غصن: الاحتلال والإرهاب أخطر تحدّيين تواجههما المنطقة وهما يعيقان كلّ خطط التنمية والإعمار والبناء
شارك الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب غسان غصن في المؤتمر النقابي الدولي حول مستقبل العمل الذي عُقد في البرتغال خلال الفترة من 29 وحتى 30 تشرين الثاني، بحضور قيادات العمال والعمال حول العالم.
وألقى غصن كلمة أكّد في خلالها على أنّ الاحتلال والإرهاب هما أخطر تحدّيين تواجههما المنطقة العربية، لافتاً إلى أنّهما يعيقان كلّ خطط التنمية والإعمار والبناء.
وقال: «تشرّفني مشاركتكم في أعمال هذا المؤتمر النقابي العالمي حول مستقبل العمل، حاملاً إليكم تحية الأمانة العامّة للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وما يمثّله من اتحادات نقابية عربية منتشرة من غرب آسيا إلى شمال أفريقيا، هذا الاتحاد الذي تأسّس العام 1956، كإطار معبّر عن وحدة الطبقة العاملة، تتويجاً لنضالاتها وتضحياتها الكبرى، وهو يقوّي من تلاحمها في الكفاح من أجل مواجهة الأخطار المهدّدة لأهدافها وطموحاتها المستقبلية، والتحرُّر من الهيمنة الإمبريالية والصهيونية والرجعية بكافة مظاهرها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية، بما يعزّز من دورها النضالي في إقامة المجتمع المتقدّم والمزدهر. هذا الاتحاد الذي يمثل ما يناهز المئة مليون عامل عربي يتشاركون هموم هذه المنطقة الملتهبة البالغة الأهمية والخطورة من العالم حيث يتفشّى الإرهاب والتطرّف، وترزح بعض دولها تحت نير الاحتلال «الإسرائيلي» في فلسطين والجولان السوري ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا في جنوب لبنان، ما يجعل مستقبل العمل رهينة الاضطرابات والحروب التي تؤدّي إلى تباطؤ النموّ، ما يفاقم البطالة والتهميش والفقر، ويدفع الشباب إلى الهجرة سعياً إلى ما يسدّ رمقهم لتأمين لقمة عيش كريمة».
ولفتَ إلى «أنّ هذا المؤتمر يشكّل مرتكزاً أساسياً لنقاش تحليلي وعلمي يمكن الاستناد إليه في إطار اتّخاذ القرارات والتوصيات والتوجّهات التي ستسفر عنها أعمال هذا الاجتماع الهامّ منطلقاً من أهداف التنمية المستدامة ،2030 وعلاقتها بالعمل اللائق والعوامل المؤثّرة في عالم العمل، والإشكاليات التي تعترض العمل اللائق وتفعيل الحوار الاجتماعي وتحسين إدارة سوق العمل والقضاء على عمل الأطفال والعمل غير المُنظَّم والاتقاء بسلاسل التوريد وتعزيز الحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى قضايا الشباب والمرأة والبطالة والفقر وغير ذلك من القضايا الهامّة والشائكة».
أضاف: «إنّنا وفي موقعنا في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب نتشارك وإيّاكم توصيف المدير العام لمنظمة العمل الدولية «بانعدام الرؤية» في المشهد العالمي، لا سيّما أنّ الزلزال المالي الذي أصاب المراكز الرأسمالية العالمية العام 2008 لا تزال تردُّداته قائمة. كما أنّ تراجع أسعار النفط انعكس سلباً على مؤشّرات النمو في مختلف دول العالم، ما فاقم أعداد العاطلين عن العمل وزاد من ارتفاع معدّلات البطالة، ما يتطلّب منّا اليوم الوقوف صفاً واحداً من أجل مواجهة تلك التحدّيات التي تعصف بالعالم أجمع».
وتوجّه غصن إلى المؤتمرين قائلاً: «أنا قادم إليكم اليوم من منطقة مستعرة يضربها الإرهاب والتطرّف، وحيث يواصل الاحتلال «الإسرائيلي» في فلسطين وبعض الأراضي العربية المحتلة تهديداته العدوانية». واعتبر «أنّ أخطر تحدّيين تواجههما منطقتنا العربية هما الاحتلال والإرهاب، وهما يعيقان كلّ خطط التنمية والإعمار والبناء. وبرغم ما أنجزه الجيشان العربي السوري والجيش العراقي والمقاومة اللبنانية من انتصارات على «تنظيم الدولة الإسلامية» الإرهابي في بلاد الشام والعراق، وكذلك ما يحقّقه الجيش المصري في ملاحقة فلول جماعات الإخوان المسلمين المتطرّفة في مصر، لا يمكننا إغفال ما خلفه هذا الإرهاب من دمار وخراب وقتل وتشريد، وما تسبّب به خلال الخمس سنوات الماضية بدعم من الإمبرياليّة العالمية والرجعية العربية من تدمير كامل للبنية التحتية لأربع دول عربية هي ليبيا واليمن والعراق وسورية، وتشريد 14 مليون لاجئ و 8 مليون نازح و4.1 مليون قتيل وجريح و30 مليون عاطل عن العمل، وقد بلغت خسائر الناتج المحلّي العربي 900 مليار دولار سنوياً، و50 مليار دولار تكلفة اللاجئين سنوياً وترليون و200 مليار دولار كلفة الفساد في المنطقة العربية بسبب غياب الأمن والقانون، فضلاً عن أنّ 70 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر المدقع. كما أنّ سورية والعراق وحدهما تحتاجان إلى نحو تريليون دولار لإعادة إعمار وإصلاح ما دمّره الإرهاب».
