامى، بحيث وضع على عاتقهم دون غيرهم، وبمفعول رجعي، وزر ومسؤولية التعويض على المالكين، بحيث تناسى واضعوه أنه قد جرت زيادات على البدلات خلال السنوات 1992 و1994 و1995 و1996 و2008 و2012.
ثانياً لا يهدف هذا القانون كما توحي نصوصه، إلى إنصاف المالكين، كتعويض عن ربح فائت، بقدر ما يهدف إلى سيطرة الشركات العقارية المنتظرة على مفارق الطرقات، إلى الربح المستقبلي، جرّاء إخلاء بيروت من طبقتها الفقيرة والمتوسطة.
ثالثاً إن هذا القانون، قد خلا من الحس الاجتماعي، لا بل إنه يهدد الأمن الاجتماعي جراء الأسى الذي ستحدثه عملية الإخلاء ـ لا بل التهجير ـ الذي تفرزه مفاعيل هذا القانون في المدى المتوسط، حتى ليمكن القول إن ضمور الطبقة المتوسطة حتى الاضمحلال في المدى القريب، سيكون السمة العامة في المجتمع اللبناني، وفي ذلك ما فيه من اضطرابات اجتماعية، لا نعتقد أن لبنان قادر على تحمل أوزارها.
وإذا كان من فائدة يتيمة لهذا القانون هي أنه سينحي الصراع المذهبي والطائفي جانباً لمصلحة اصطفاف من نوع آخر.
ماذا عن صندوق الدعم:
لقد أفرد هذا القانون باباً خاصاً بصندوق مالي يلحظ تعويضاً للمستأجرين من خزينة الدولة، وقد جاءت هذه الإضافة من باب لزوم ما لا يلزم.
تتحدث المادة الثالثة من القانون عن إنشاء صندوق خاص للإيجارات السكنية يهدف إلى مساعدة المستأجرين الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور. وحددت الفقرة 2 من المادة العاشرة أنه يقتصر احتساب معدل الدخل العائلي الشهري على مجموع معدلي الدخل الشهري للزوج والزوجة.
فلو أخذنا مثلاً أن رجلاً استأجر قبل 23/7/1992 بأشهر عدّة، وكان هذا المستأجر يعمل في الدرجة الخامسة بصفة مستخدم، كما أن زوجته تعمل بنفس الدرجة والراتب تقريباً، فإن مجموع راتبيهما بعد 23/7/1992 أي بعد 22 سنة، سيصبح بالتأكيد أكثر من ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور، مع العلم أن مجموع راتبيهما لا يكفيهما حتى النصف الأول من الشهر وفقاً لدراسة، تؤكد أن العائلة المؤلفة من أربعة أشخاص تحتاج الى أكثر من 900.000 ل.ل من أجل الأكل فقط لثلاث وجبات في اليوم، إضافة لبعض المصاريف الزهيدة.
لقد نصت الفقرة الأولى من المادة العاشرة من القانون على أنه: «إذا قررت اللجنة، المكلفة درس طلبات الاستفادة من دعم الصندوق أن معدل الدخل العائلي الشهري للمستفيد يتجاوز ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور، ترفض المساهمة لعدم استحقاقها، ويتوجب على المستأجر دفع بدل الإيجار الجديد الناتج من تطبيق الزيادات المنصوص عنها في هذا القانون تحت طائلة اعتباره ناكلاً وتطبق عليه عندها أحكام هذا القانون».
من المعروف أن الخاضعين لأحكام هذا القانون هم أنفسهم الخاضعون لأحكام القانون 160/92 الصادر بتاريخ 23/7/1992.
الهدف من القانون:
إن السمتين الأساسيتين لهذا القانون هما:
أولاً – الزيادة الباهظة على البدلات.
ثانياً- إخلاء المأجور بعد ست أو تسع سنوات.
كان يمكن الاكتفاء بواحدة منهما، أما الإصرار عليهما مجتمعتين فهو عملية تهجير مشرعنة تضرب الاستقرار الاجتماعي، بحيث يضطر رب العائلة، إما الرضوخ إلى بدلات لا طاقة له على تحملها أو ترك المأجور مع عائلته وأطفاله، مع ما يرافق ذلك من تغيير لمدارسهم وعلاقتهم الاجتماعية.
كيفية تطبيق الزيادة:
لقد حددت المادة 15 من القانون هذه الزيادة بأنها الفارق بين البدل المعمول به قبل نفاذ القانون، وبدل المثل للمأجور.
كما حددت المادة 20 بدل المثل على أساس نسبة 5 في المئة خمسة في المئة من القيمة البيعية للمأجور في حالته القائمة في ما لو كان خالياً.
واستناداً إلى هذا التحديد، فقد حددت الفقرة ب من المادة 15، الزيادة المتوجبة على النحو التالي:
زيادة 15 في المئة خمسة عشر في المئة من قيمة فارق الزيادة بين البدل المعمول به قبل نفاذ هذا القانون، وبدل المثل عن كل سنة من السنوات التمديدية الأربعة الأولى.
زيادة 20 في المئة من قيمة فارق الزيادة عن كل من السنتين الخامسة والسادسة من الفترة التمديدية، بحيث يبلغ بدل الإيجار في السنة التمديدية السادسة قيمة بدل المثل.
في السنوات السابعة والثامنة والتاسعة، فإن بدل الإيجار هو بدل المثل لكل منها.
