دراسة سقوط ورقة التين يفضح عورة العرب
وجدي المصري
يحضرني قول تشي غيفارا: «لا شيء أسوأ من خيانة القلم، فالرصاص الغادر قد يقتل أفراداً، أمّا القلم الخائن فإنّه يقتل أُمَمَاً».
هذا القلم الخائن هو الذي كلّفته الجامعة العربية بصياغة بيان وزراء خارجيتها الأخير، وهو القلم ذاته الذي صاغ بيان المعارضة السورية إثر انعقاد اجتماعها الأخير في السعودية. البيان الأوّل ركّز على تضامن أبناء العروبة الميامين ضدّ ما أسموه بالتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، أمّا تدخلات الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية وتركيا و»إسرائيل» فهي مرحّب بها حتى ولو مرّغت كرامات الحكام العرب وشعوبهم بالوحل المجبول بالذلّ والمهانة والحقارة.
أسقط بيان وزراء الخارجية العرب ورقة التين التي كان الحكام العرب يخبّئون بها عريهم السياسي والأخلاقي والإنساني والديني، وإذا بهذا السقوط يسفر عن إظهارهم كالخصيان يقفون على أبواب رعاتهم يستجدون رضاهم للبقاء على عروشهم. هم خصيان فكر وأفعال. خصيان فكر لأنّ شُذّاذ الآفاق من اليهود استطاعوا أن يتلاعبوا بعقولهم ويقنعوهم بأنّ «دولة إسرائيل»، دولة الاحتلال والقتل والتدمير والتشريد، هي دولة مسالمة لا تكنّ لهم العداء، وانّ إيران الشيعية هي الشيطان بعينه، وهي التي تقود محور الشرّ الذي وحده يشكّل الخطر الكبير عليهم.
إذا سلّمنا جدلاً بهذه المقولة ألا يحق لنا أن نطلب من مطلقيها إطلاعنا على الوثائق والأدلّة التي تبرّئ «إسرائيل» وتدين إيران؟ أم أنّ المنطق بات يرتكز على مقولة: «وإنّما الأعمال بالنيات»؟ هل نسي وزراء الخارجية العرب، الذين يمثلون أولياء نعمتهم من ملوك وأمراء ومشايخ ورؤساء، أنّ «إسرائيل» هي التي سرقت أرض فلسطين، وهي التي قتلت وهجّرت ودمّرت وهي التي شنّت عليهم حروباً متتالية، وهي التي احتلت إحدى عواصمهم ونصّبت رئيساً «عربياً» بالقوّة في إحدى دولهم، وهي التي لا تزال ماضية قدُماً بقضم المزيد من الأراضي وقتل المزيد من الأطفال والشبان والنساء والعجّز، وهي التي تمنعهم من الصلاة في أقدس مساجدهم، وهي التي امتنعت عن تنفيذ العديد من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهي التي هزئت بكلّ قرارات جامعتهم العربية، وهي التي رفضت قرار القمة العربية في بيروت من أجل السلام معها والذي شكّل تنازلاً مذلاً ينهي المسألة الفلسطينية… هل نسوا كلّ ذلك أم تناسى هؤلاء الخصيان الحقيقة التي تفضح عجزهم؟ وفي المقابل هل يستطيع هؤلاء أن يشيروا إلى مرة واحدة قامت فيها إيران بالاعتداء على دولة عربية، إلاّ إنْ كانوا لا زالوا يحقدون على قورش لانتصاره على بابل، وهذا ما لا أعتقده لأنّه، وحسب التوراة، هو الذي أعاد اليهود إلى القدس وسمح لهم بإعادة بناء الهيكل المزعوم، وهذا ما يتوافق مع أهوائهم الصهيونية القديمة المتجدّدة؟