وتابع غصن: «أمّا في فلسطين الرازحة تحت الاحتلال «الإسرائيلي»، فإنّ أكثر من مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة على مساحة لا تزيد عن 1.3 من مساحة فلسطين الإجماليّة، في ظلّ حصار وبطالة وفقر مدقع وإجراءات أمنيّة جائرة وحروب دمّرت القطاع ثلاث مرات خلال خمس سنوات، وقد تمّ منع استيراد مواد البناء اللازمة لإعادة الإعمار الأمر الذي ترك عشرات الآلاف من الأسر تعاني التشرُّد والضياع. أمّا عمال فلسطين، فقد اضطرهم ضيق الحال للعمل داخل الكيان «الإسرائيلي»، في ظروف لا إنسانية تتمثّل في حرمانهم من حقوقهم الأساسية في العمل، وإذلالهم وسرقة السماسرة جزءاً من أجورهم، وتشغيل الأحداث والأطفال والنساء في أعمال بعيدة عن معايير العمل اللائق، فضلاً عن ارتفاع معدّلات البطالة بين الشباب وخرّيجي الجامعات إلى ما يزيد عن 55 من الفئة العمريّة ما بين 16 عاماً و29 عاماَ، ما يفضي إلى الانفجار ويضع المنطقة كلّها في دائرة العنف والتطرف».
ولفتَ الأمين العام إلى «أنّ السياسات الناجمة عن تغييب العدالة الاجتماعية لا تهدّد منطقة بعينها، بل تمتدّ إلى كافة بلدان العالم»، شارحاً «أنّ مؤشّرات معدّلات البطالة التي بلغت وفق تقديرات منظمة العمل الدولية للعام 2017 نحو 200 مليون عاطل عن العمل والمرشّحة للازدياد، تنذر بتداعيات اجتماعية خطيرة إن لم تتوفر 600 مليون فرصة عمل لائق تطابقاً مع أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها منظمة العمل الدولية بحلول العام 2030».
كما أوضح «أنّ أعداد الذين يقعون بين براثن الفقر في ازدياد مستمر، حيث رصدت المنظّمة زهاء 327 مليون عامل يعيشون في فقر مدقع، و967 مليون شخص يعيشون على حافة الفقر، في حين لا تغطّي الحماية الاجتماعية الملائمة سوى 27 من سكّان العالم».
وانطلاقاً من هذا العرض، رأى غصن «أنّ مستقبل العمل سيكون بلا ملامح أو رؤية»، مشيراً إلى أنّ الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وضع «خطة ثلاثية المحاور تبدأ بلمّ الشمل والوحدة النقابية والعمل المشترك مع الشركاء الاجتماعيين ذوي الأهداف المشتركة حول العالم، والتعاون مع الأطراف الثلاث لدعم خطط التنمية والإنتاج».
وأكّد «أنّنا مطالبون جميعاً من أجل تحالف إقليمي وعالمي لمواجهة تحدّيات مستقبل العمل. فنحن في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب نؤمن بالوحدة ونعمل من أجلها مع المنظمات النقابية ذات الأهداف المشتركة، وبالتعاون مع منظّمتي العمل العربية والدولية دعماً لأهداف التنمية المستدامة للعام 2030 التي اعتمدتها القمّة الأمميّة سنة 2016، وحشد كلّ الجهود للقضاء على الفقر ومكافحة عدم المساواة والحدّ من تحويل العامل إلى مجرد سلعة، ومواجهة العولمة الجائرة والنيو ليبرالية المتوحشة، والخصخصة التي يفرضها البنك الدولي، بالإضافة إلى شروط صندوق النقد ومطالب منظّمة التجارة العالمية وضمان كرامة العامل وحقّه بالعمل اللائق، وحقّ التنظيم النقابي والتفاوض الجماعي وحماية المرأة والطفل، ومطالبة الحكومات وأصحاب العمل في العلم بعقد حوارات تتمحور حول تنظيم العمل وحوكمة الإدارة العامّة وتأمين الحماية الاجتماعية وتعزيز الضمان الاجتماعي والحدّ من الفساد والتنبّه لمخاطر شبكات التوريد وإقامة المشروعات التي تولد فرص عمل للشباب وتدفع لهم الأجر العادل وكذلك حماية حقوق العمال المهاجرين، فضلاً عن بناء اقتصادات متينة ترتكز على القطاعات الإنتاجيّة بما يساهم في توسيع أسواق العمل».
وختم الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب غسان غصن كلمته، بأنّ «هذه التطلّعات التي نسعى إليها تستدعي منّا التعاون المشترك والنضال من أجل مستقبل عمل تتحقّق فيه العدالة الاجتماعية، التي هي الركن الأساس لتأمين الاستقرار الاجتماعي والسلم العالمي».