فإذا كانت القيمة البيعية للمأجور الذي يشغله المستأجر، قد حددت مثلاً بمبلغ /200.000 د.أ/ في بيروت، وهي في هذه الحال شقة متواضعة وفي منطقة شعبية، فإن بدل المثل لهكذا شقة يكون /10.000 د.أ/ سنوياً.
200.000 5 = 10.000 د.أ.
100
فهل تستطيع العائلة التي تسكن شقة متواضعة كهذه أن تدفع قيمة هذا البدل إيجار سنوي؟
يقال بأن القانون قد لحظ إيجاد صندوق مالي يموّل من خزينة الدولة بهدف دفع الزيادة في البدل عن المستأجرين الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور خلال مدة تسع سنوات ولكن ماذا سيحل بهذه الأسر بعد انقضاء هذه المدة سوى التشرد.
إن هذا القانون سوف يدفع أكثر من مئة ألف عائلة إلى التشرد، لأنها سوف تكون عاجزة عن بدل الإيجار، أكثريتهم الساحقة عند المباشرة بتطبيق الزيادات على المستأجرين، والأقلية منهم بعد انقضاء تسع سنوات.
إذ إنه بعد تسع سنوات يصبح الإيجار حراً، وبالتالي تصبح الكارثة الاجتماعية أكبر.
بين الأماكن السكنية وغير السكنية:
الملفت أن القانون قد تساهل مع عقود إيجار الأماكن غير السكنية، في حين أنه تشدد مع عقود إيجار الأماكن السكنية.
فقد نصت المادة 38 منه على ما يلي: «لحين نفاذ قانون خاص ينظم علاقة المالك بالمستأجر في هذه العقود، تمدد عقود إيجار الأماكن غير السكنية المعقودة قبل 2/7/1992 حتى تاريخ 31/12/2018.
خلال هذه المدة ترتبط بدلات الإيجار اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون وتزاد بنسبة تعادل معدل التضخم السنوي وفقاً للمؤشر الرسمي الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي في السنة السابقة على ألّا تتجاوز الزيادة الخمسة في المئة 5 في المئة ».
لقد ربط القانون الزيادة على بدلات إيجار الأماكن غير السكنية بمعدل التضخم السنوي على ألّا تتجاوز الزيادة 5 في المئة في حين أنه حدد هذه الزيادة بالنسبة إلى الأماكن السكنية بنسبة 15 في المئة عن كل سنة من السنوات التمديدية الأربعة، و20 في المئة عن كل من السنتين الخامسة والسادسة.
فلماذا لا يعامل شاغلوا الأماكن السكنية أسوة بغيرهم من شاغلي الأماكن التجارية؟
إن هذا التباين يعكس حقيقة النظرة إلى مدينة بيروت، بصورة خاصة مستقبلاً، بحيث يراد أن تكون هذه المدينة مجرّد سوق تجاري ومكاتب وأماكن سكنية للأثرياء فقط، يرتادها المواطنون من خارجها للتفرج على معالمها أو للتسوق منها، والعودة من حيث أتوا. لكأن الهدف من هذا القانون هو الأبنية السكنية المشغولة من أبناء الطبقات الفقيرة والطبقة المتوسطة التي أصبح معظمها على حافة الفقر.
إن الزيادة التي لحظها القانون على إيجار الأماكن السكنية هي باهظة جداً بحيث يستحيل معها على المستأجرين دفعها، لاسيما من بلغ منهم سن التقاعد .
والغريب في الأمر أن التوقيت الذي صدر فيه هذا القانون خلسة، جاء في وقت بلغ فيه التردي الاقتصادي والمعيشي ذروته وتفاقمت البطالة، وتردت القيمة الشرائية للمداخيل وازدادت نسبة الفقر.
فبدلاً من أن تكون هذه الظروف محل اعتبار بقصد التخفيف من وطأتها على كاهل الفقراء، فقد جاء هذا القانون ليشكل طعنة مميتة في صدر الشعب، وتنكراً لمصالحه الحياتية.
القانون الأسوأ بين أقرانه:
الغريب في الأمر أيضاً، أن هذا القانون، بما تضمنه، جاء أسوأ بكثير من القوانين التي كانت مدار بحث في السنوات السابقة التي لاقت اعتراضاً من المجتمع المدني في غالبيته الساحقة. إذ إن تلك القوانين التي رفضت في حينه، كانت قد أشارت إلى التعويض على المستأجر في حين أن القانون الحالي لم يلحظ أي تعويض إلاّ في حالة الاسترداد أثناء مدة التمديد، وبنسب ضئيلة، قياساً على ما كان معمولاً به.
لو كان في هذا القانون ما يوحي للمستأجر الصغير الذي تضطره ظروف عمله للعمل في بيروت، بإعادته إلى منطقته وفق خطة مدروسة تقوم على إنماء المناطق لاستبشرنا خيراً به، وقلنا إن الدولة قد أمسكت بطرف خيط الإصلاح. لكن السطور وما بينها تحدونا للقول إن الدولة ليست حاكمة، بقدر ما هي محكومة، وأن مؤسساتها وخصوصاً مجلسها النيابي، هو من عجين تلك الدولة المرتهنة لطبقات لا تقيم للسلم الاجتماعي أي وزن.
إن المخرج الدستوري، لتجنب الوقوع في الكارثة هو الآن في متناول رئيس الجمهورية، بأن يقدم على رد القانون إلى مجلس النواب، عسى أن تستفيق الضمائر ويعود المجلس عن قراره، وإلاّ فإن الجميع يتحمل مسؤولية هذه المجزرة أمام الشعب والتاريخ.