سقطت ورقة التين وأظهرت عريهم الوطني المخزي، وإذا بالتاريخ الذي لا يعيد نفسه إلاّ مع المغفلين، قد أعاد نفسه مع آل سعود، حيث أظهرت وثيقة موقّعة من السلطان عبد العزيز آل سعود اشتراكه مع البريطانيين في المؤامرة على أرض فلسطين. وجاء في الوثيقة ما يلي: «أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، أقرّ ألف مرّة، للسير برسي كوكس، مندوب بريطانيا العظمى، بأن لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم، كما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها». لا فرق عند السلطان من يسكن فلسطين شرط أن يبقى على عرشه، وإنسانيته وأريحيته اليعربية جعلته يعطف على اليهود المساكين، فليأخذوا فلسطين، ولكن ما لهذه الإنسانية تتغاضى عما سيحلّ بالفلسطينيين؟ وتخرج بعض الأبواق لتكذّب هذه الوثيقة وتحاول دحضها مستشهدة بما قاله الملك أو السلطان للرئيس روزفلت وترومان حول عدم شرعية ما ينوي اليهود تحقيقه من اغتصاب لأرض فلسطين. يقول داحضو هذه الوثيقة: «في الاجتماع التاريخي بين الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي روزفلت في شباط/ فبراير 1945 أشار الملك عبد العزيز إلى أنّه يمكن حلّ المشكلة اليهودية بتوزيع اليهود على البلاد الغنية التي يتكوّن منها معسكر الحلفاء. كما أكّد الملك عبد العزيز أنّ من الإجحاف أن يدفع عرب فلسطين الأبرياء ثمن جرائم ارتكبها غيرهم. إشارة إلى ظلم الأوروبيين لليهود والهولوكوست المزعوم على يد هتلر بحقهم . ويشرح الملك عبد العزيز في رسالة إلى الرئيس ترومان حقيقة الموقف في فلسطين، والحق الطبيعي للعرب بها وأنّ ذلك يرجع إلى آلاف السنين وأنّ اليهود ليسوا إلاّ فرقة ظالمة باغية معتدية. أضف الى ذلك أطماعهم التي يبيّتونها ليس لفلسطين وحدها بل لسائر البلاد العربية المجاورة ومنها أماكن في بلادنا المقدّسة. كما جاء في رسالة موجهة من الملك إلى روزفلت 30 نيسان/ إبريل 1943 ما يلي: «لا يوجد أيّ حق لليهود في مطالبتهم بفلسطين وإنّ كلّ ما يطلبونه فيها ليس إلاّ إعتداء وعدواناً لم يسجّل له مثيل في تاريخ البشرية. ثم يشير الكاتب إلى العائلات الفلسطينية التي باعت أرضها للوكالة اليهودية، وهو بذلك أراد أن يقول بأنّ الفلسطينيين باعوا أرضهم واليوم يلقون اللوم على العرب لعدم دعمهم لاسترجاع الأرض التي باعوها. نقلاً عن غوغل، أرشيف منتدى الدفاع عن السنّة .
لم يأخذوا أيّ موقف من الإنكليز!
إذا أردنا أن نأخذ هذا الكلام على عواهنه سنقول مباشرة إنّ الوثيقة مزوّرة وأنّ الملك لحقه غبن. أمّا إن أردنا التحليل فالأمر سيختلف. اللافت أولاً في نص الوثيقة هو الرضوخ الكامل لإرادة الإنكليز، وهذا الرضوخ لا يمكن إنكاره، إذ لم يتخذ عرب الجزيرة أيّ موقف سلبي من الإنكليز بعد أن تنكّروا لوعودهم التي أغدقها مكماهون للشريف حسين في عشرينات القرن العشرين. أمّا في الأربعينات فالوضع بات مختلفاً. فعلى الصعيد الفلسطيني، تمّت مواجهة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، لكنّ الانتداب البريطاني كان يقمع الفلسطينيين ويغضّ الطرْف، ليس فقط على الهجرة اليهودية غير الشرعية، بل عن كلّ الأعمال العدائية التي كان اليهود يقومون بها، وبعد أن تأكد للانتداب البريطاني أنّ وعد بلفور في طريقه الى التحقق، وأنّ اليهود ستكون لهم دولتهم في فلسطين أُعلن انتهاء الانتداب وكان ما كان.
