اليمن بعد فشل الانقلاب… ما الفرضيات المطروحة؟
العميد د. أمين محمد حطيط
إذا كان انقلاب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على حلفائه أنصار الله في اليمن لم يكن مفاجئاً إلى درجة الصدمة كما يتصور البعض، فإنّ فشل الانقلاب ثم مقتل قائده شكّل مفاجأة صعقت أصحاب الانقلاب أولاً واهتزّ لها وبها كلّ مَن يعنيه شأن اليمن بشكل مباشر أو غير مباشر، وفرضت النتائج مشهداً يمنياً جديداً ستكون له من التداعيات ما لم يكن أصحاب الانقلاب قد تحسّبوا له كما نظن. الأمر الذي وضعهم أمام خيارات واحتمالات شتى، فأي مسار ستسلكه الأحداث بعد هذا الأمر؟
لقد قادت السعودية عدواناً على اليمن ظنت عند إطلاقه أن بإمكانها السيطرة عليه في أسابيع قليلة، بعد أن أنشأت لذلك تحالفاً عسكرياً، وأطلقت على عدوانها تسمية عاصفة الحزم تيمناً بعاصفة الصحراء الأميركية، وبالتحالف الذي شكّلته أميركا لتنفيذها، لكن الميدان كذب الحسابات السعودية وخيّب الآمال المعقودة على العدوان الذي تدرّج خلال السنوات الثلاث الماضية في مراحل أربع فشلت جميعها في تحقيق أيّ من أهداف العدوان.
لقد عجزت السعودية في المرحلة الأولى مرحلة الحزم المدعى أن تقود اليمن إلى الاستسلام وأثبت اليمنيون بجيشهم ولجانهم الشعبية قدرة على احتواء الموجة الأولى، والتي كانت تنكّل على القصف الجوي التدميري وتكيّفوا مع أخطارها وتفلتوا منها. ثم كانت المرحلة الثانية التي اعتمدت عملاً عسكرياً مركباً جوياً وبرياً، وتمكّنت السعودية فيه مع الإمارات العربية أن تحقّق خرقاً من الوصول إلى عدن، ولكن الخرق لم يصل إلى مستوى وصفه بالنجاح أو الانتصار، فانتقلت السعودية إلى المرحلة الثالثة التي ظنّت فيها أن عملاً مندمجاً ومركباً من قوات محلية وقوات عسكرية أجنبية مدعومة بطيران قوي وفاعل سيسحق مَن تسمّيهم المتمردين الحوثيين، وأيضاً كان الفشل حليف السعودية فاستنفدت الوقت والطاقة وبقي أنصار الله الحوثيون المتحالفون مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح في مواقع قوة في الميدان ويوجّهون للسعودية الصفعات المؤلمة والمهينة في آن معاًَ في اليمن وعلى الحدود وصولاً الى الرياض.
وفي المرحلة الرابعة من العدوان اعتمدت قيادة العدوان خطة إجرامية تقوم على استراتيجية التجويع والتشظي. خطة بدأ الإعداد لها منذ ستة أشهر تقريباً، وتتضمن حصاراً محكماً على اليمن مترافقاً مع إعلام يحمّل الحوثيين مسؤولية التجويع ثم انقلاب الرئيس السابق صالح على التحالف مع الحوثيين وشقّ الصف الدفاعي اليمني، ما يمكّن السعودية وحلفاءها في الإمارات العربية من حسم النزاع ووضع اليد على اليمن وتعويض هزيمة السنوات الثلاث.
لقد أعدّ علي عبدالله صالح للانقلاب بعناية، وشرع في تحضيراته منذ حزيران/يونيو 2017 الماضي بإشراف إماراتي مباشر مع تمويل سخيّ لإعداد قوى عسكرية يمنية كفؤة وقادرة على السيطرة الخاطفة على صنعاء والمدن الكبرى الأخرى الواقعة تحت سيطرة مشتركة بينه وبين الحوثيين. وبالفعل ورغم الهواجس الحوثية من إمكان انزلاق صالح إلى هذه المؤامرة التي يخون فيها تحالفاته، ورغم الإيحاءات والإيماءات والإشعارات التي وجّهها بتهذيب ولطف السيد عبدالملك الحوثي علانية أو سراً الى صالح، فإن الأخير، مأخوذاً بغرور ما، مضى في انقلابه وفسخ الشراكة مع الحوثيين من جانب واحد وشهر السلاح بوجههم وقاتلهم فشكّل فعله في الميزان اليمني والأخلاقي خيانة، بكل ما في الكلمة من معنى، خيانة تمثلت باستعداء الحليف وعقد التحالف مع العدو الذي قاتله 3 سنوات قاسى فيها علي صالح العفاش أسوأ ما يمكن أن يواجه شخص من عدوّه.
