البراغماتية الجنبلاطية: التكيّف مع الإسلام التكفيري
يوسف المصري
توقفت مصادر متابعة عند حديث النائب وليد جنبلاط لفضائية لبنانية ليل الثلاثاء الماضي، وذلك انطلاقاً من عدة نقاط أساسية:
أولها موقف جنبلاط من «جبهة النصرة» حيث نزع عنها صفتها التكفيرية واعتبرها جزءاً من الثورة السورية. وبرأي هذه المصادر فإن جنبلاط بدا عبر هذا الكلام وكأنه يقدم أوراق اعتماد لـ«النصرة» وشقيقاتها بأنه على استعداد للتأقلم معها ليس فقط كقوة موجودة في سورية بل كمناخ سيصل مناخها في المقبل من الأيام إلى لبنان. وكل ذلك يبرره جنبلاط بأنه واقعية سياسية لا بد من السير بها في هذه المرحلة الصعبة لأنها السبيل الوحيد لحماية أمن البلد.
ثانياً – تقصد جنبلاط خلال إطلالته التلفزيونية الكشف عن سر كان شاع في كواليس الشوف السياسية والدينية منذ أيام، وذلك بغية التخفيف من دلالات وطأته. ومفاد هذا السر هو اعتراض البيئة المشيخية الدرزية على مصطلح استخدمه جنبلاط خلال خطابه لدى زيارته حاصبيا والذي دعا فيه الدروز «للعودة إلى الإسلام». لقد أزعج هذا التعبير مشايخ الدروز، وسارعوا في اللحظة ذاتها للاعتراض عليه، انطلاقاً من زاويتين أساسيتين أولاً لأن الدروز لم يخرجوا من الإسلام حتى يعودوا إليه. وثانياً لأن توقيت إطلاقه أي المصطلح يخدم فكرة تصوير بيئة الدروز العرب من فلسطين إلى سورية مروراً بلبنان، وكأنهم يقدمون صكوك استسلامهم لـ«داعش» و«النصرة» حتى قبل أن يربحا حرب فرض رؤيتهما للدين الإسلامي على المنطقة.
وكان جنبلاط علق على اعتراض المشايخ على مصطلح «العودة للإسلام» بالقول: آسف لنقل تأكيد إسلام الموحدين. وحتى هذا التصحيح لم يجد الرضا الكامل من المشايخ.
ثالثاً – تستغرب أوساط سياسية لبنانية موقف جنبلاط الداعي للتعامل مع المستقبل وكأنه أصبح محجوزاً للقوى الإسلامية المتشددة التي يجب على الأقليات المسلمة وغير المسلمة أن تقدم لها تنازلات عقائدية منذ الآن وأن تتكيف مع مناخها السياسي والفكري والاجتماعي كشرط لضمان سلامة بقائها.
وتقول هذه الأوساط إن ما يمارسه جنبلاط على هذا الصعيد ليس استشرافاً ذكياً للمستقبل، ولكنه نوع من «خطأ الشاطر» والتسرع في ضبط مواقفه على أساس قراءة لا يتفق أحد في المنطقة معه فيها، فالمطروح الآن من كوباني إلى سنجار إلى دول كمصر وتونس والعراق هو مواجهة الحالة التكفيرية بكل أشكالها الظاهرة والمستترة وليس الاستعداد للتكيف مع هيمنتها.