شرّع انسحاب بريطانيا من مسرح الأحداث في فلسطين الأبواب لبدء النفوذ الأميركي والذي كان قد دخل إلى المملكة السعودية عبر شركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» عام 1933 التي وقّع معها الملك اتفاقية التنقيب عن النفط بعد أن خذله الإنكليز أيضاً في هذا المجال، وهذه الشركة أصبحت تُعرف في ما بعد باسم أرامكو ويكيبيديا ، ثانياً كان لعامل الوعي القومي الذي أدّى إلى تحركات شعبية ميدانية رافضة للوجود اليهودي وللتآمر الإنكليزي في آن أثره في تغيير موقف ملك السعودية من الأحداث، فتوجّه هذه المرة للأميركيين على أنّه المطالب بالحقّ العربي علّه بذلك يكرّس زعامته للعالم العربي. وثالثاً يظهر بوضوح ضحالة معلومات ملك السعودية، أو قل من زوّده بالمعلومات، إذ إنّ فلسطين لم تكن يوماً عربية، بل هي جزء من أرض كنعان، وحديثاً باتت تعرف بسورية الجنوبية لغاية إقرار معاهدة «سايكس بيكو» التي قسّمت سورية الطبيعية إلى كيانات، ثم سمحت لليهود بالهجرة إلى فلسطين بغطاء من الانتداب الإنكليزي الذي أمّن إقامة الدولة اليهودية بعد انسحابه وبالرغم من التقسيم الذي فرضته «سايكس بيكو» فإنّ المؤتمر العربي الفلسطيني الأوّل الذي عُقِدَ في شباط 1919 في القدس خرج بعدة قرارات كان أوّلها: إننّا نعتبر فلسطين جزءاً من سورية العربية إذ لم يحدث قط أن انفصلت عنها في أيّ وقت من الأوقات، ونحن مرتبطون بها بروابط قومية ودينية ولغوية وطبيعية واقتصادية وجغرافية. وجاء في القرار الثالث: بناءً على ما تقدّم، إننا نعرب عن رغبتنا بأن لا تنفصل سورية الجنوبية أو فلسطين عن حكومة سورية العربية المستقلة».
أن يتكلّم السوريون، ومن ضمنهم الفلسطينيون، اللغة العربية هذا لا يعني أنّهم أصبحوا عرباً. وإذا اعتنق السوريون الإسلام ديناً لهم، عن قناعة أو عن خوف، بعامل الاحتلال العربي لسورية، فهذا لا يعني أيضاً أنّهم أصبحوا عرباً، بل يعني أنّ القبائل العربية التي استقرّت بعامل الفتح الإسلامي وقبله بعامل الهروب من الجفاف، وحياة البداوة قد تسرينت من خلال اندماجها مع الشعب السوري في دورة حياة واحدة… جاء في لسان العرب لابن منظور وتحت باب عرب ما يلي: «قال الأزهري: والأقرب عندي أنّهم سمّوا عرباً باسم بلدهم العربات… وانتشر سائر العرب في جزيرتها فنسبوا كلّهم إلى عربة…»، وهذا يعني أنّ أيّ شعب يأخذ اسمه بداية من بقعة الأرض التي يسكن فيها وليس من اللغة أو الدين أو العرق. وهناك تفسير آخر ورد في لسان العرب لكنّه بعيد عن المنطق لأنّه يعتمد على الأساطير ولا مستند تاريخي يؤيده. يقول ابن منظور: «واختلف الناس في العرب لمَ سمّوا عرباً فقال بعضهم: أول من أنطق الله لسانه بلغة العرب يعرُبُ بن قحطان وهو أبو اليمن كلهم، وهم العرب العاربة أيّ الخُلّص الصُرحاء لتمييزهم عن العرب المستعربة أيّ الدخلاء، وعن الأعراب أيّ البدو». فإذا كان وجود يعرب بن قحطان صحيحاً ومقبولاً