لكن الانقلاب الغادر ووجه بصلابة ووعي من انصار الله، مواجهة ذكرت بـ 7 أيار اللبناني الذي أجهز فيه حزب الله على مؤامرة نزع سلاحه. وبالفعل ورغم تحقيق انقلاب صالح إنجازاً ميدانياً مهماً في صنعاء خلال الـ 24 ساعة الأولى من التنفيذ، فإن الـ 24 ساعة التي تلت كانت كفيلة بإفشاله حيث تمكّن أنصار الله من شن الهجوم المعاكس السريع والرشيق وإعادة الحال في صنعاء إلى ما كانت عليه، وقطع الطريق على التحرّك في المدن الأخرى بشكل مكّن المراقبين من القول بأن الانقلاب أُجهض خلال يومين فقط، وكان اليوم الثالث يوم تصفية آثاره ومعاقبة الخونة. ما أدى الى مقتل الرئيس السابق صالح مع جمع من أنصاره أثناء فراره من صنعاء بعد فشل الانقلاب.
لقد شكلت هذه الهزيمة للعدوان في مرحلته الرابعة، زلزالاً في اليمن وفي الإقليم، سيكون لها من غير شك أثر كبير على مصير العدوان على اليمن ومساره، ولن تكون المنطقة برمّتها بمنأى عن تداعياتها. وإذا كان الموضوع الأخير يتطلب بحثاً خاصاً مفصلاً، فإن سؤالنا الآن يدور حول الخيارات التي ستعتمدها السعودية والإمارات بعد فشل انقلاب علي عبد الله صالح ومقتله. وهنا نستعرض الفرضيات والاحتمالات كالتالي:
قد يفكّر او يهول التحالف السعودي بالتصعيد من إجراءاته العدوانية الانتقامية ومن حصاره وقصفه وهجومه. وهنا نقول إن السعودية مارست حتى الآن كل ما تستطيع فعله وإن ورقة صالح كانت الورقة الأخيرة التي كان يمكنها اللجوء اليها. وبالتالي، فإننا لا نرى موجباً للاهتمام بمثل هذه الفرضية، وإن جلّ ما يمكن السعودية فعله عسكرياً هو أن تتابع عدوانها في المستوى الذي هو عليه الآن، ولكن حتى هذا فإن الأمر مشكوك به بعد أن بدا الإعياء والإرهاق عليها.
قد تبذل السعودية جهوداً إضافية لاستقدام قوات أجنبية من أجل تحقيق خرق أو تسجيل إنجاز في الميدان يمكنها من فرض شروط في الحل يحفظ لها ماء وجهها. ونحن نرى أن هذا الفرض منخفض السقف خاصة، إذا عرفنا مدى تردد الخارج في الاستجابة للسعودية، عندما كانت في وضع أفضل، فكيف بها الآن وانتصارها بات ميؤوساً منه، لا بل إنه مستحيل ولا تجد عاقلاً يستثمر في تجارة مفلسة. كما لا ننسى أن أهم قوة خارجية تعمل مع السعودية الآن في اليمن هي القوى السودانية، تفكر بتخفيض حجمها أو الانسحاب كلياً من اليمن.
قد تستثمر السعودية مقتل صالح للدفع نحو حرب أهلية يمنية. وهنا لا نرى أننا بحاجة الى طويل نقاش وتحليل. ونكتفي بالقول بأن صالح والحوثيين كلاهما زيدي المذهب، وأن قبائل اليمن ترفض الخونة والخيانة وصالح في مقاييسها خائن لا يستحق المطالبة بدمه. وفي الواقع نرى أن مقتله وحسم الصراع بهذه السرعة قطع الطريق على الحرب الأهلية ووحّد قبضة القيادة في المناطق المحرّرة.
أما الفرض الرابع فنراه مستجيباً إلى قواعد العقل والمنطق، ولكن المشكلة مع القيادة السعودية الحالية أنها تناصب العداء للمنطق، ولذلك فإن عملها بحل منطقي يبقى مستبعداً، ومع هذا لا بدّ من طرح هذا الفرض والذي يشكل مخرجاً معقولاً من الأزمة ويتمثل باللجوء الى طرف ثالث للوساطة بين قوى الدفاع عن اليمن وقوى العدوان عليه، للوصول إلى حل يوقف العدوان ويطلق العملية السياسية اليمنية التي تحفظ الجميع. وقد كان في كلمة امير الكويت في مؤتمر مجلس التعاون الخليجي الأخير إيحاء بإمكانية العمل بمثل هذا الفرضية. لكن رعونة وغرور القيادة السعودية تجعل الاحتمال ضعيفاً.
وبالخلاصة نرى أن ما آلت اليه المحاولة الانقلابية في اليمن هو في أسوأ التقديرات لصالح الدفاع عن اليمن، حيث حرمت العدوان من آخر أوراقه وقطعت الطريق على الحرب الاهلية ووحّدت البندقية المدافعة عن اليمن وأنتجت بيئة قد تلزم قيادة العدوان، إذا اعملت العقل والمنطق بالخروج من مستنقع اليمن ووضع حدّ للحرب عليه.
أستاذ جامعي وباحث استراتيجي