تاريخياً، فليس من المقبول بشيء نسبة العرب إليه لأنّه أول من تكلّم العربية إذ لا علاقة أولاً للغة بتسمية الشعوب، وثانياً لأنّنا نعلن أنّ اللغة العربية هي نتيجة تطوّر إحدى اللهجات الكنعانية مثلها مثل العبرية، والأصحّ أن يُقال نسبةً إلى يعرُب كالعثمانيين نسبةً إلى عثمان بن أرطغرل مؤسس الإمبراطورية العثمانية سنة 1258. وانطلاقاً مما أورده ابن منظور، فإنّ العرب الخُلّص هم أبناء اليمن، أمّا أبناء صحراء آل سعود فهم الأعراب، ولربّما كان هذا أحد أسباب حقد آل سعود على اليمنيّين إذ جاء في لسان العرب أيضاً:» والأعرابي إذا قيل له: يا عربي فرح بذلك وهشّ له. والعربي إذا قيل له: يا أعرابي غضب له». وهذا يعني أنّ عرب اليمن هم أعلى منزلة من أعراب الصحراء. وكثر من المؤرّخين يؤكدون أنّ اليمن كانت الخزّان البشري الذي أعطى معظم الهجرات التي توجهت إلى بلاد الرافدين وبلاد الشام، فهم كانوا أهل حضارة وتفاعلوا مع الحضارات الأخرى التي حضنتهم فأخرجت شعباً واحداً ذا نفسيةٍ واحدة. أمّا الأعراب فقد كانت الصحراء موطناً لهم والخيم مساكنهم، وكان عليهم انتظار الفتح الإسلامي للانطلاق من صحرائهم إلى بلاد الشام التي هذّبت أخلاقهم وأعطتهم كلّ أنواع المعرفة التي كانوا يفتقدون. ورابعاً يقول صاحب الردّ الداحض للوثيقة بأنّ الفلسطينين هم من باعوا أرضهم للوكالة اليهودية. قد يكون بهذا القول بعض الحقيقة ولكنّ الخقيقة الواضحة تؤكّد أنّ ما باعه الفلسطينيون، بالترهيب أو الترغيب، لا يشكّل إلاّ جزءاً بسيطاً من مساحة فلسطين، وأنّ العائلات التي باعت المساحات الشاسعة هي عائلات لبنانية كانت تملك تلك الأراضي. يقول سعيد نفّاع في كتابه «العرب الدروز» في الصفحة 41 ما يلي: « استطاعت الحركة الصهيونية اقتناء الكثير من الأراضي من ملّاكين خارج فلسطين من عائلات لبنانيّة: سرسق، تيّان، تويني، مدوّر وغيرها. كانت هذه العائلات استولت على أجود أراضي فلسطين مرج ابن عامر في المزاد الذي أعلنته السلطة العثمانية سنة 1869 لاستيفاء الضرائب من الفلاحين أصحاب الأراضي». أمّا في المصادر الصهيونية فنقرأ: «أراضٍ كثيرة من فلسطين، كما هو معروف، كانت ملكاً لإقطاعيين من خارج فلسطين، كانوا من أوائل من باع الأراضي للشركات اليهودية، طبعاً دون أخذ رأي الفلاحين، الأقنان عملياً، ومن وراء ظهورهم، كانت الصفقات تتم ويلتزم المشترون، موظفو البارون روتشيلد، وعلى رأسهم أوزوفيتسكي، بالديون المترتبة على الفلاحين، ويعملون مباشرةً على إخلائهم منها». وبالرغم من كل حالات البيع التي حصلت لم يستطع اليهود استملاك أكثر من سبعة في المئة من مجمل مساحة فلسطين قبل قيام دولتهم بالقوة عام 1948، وهذه النسبة لا تشكّل أبداً وصمة عارٍ على جبينهم، بل العار كلّ العار على موقف معظم الدول العربية المتخاذل منذ تأسيس دولة الاحتلال وحتى اليوم، حيث سقطت ورقة التين التي كانوا يخبؤون وراءها ما يضمرون.
سقطت ورقة التين، وقبل أن يفضح خصيان العرب في جامعتهم الكرتونية التي لم تستطع يوماً أن تحقق إنجازاً قوميّاً واحداً ولا استطاعت أن تنصر حقاً «عربياً « واحداً، فضح عرب آل سعود الذين فقدوا مصداقيتهم على كلّ الصعد، وباتوا غارقين في فشلهم لا يستعملون وسيلة ناجحة للخروج من المستنقعات التي أغرقوا أنفسهم فيها. كلّ حقدهم المذهبي تفجّر بوجه إيران فعرّتهم وفضحت تخاذلهم وتآمرهم. أين كانت عزتهم القومية يوم استولى شاه إيران على ثلاث جزر تقول الإمارات إنّها تابعة لسيادتها؟ ولماذا كان عليهم الانتظار لما بعد الإطاحة بشاه إيران للمطالبة بها؟ أليس لأنّ شاه إيران كان تابعاً للولايات المتحدة بشكل خاص وللغرب بشكل عام؟ ألم تكن إيران أيام الشاه على المذهب الشيعي؟ هذا يثبت أنّ المسألة ليست مذهبية بل استخدمت المذهبية من قبل «إسرائيل» لحرف وجهة الصراع، فبدلاً من أن يكون معها، وهي التي احتلت فلسطين وقتلت وشردت وهدمت وداست على المقدسات ولا تزال، أصبح مع إيران التي لا ذنب لها سوى أنّها وقفت بوجه الإرهاب الوهابي السعودي ودعمت المقاومة ضدّ «إسرائيل». أين موقف آل سعود اليوم من موقف بعض مشايخ الأزهر، وهم المرجعية السنية الأولى، حيث رفض الشيخ أحمد الطيب مصافحة شمعون بيريز أو حتى التواجد معه في مكان واحد، لأنه اعتبر أنّ المصافحة تعتبر نوعاً من أنواع التطبيع مع «إسرائيل»، وهو أمر لا يقرّه إلى أن تعيد «إسرائيل» للفلسطينيين حقوقهم ويكيبيديا . كذلك فعل الشيخ جاد الحق إمام الأزهر ومفتي الديار المصرية الذي رفض مصافحة الرئيس «الإسرائيلي» عازر وايزمن واعتبرها نوعاً من التطبيع كما رفض نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
إنّ اجتماع وزراء دفاع أكثر من أربعين دولة إسلامية في السعودية، وما قاله ولي العهد محمد بن سلمان حول الإرهاب ليس إلّا ذراً للرماد في العيون. فلا يمكن لفلسفة النعامة أن تكون في هذا الشأن ناجحة ولا ناجعة، لأنّ دعم السعودية لإرهاب «داعش»، بل المساهمة في خلق التنظيم، قد فضحه الأميركيون حلفاء السعودية قبل غيرهم. لقد اعترفت بذلك هيلاري كلينتون وبعدها دونالد ترامب، وتناولت هذه المسألة صحف أميركية وأوروبية كثيرة، ولم يعد هنالك مجال لإنكار هذه الحقيقة. إنّ إخفاق السعودية في سياستها الخارجية الإقليمية، ووقوف محور المقاومة بوجه هذه السياسة الإرهابية التدميرية، أزعج العائلة المالكة، وبدل الرجوع عن الخطأ، وفي ذلك فضيلة ومصلحة ليس فقط للسعودية بل لكلّ الدول التي تدخلت السعودية في شؤونها الداخلية، كان أن ركب المسؤولون السعوديون رؤوسهم ظناً منهم أنّهم يستطيعون سوق كل الدول وشعوبها كما اعتادوا أن يسوقوا إبلهم محاولين الانقلاب على كلّ ثوابت القمم العربية التي كانت ترفض الاعتراف بـ»إسرائيل»، وبدأنا نسمع الفتاوى المقزّزة للعقول قبل النفوس والتي تقول، كما يقول اليهود حرفياً، إنّ الله وعد اليهود بأرض فلسطين.
سقطت ورقة التين لتعرّي، ليس فقط النوايا، بل الأفعال وقبلها العقول الفارغة التي لا زالت تصدّق أنّ الله في وقت من الأوقات كان يملك مكتباً عقارياً لخدمة اليهود فقط. لقد صدق أنطون سعاده عندما قال إنّ ما من أحد يملك الحق بالتنازل عن شبر واحد من الأرض السورية لأيّ كان. فالأرض السورية هي ملك للأمة وما من أحد مخوّل التفريط بحق سيادة الأمة على كامل ترابها القومي.
مهما هوّلت السعودية وادّعت أنّها تحارب الإرهاب، ومهما عقدت من تحالفات لمواجهته، فلن تستطيع حرف وجهة البوصلة عن الدولة الإرهابية الأولى في العالم أي «إسرائيل»، ولن تستطيع مهما رفعت سقف اتهاماتها للمقاومة من أن تغيّر الحقيقة التي يعترف بها العالم وهي أنّ للشعوب الحق بالمقاومة لضمان الوجود وتقرير المصير بوجه أيّ احتلال، وأننا لن نتخلى عن مقاومتنا المشروعة لإفشال كلّ المخططات المعادية لمصلحة أمتنا مهما طال الزمن.